الا يعتبر القرآن محرفا ؟اذا عدت البسملة آية في جميع سور القرآن، لانها ليست معدودة كأول آية في المصاحف التي بين ايدينا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أنّ المعروفَ بينَ علماءِ الإماميّةِ – قديماً وحديثاً - أنَّ البسملةَ جزءٌ مِن كلِّ سورةٍ عدا سورةِ "براءة" وِفقاً لِـما هوَ مُثبّتٌ فِي القرآنِ الكريمِ المطبوعِ المتداولِ والمُنتشرِ بينَ جميعِ المُسلمينَ في جميعِ العصورِ. إذ قالَ المُحقّقُ البحرانيّ فِي الحدائقِ (8/ 106): لا خلافَ بينَ الأصحابِ في أنَّ البسملةَ آيةٌ مِنَ الفاتحةِ ومِن كلِّ سورةٍ تجبُ قراءتُها معَها ما عدا سورةِ براءةٍ، وعليهِ تدلُّ الأخبارُ المتكاثرةُ: فروى ثقةُ الإسلامِ في الكافِي عَن معاويةَ بنِ عمّارٍ قاَل: "قلتُ لأبِي عبدِ اللهِ (عليهِ السّلامُ) إذا قمتُ للصّلاةِ اقرأُ "بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ" في فاتحةِ القُرآنِ؟ قالَ: نعَم. قلتُ فإذا قرأتُ فاتحةَ الكتابِ اقرأُ "بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ" معَ السّورةِ؟ قالَ: نعَم". وما رواهُ الشّيخُ فِي الصّحيحِ عَن محمّدٍ بنِ مسلمٍ قالَ: "سألتُ أبا عبدِ اللهِ (عليهِ السّلامُ) عَنِ "السّبعِ المثانِي والقرآنِ العظيمِ" هيَ الفاتحةُ؟ قالَ: نعَم. "قلتُ بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ" منَ السّبعِ؟ قالَ: نعَم هيَ أفضلهنَّ". وما رواهُ في الكافِي عَن يحيى بنِ أبي عمرانَ الهمدانيّ قالَ: "كتبتُ إلى أبِي جعفرٍ (عليهِ السّلامُ) جُعلتُ فداكَ مَا تقولُ فِي رجلٍ ابتدأ ببسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ فِي صلاتهِ وحده فِي أمِّ الكتابِ فلمَّا صارَ إلى غيرِ أمِّ الكتابِ مِنَ السّورةِ تركهَا فقالَ العيّاشيُّ: ليسَ بذلكَ بأسٌ؟ فكتبَ بخطّهِ يعيدُهَا مرّتينِ على رغمِ أنفهِ يعنِي العيّاشيّ". ومنهُ عَن أبِي حمزةَ عَن أبي جعفرٍ (عليهِ السّلامُ) قالَ: "سرقُوا أكرمَ آيةٍ فِي كتابِ اللهِ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ". ومنهُ عَن عيسَى بنِ عبدِ اللهِ عَن أبيهِ عَن جدّهِ عَن عليٍّ (عليهِ السّلامُ) قالَ: "بلغهُ أنَّ أناساً ينزعونَ "بسمِ اللهِ الرّحمنِ" الرّحيمِ فقالَ: هيَ آيةٌ مِن كتابِ اللهِ أنساهُم إيّاها الشّيطانُ". وقالَ السّيّدُ الخوئيّ (قده) فِي منهاجِ الصّالحينَ مسألة 603: البسملةُ جزءٌ مِن كلِّ سورةٍ فتجبُ قراءتُها معهَا عدا سورةِ "براءة”. أمّا عندَ المخالفينَ فرغمَ ظهورِ الأدلّةِ على كونِها منَ القرآنِ ومِنَ الفاتحةِ ومِن كلِّ سورةٍ وقَد كُتِبَت وأثبتَت فِي جميعِ المصاحفِ على مرِّ العصورِ ولكنّهُم خالفُوا الحقَّ المُبينَ فاختلفُوا أشدَّ الاختلافِ فيهَا واضطربُوا أيّمَا اضطرابٍ وحاوَلوا التّملّصَ منهَا وحذفهَا وعدمَ الاعترافِ بقرآنيّتهَا عناداً للحقِّ وعناداً للشّيعةِ ولأهلِ البيتِ عليهمُ السّلامُ لمجرّدِ المعاندةِ والمخالفةِ معَ خطورةِ هذا القولِ، ولزومهِ التزامَ وقوعِ التّحريفِ في القرآنِ الكريمِ رغمَ إصرارهِم على القولِ بتكفيرِ مَن يقولُ بتحريفِ القُرآنِ الكريمِ بَل ورغمَ إجماعِ المسلمينَ على عدمِ وجودِ زيادةٍ فِي القُرآنِ مِمَّا ليسَ منهُ فلا ندرِي كيفَ يثبتونَ البسملةَ فِي القُرآنِ فِي المصاحفِ معَ عدمِ قولهِم بقرآنيّتهَا؟ فقَد قالَ النّوويّ الشّافعيّ في مجموعهِ (2/ 334): اعلَم أنَّ مسألةَ البسملةِ عظيمةٌ مهمّةٌ ينبنِي عليهَا صحّةُ الصّلاةِ التي هيَ أعظمُ الأركانِ بعدَ التّوحيدِ... (إلى أن قالَ): قَد ذكرنَا أنَّ مذهبنَا أنَّ البسملةَ آيةٌ مِن أوّلِ الفاتحةِ بلا خلافٍ فكذلكَ هيَ آيةٌ كاملةٌ مِن أوّلِ كلِّ سورةٍ غيرِ براءةٍ على الصّحيحِ مِن مذهبنا كمَا سبقَ وبهذا قالَ خلائقُ لا يحصَونَ مِنَ السّلفِ قالَ الحافظُ أبو عمرو بنُ عبدِ البرِّ: هذا قولُ ابنِ عبّاسٍ وابنِ عمرَ وابنِ الزّبيرِ وطاووسٍ وعطّاءٍ ومكحولٍ وابنِ المنذرِ وطائفةٍ، وقالَ: ووافقَ الشّافعيَّ في كونِها مِنَ الفاتحةِ أحمدُ واسحقُ وأبو عبيدٍ وجماعةٌ مِن أهلِ الكوفةِ ومكّةَ وأكثرُ أهلِ العراقِ وحكاهُ الخطّابيُّ عَن أبِي هريرةَ وسعيدٍ بنِ جبيرٍ ورواهُ البيهقيُّ فِي كتابهِ الخلافيّاتُ بإسنادهِ عَن عليٍّ بنِ أبي طالبٍ والزّهريّ وسُفيانَ الثّوريّ وفي السّنَنِ الكبيرِ لهُ عَن عليٍّ وابنِ عبّاسٍ وأبِي هريرةَ ومحمّدٍ بنِ كعبٍ. وقالَ مالكٌ والأوزاعيُّ وأبو حنيفةَ وداودَ ليستِ البسملةُ في أوائلِ السّورِ كلّهَا قرآناً لا في الفاتحةِ ولا فِي غيرهَا وقالَ أحمدُ: هيَ آيةٌ في أوّلِ الفاتحةِ وليسَت بقرآنٍ فِي أوائلِ السّورِ وعنهُ روايةٌ أنّهَا ليسَت منَ الفاتحةِ أيضاً وقالَ أبو بكرٍ الرّازي مِنَ الحنفيّةِ وغيرهِ منهُم: هيَ آيةٌ بينَ كلِّ سورتينِ غير الأنفالِ وبراءةٍ وليسَت منَ السّورِ بَل هيَ قرآنٌ كسورةٍ قصيرةٍ، وحكي هذا عَن داودَ وأصحابهُ أيضاً (يقصدُ الظّاهريّةَ) وروايةٌ عَن أحمد.وهذا القولُ الأخيرُ هوَ القولُ الثّالثُ لأحمدَ بنِ حنبلٍ الذي التزمَ الوهّابيّةُ بهِ مؤخّراً؛ للتّخلّصِ ممَّا يلزمهُم منَ القولِ بالتّحريفِ لكونهِم لا يقرؤونهَا فِي الصّلاةِ؛ وهوَ قولٌ متناقضٌ مضطربٌ مبتدعٌ مخالفٌ للأدلّةِ ويلزمُ منهُ القولُ بتحريفِ القرآنِ؛ لأنّهُ يضيفُ سوراً أخرى (113 سورةً) لسورِ القُرانِ المجمعِ على كونِها (114) سورةً وليسَ (227) سورةً! وهذا قولٌ باطلٌ ومخالفٌ لإجماعِ الأمّةِ على كونِ عددِ سورِ القُرآنِ هوَ (114 سورةً) وكذلكَ مُخالفٌ لإجماعِ الأمّةِ على كونِ سورةِ الكوثرِ أقصرَ سورِ القُرآنِ وإلّا لقالُوا البسملةُ هيَ أقصرُ سورِ القرآنِ، وكذلكَ هوَ مخالفٌ لقولِ عمرَ كمَا روى أحمدُ فِي مسندهِ عَن عبّادٍ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزّبيرِ قالَ أتَى الحرثُ بنُ خزيمةَ بهاتينِ الآيتينِ مِن آخرِ براءةٍ: (لقَد جاءكُم رسولٌ مِن أنفسكُم) إلى عمرَ بنِ الخطّابِ فقالَ: مَن معكَ على هذا؟ قالَ: لا أدرِي واللهِ إنّي أشهدُ لسمعتُها مِن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ووعيتُها وحفظتُها فقالَ عمرُ: وأنَا أشهدُ لسمعتُها مِن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ثُمَّ قالَ: لو كانَت ثلاثَ آياتٍ لجعلتُها سورةً على حدةٍ. فانظرُوا سورةً مِنَ القُرآنِ فضعوهَا فيهَا فوضعتهَا فِي آخرِ براءةٍ. وهذا يدُلُّ على أن السّورةَ يجبُ أن تتكوّنَ مِن ثلاثِ آياتٍ على أقلِّ تقديرٍ وبذلكَ يتبيّنُ بطلانُ وكذبُ وابتداعُ مَنِ ادّعَى أنَّ البسملاتِ فِي السّورِ إنّمَا هيَ سورٌ مستقلّةٌ فِي القرآنِ! وقالَ محمّدٌ بنُ الحسنِ (تلميذُ أبِي حنيفةَ) مَا بينَ دفّتَي المصحفِ قرآن. وأجمعتِ الأّمةُ على أنّهُ لا يكفرُ مَن أثبتهَا ولا مَن نفاهَا لاختلافِ العُلماءِ فيهَا بخلافِ مَا لو نفى حرفاً مجمعاً عليهِ أو أثبتَ مَا لم يقُل بهِ أحدٌ فإنّهُ يكفرُ بالإجماعِ. أهـ فانظُر أخِيَ العزيزُ إلى تخبّطهِم فِي أعظمِ وأكرمِ وأهمِّ آيةٍ فِي القُرآنِ الكريمِ وهيَ محلُّ ابتلاءٍ فِي كلِّ زمانٍ ومكانٍ لجميعِ المسلمينَ، وقَد صلَّى رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ) سنواتٍ عديدةً ويوميّاً أمامَهُم وصلّى بهِم كلَّ يومٍ خمسَ مرّاتٍ ولم يهتدُوا لحكمِها والجزمِ بقرآنيّتهَا أو الجهرِ والإخفاتِ بها معَ تكفيرهِم مَن يقولُ بتحريفِ القُرآنِ مِنَ الزّيادةِ والنّقصانِ فيهِ! بَل قَد أثبتَ المخالفونَ أنَّ مذهبَ وإجماعَ أهلِ البيتِ عليهمُ السّلامُ مِنَ العترةِ الطّاهرةِ على قراءتِهَا والجهرِ بهَا كمَا قالَ الشّوكانيُّ فِي كتابه نيل الأوطار (2/ 217): وذكرَ البيهقيُّ فِي الخلافيّاتِ أنّهُ اجتمعَ آلُ الرّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ على الجهرِ ببسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، حكاهُ عَن أبي جعفرٍ الهاشميّ [يعني بهِ الإمامَ الباقرَ عليهِ السّلامُ]، ثُمَّ قالَ: ومثلهُ فِي الجامعِ الكافِي وغيرهُ مِن كتبِ العترةِ. ثمَّ قالَ: وقَد ذهبَ جماعةٌ مِن أهلِ البيتِ إلى الجهرِ بهَا فِي الصّلاةِ السّريّةِ والجهريّة. ومِن هُنا يجبُ أن يتنبّهَ الأخوةُ المؤمنونَ منَ الشيعةِ الإماميّةِ إلى قضيّةِ البسملةِ حينَ تشيرُ بعضُ المُستحبّاتِ منَ الأعمالِ إلى قراءةِ الآياتِ الخمسِ الأولى مِن سورةِ البقرةِ أو سورةِ النساءِ أو الحديدِ أو طه أو غيرِها منَ السور، فعلى المطبوعِ منَ القرآنِ العظيم الذي فيهِ آيةُ البسملةِ غيرُ داخلةٍ في العددِ، يجبُ أن تقرأ البسملةَ معَ أربعِ آياتٍ، حتّى يتحقّقَ العملُ المُستحبُّ وفقَ شروطِه، وأمّا إذا نسيتَ أو سهوتَ عن ذلكَ فإنّكَ ستقرأ البسملةَ معَ الآياتِ الخمسِ، فيكونُ المجموعُ ستُّ آياتٍ، في أنّ المطلوبَ منكَ في العملِ المُستحبِّ هوَ خمسُ آياتٍ لا سِت. فلذا اقتضى التنبيهُ. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق