ما هوَ الدليلُ العقليُّ على أنَّ المؤمنَ لا يدخلهُ اللهُ النار؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مُلخّصُ الإجابةِ: ثبتَ أنَّ العقلَ قادرٌ على التحسينِ والتقبيحِ العقليّين، وأنَّ هناكَ أفعالٌ بذاتِها حسنةٌ فيُمدحُ فاعلها، وهناكَ أفعالٌ بذاتِها قبيحةٌ فيذمُّ فاعلها، وثبتَ أيضاً أنَّ العدلَ ذاتيُّ الحُسنِ فيتعيّنُ فعله، وأنَّ الظلمَ ذاتيُّ القبحِ فيتعيّنُ تركُه، وعليهِ فإنَّ إدخالَ المؤمنِ المُطيعِ للجنّةِ منَ العدل، واللهُ تعالى عادلٌ لا يصدرُ عنهُ إلّا العدل، فينتجُ عن ذلكَ وجوبُ إدخالِ المؤمنِ المُطيعِ للجنّة. وكذلكَ إدخالُ المؤمنِ المُطيعِ للنارِ ظلمٌ، واللهُ تعالى مُنزّهٌ عن الظلمِ فينتجُ عن ذلكَ استحالةُ إدخالِ المؤمنِ المُطيعِ للنار. تفصيلُ الإجابةِ: اتّضحَ مِن مُلخّصِ الإجابةِ ارتكازُ الدليلِ العقليّ على التحسينِ والتقبيحِ العقليّين، أي أنَّ العقلَ بذاتِه قادرٌ على الحُكمِ بحُسنِ الأفعالِ وقُبحِها، وهيَ منَ المسائلِ التي وقعَ الخلافُ فيها بينَ العدليّةِ والأشاعرة، حيثُ اعتقدَ الأشاعرةُ بأنَّ الحسنَ ما حسّنَه الشرعُ والقبيحُ ما قبّحَه الشرع، وبالتالي ليسَ للعقلِ قدرةٌ على القيامِ بذلكَ دونَ دلالةِ الشرع، وما يترتّبُ على موقفِ الأشاعرةِ هو جوازُ إدخالِ المؤمنِ المُطيعِ للنار، وإدخالِ الكافرِ العاصي للجنّة، وبذلكَ يستحيلُ الاستدلالُ عقلاً على ضرورةِ دخولِ المؤمنِ للجنّةِ بحسبِ مبنى الأشاعرة، إلّا أنّهُ ثبتَ بطلانُ هذا المبنى بحسبِ ما تمَّ تحقيقُه في كتبِ الكلامِ والأصولِ الشيعيّة، فلولا قُدرةُ العقلِ على التحسينِ والتقبيحِ لما استقامَ دينٌ منَ الأساس، ولمَن أرادَ التفصيلَ يمكنُه الرجوعُ لبعضِ الكتبِ الكلاميّةِ أو الأصوليّة. والأمرُ الآخرُ أنَّ الدليلَ العقليَّ كما يُصطلحُ عليهِ في علمِ المنطقِ هوَ ما كانَت مقدّمتاهُ (الكُبرى والصُّغرى) عقليّتين، أمّا الدليلُ النقليُّ أو الشرعي هوَ ما كانَ أحدُ مُقدّمتيه أو كلاهما شرعيّتين، وبحسبِ هذا التقسيمِ يُعدُّ الاستدلالُ على دخولِ المؤمنِ للجنّةِ بالقرآنِ أو السنّةِ مِن أدلّةِ الشرعِ وليسَ العقل، إلّا أنَّ ذلكَ لا يمكنُ قبولهُ على إطلاقِه، فالنصوصُ الشرعيّةُ فيما له علاقةٌ بالعقائدِ نصوصٌ إرشاديّةٌ وليسَت تعبّديّةً، أي أنّها ترشدُنا إلى ما هوِ ثابتٌ بحُكمِ العقل، وعليهِ تكونُ دلالةُ النصوصِ في هذهِ المواردِ دلالةً عقليّة وليسَت مُجرّدَ دلالةٍ تعبديّة، فمثلاً قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا) يعدُّ دليلاً عقليّاً على وحدانيّةِ اللهِ تعالى، وهكذا الحالُ في جميعِ الأدلّةِ الإرشاديّةِ فهيَ في الواقعِ أدلّةٌ عقليّةٌ حتّى وإن جاءَت بلسانِ الشرع، ومِن هُنا فإنَّ استبعادَ النصوصِ الدينيّةِ والمُطالبةَ فقط بالأدلّةِ العقليّةِ في ما يتعلّقُ بوجوبِ دخولِ المؤمنِ للجنّةِ ليسَ صحيحاً طالما أنَّ الأدلّةَ النقليّةَ تقومُ أيضاً على دلالةِ العقل، وإذا رجَعنا لكلِّ الآياتِ التي وردَ فيها دخولُ الجنّةِ والنارِ لوجَدنا أنّها تشترطُ الإيمانَ كشرطٍ لدخولِ الجنّة، وتشترطُ الكُفرَ كشرطٍ لدخولِ النار، ومتى ما تحقّقَ الشرطُ تحقّقَ المشروطُ بحسبِ حُكمِ العقلِ، وعليهِ تصلحُ كلُّ هذهِ الآياتِ لترتيبِ القياسِ العقليّ، طالما كانَت الجنّةُ والنارُ كحقائقَ ثابتةٍ عندَ السّائل، وإلّا لما جازَ له السّؤالُ عن الدليلِ العقليّ على عدمِ دخولِ المؤمنِ إلى النار، فبثبوتِ أنَّ هناكَ جنّةٌ وهناكَ نار، وثبوتُ أنَّ الجنّةَ جُعلَت للمؤمنينَ والنارَ جُعلَت للكافرينَ يثبتُ أنَّ المؤمنَ سيكونُ مصيرُه حتماً للجنّةِ والكافرَ مصيرُه حتماً إلى النارِ، ويكونُ شكلُ البرهانِ العقلي كالتالي: جُعلَت الجنّةُ للمؤمنِ، وفلانٌ مؤمنٌ، فالنتيجةُ أنَّ فلاناً مصيرُه الجنّة، وكذلكَ الحالُ بالنسبةِ للنّار، جُعلَت النارُ للكافر، وفلانٌ كافرٌ فالنتيجةِ فلانُ مصيرُه النار.ومِن هُنا فإنَّ الاستدلالَ بآياتِ القرآنِ على استحالةِ دخولِ المؤمنِ كاملِ الإيمانِ للنّارِ يعدُّ استدلالاً عقليّاً وليسَ مُجرّدَ نصوصٍ تعبديّة، فمثلاً لو جاءَ الأمرُ معكوساً فبدلَ أن تتوعّدَ آياتُ القرآنِ الكافرِ بالنارِ بشّرَته بالجنّةِ وفي المُقابلِ توعّدَت المؤمنَ بالنار، فحينَها لا يجوزُ لعاقلٍ تصديقُ ذلك، إذ كيفَ يصدّقُ العقلُ بأنَّ المُحسنَ يساءُ إليهِ والمُسيءُ يحسنُ إليه؟ ومِن هُنا فإنَّ بشارةَ المؤمنَ في القرآنِ بالجنّةِ تأتي في سياقِ دلالةِ العقلِ بمُجازاتِ المُحسن، قالَ اللهُ تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعدَ اللَّـهِ حَقًّا وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللَّـهِ قِيلًا * لَّيسَ بِأَمَانِيِّكُم وَلَا أَمَانِيِّ أَهلِ الكِتَابِ مَن يَعمَل سُوءًا يُجزَ بِهِ وَلَا يَجِد لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَن يَعمَل مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَـئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظلَمُونَ نَقِيرًا)، وكذلكَ قولهُ تعالى: (إِنَّ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَاستَكبَروا عَنها لا تُفَتَّحُ لَهُم أَبوابُ السَّماءِ وَلا يَدخُلونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ وَكَذلِكَ نَجزِي المُجرِمينَ)، وقالَ تعالى: (وَنادى أَصحابُ الجَنَّةِ أَصحابَ النّارِ أَن قَد وَجَدنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَل وَجَدتُم ما وَعَدَ رَبُّكُم حَقًّا قالوا نَعَم فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَينَهُم أَن لَعنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظّالِمينَ) وغيرُ ذلكَ منَ الآياتِ الدالّةِ على أنَّ الجنّةَ هيَ الجزاءُ الذي أعدَّهُ اللهُ للمؤمنينَ وأنَّ النارَ هيَ الجزاءُ الذي أعدَّهُ للكافرينَ والمُكذّبينَ، وبما أنَّ نقضَ العهودِ قبيحٌ واللهُ تعالى لا يفعلُ القبيحَ فتعيّنَ وجوبُ دخولِ المؤمنِ للجنّةِ ودخولِ الكافرِ للنّار.
اترك تعليق