ما هيَ السُّبلُ التي تجعلُ الانسانَ مُتّزناً منَ ناحيةِ العقائدِ؟ وما هوَ الحلُّ لمَن يُعاني مِن انهدامِ المعرفةِ ؛ بمعنى يتخوّفُ مِن أيّ نقدٍ تجاهَ الدين؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أوّلاً: لابدَّ منَ التأكيدِ على أنَّ الاعتقادَ القائمَ على الدليلِ والبرهانِ لا يصيبُه الشكُّ والارتياب؛ لأنَّ اليقينَ بطبعِه طاردٌ للشكِّ، فاللحظةُ التي يضعفُ فيها اليقينُ هيَ ذاتُها اللحظةُ التي يجدُ الشكُّ فيها طريقهُ إلى القلب، ومِن هُنا يجبُ على الإنسانِ تحصينُ مُعتقداتِه بطلبِ العلمِ الصّحيح، وقد تواترَت النصوصُ الشرعيّةُ بضرورةِ تحصيلِ العلمِ بكلِّ ما يجبُ الاعتقادُ به، قالَ تعالى: (قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَاب)، وقالَ تعالى: (يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ)، وفي الحديثِ عن الإمامِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ (عليهما السلام) قَالَ: (لَو يَعلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ العِلمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَو بِسَفكِ المُهَجِ، وَخَوضِ اللُّجَجِ، إِنَّ اللهَ-تَبَارَكَ وَتَعَالى- أَوحى إِلى دَانِيَالَ: أَنَّ أَمقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الجَاهِلُ المُستَخِفُّ بِحَقِّ أَهلِ العِلمِ، التَّارِكُ لِلاقتِدَاءِ بِهِم؛ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الجَزِيلِ، اللازِمُ لِلعُلَمَاءِ، التَّابِعُ لِلحُلَمَاءِ، القَابِلُ عَنِ الحُكَمَاء)[ الكافي، ج1، ص85، ح5] وفي المُقابلِ نهَت النصوصُ منَ الاتّباعِ الأعمى ومُسايرةِ الآباءِ والمُجتمعاتِ من دونِ بصيرةٍ ووعي، كما نهَت النصوصُ عن الاعتقادِ القائمِ على الظنونِ والشهواتِ والأهواء، قالَ تعالى: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهوَى الأَنفُسُ وَلَقَد جَاءَهُم مِن رَبِّهِمُ الهُدَى)، وقالَ تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا أَلفَينَا عَلَيهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَو كَانَ آبَاؤُهُم لَا يَعقِلُونَ شَيئًا وَلَا يَهتَدُونَ) وعليهِ فإنَّ أخطرَ الشكوكِ التي تهدمُ اعتقادَ الإنسانِ هي الشكوكُ التي تصادفُ الجاهلَ، فالإنسانُ الذي لا يستطيعُ إقامةَ الحُجّةِ على دينِه ويعجزُ عن ردِّ الشبهاتِ سوفَ تعصفُ به الشبهاتُ يميناً وشمالاً، أمّا العالمُ المُتيقّنُ مِن دينِه والقادرُ على إقامةِ الحُجّةِ على كلِّ ما يؤمنُ به لا يخشى النقدَ ولا تزلزلهُ الشبهاتُ، ومِن هُنا يجبُ أوّلاً سدُّ بابِ الشبهاتِ مِن خلالِ طلبِ العلم. ثانياً: بالنسبةِ للوساوسِ الشيطانيّةِ التي تصيبُ العالمَ والجاهل، فإنَّ طرقَ التخلّصِ مِنها كما أوصَت النصوصُ هوَ الاستعاذةُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم، والتوبةُ والاستغفارُ منَ الذنوبِ، والالتجاءُ إلى اللهِ وطلبُ العونِ منه، قالَ تعالى: (وإمّا ينزغنّكَ منَ الشيطانِ نزغٌ فاستعِذ باللهِ إنّه هوَ السميعُ العليم)، والشيطانُ يستقلُّ همومَ الإنسانِ وآلامَه أو طموحاتِه وتمنّياتِه لينفذَ لقلبِ الإنسانِ ومِن ثمَّ يبثُّ سمومَه وتشكيكاتِه، ومِن هُنا كلّما زهدَ الإنسانُ في الدّنيا وكلّما كانَ راجياً لِما عندَ اللهِ كلّما ضعفَ الشيطانُ في طلبِه، قالَ تعالى: (وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكهُم فِي الأَموَالِ وَالأَولَادِ وَعِدهُم ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إِلَّا غُرُورًا)، ومِن هُنا يجبُ أن لا يغترَّ الإنسانُ بنفسِه ويتواضعَ دوماً للحقيقةِ ويطلبَ العونَ منَ اللهِ ليُثبّتَه على العقيدةِ الصحيحةِ، قالَ تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ)، وقد جاءَ في حرزِ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) كما في البحارِ (وأعوذُ باسمِك وكلماتِك التامّةِ مِن شرِّ الشيطانِ الرجيمِ اللهمَّ إنّي أسألُك باسمِك وكلماتِك التامّةِ مِن خيرِ ما تُعطي وما تسأل، وخيرِ ما تُخفي وما تُبدي، اللهمَّ إنّي أعوذُ باسمِك وكلماتِك التامّةِ مِن شرِّ ما يجري بهِ الليلُ والنهار، إنَّ ربّي اللهُ الذي لا إلهَ إلّا هوَ عليهِ توكّلتُ وهوَ ربُّ العرشِ العظيم، ما شاءَ اللهُ كان. اللهمَّ أنتَ ربّي لا إلهَ إلّا أنتَ عليكَ توكّلتُ وأنتَ ربُّ العرشِ العظيم، لا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم ما شاءَ اللهُ كان، وما لم يشأ لم يكُن، أعلمُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قدير، وأنَّ اللهَ قد أحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلماً، وأحصى كلَّ شيءٍ عدداً اللهمَّ إنّي أعوذُ بكَ مِن شرِّ نفسي ومِن شرِّ كلِّ دابّةٍ أنتَ آخذٌ بناصيتِها إنَّ ربّي على صراطٍ مُستقيم، فإن تولّوا فقُل حسبيَ اللهُ لا إلهَ إلّا هو، عليهِ توكّلتُ وهوَ ربُّ العرشِ العظيم) (البحار، ج91، ص 210)وهكذا يجبُ على الإنسانِ أن يتحصّنَ باللهِ مِن وساوسِ الإنسِ والجان، ويعملَ لذلكَ مِن خلالِ تخيّرِ الأصحابِ الذينَ يربطونَ على قلبِه ويحبّبوا له دينَه، كما يجبُ عليه أن يحرصَ على مجالسِ العلماءِ الذينَ يذكرونَه باللهِ تعالى، والابتعادِ عن مجالسِ البطّالينَ الذينَ يباعدونَ بينَه وبينَ اللهِ تعالى. نسألُ اللهَ الهدايةَ والثباتَ عليها بحقِّ محمّدٍ وآلهِ الطاهرين.
اترك تعليق