هل كل "معمم" مؤهل للإفتاء؟ وما هي المعايير العلمية في تقييم رجال الدين؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ممّا هوَ واضحٌ للعيانِ أنَّ شيعةَ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) يتلقّونَ الفتاوى الشرعيّةَ منَ الفُقهاءِ ومراجعِ التقليدِ، ولا يسمحُ لمَن لم يبلُغ مرتبةَ الاجتهادِ التصدّي لهذا الشأن، وقد أثبتَت التجربةُ العمليّةُ أنَّ القليلَ مِن طلّابِ الحوزاتِ مَن يبلغونَ تلكَ الدرجةَ العلميّة، وهناكَ الكثيرُ منَ الطلّابِ ممَّن ينالون درجاتٍ علميّةً رفيعةً تسمحُ لهم بمُمارسةِ دور الوعظِ والإرشادِ وتوجيه المُجتمعاتِ دينيّاً وأخلاقيّاً، أمّا فيما يخصُّ الفتاوى الشرعيّة فوظيفةُ هؤلاءِ الفضلاءُ هوَ نقلُ فتاوى مراجعِ التقليدِ للمُكلّفينَ كلٌّ بحسبِ مرجعِه، وعليهِ فإنَّ العمامةَ تمثّلُ رمزاً وعلامةً تميّزُ طلّابَ العلومِ الدينيّةِ دونَ أن يكونَ لها أيُّ دلالةٍ على درجتِه العلميّة، ومِن هُنا لا تكونُ العمامةُ كافيةً لمقامِ الفتوى إذا لم يبلُغ صاحبُها درجةَ الاجتهادِ بشهادةِ أهلِ الخبرةِ والاختصاصِ، وهذا ما تعارفَ عليهِ الشيعةُ منذُ غيبةِ الإمامِ الحُجّةِ (عج)، حيثُ ارتبطَ الشيعةُ بالفقهاءِ كضمانٍ لاستمرارِ مسيرةِ الإسلامِ بعدَ غيبةِ الإمام، ولذا كانَ الفقهاءُ ومراجعُ التقليدِ يتمتّعونَ بمنزلةٍ عاليةٍ ودرجةٍ رفيعةٍ وسطَ المُجتمعاتِ الشيعيّة، وسيادةُ الفقيهِ عندَ الشيعةِ إنّما هيَ تابعةٌ لسيادةِ الدين، فلا يتقدّمُ لهذا المنصبِ إلّا أكثرُهم عِلماً وورعاً وزهداً، فقد جاءَ في وصيّةِ الإمامِ الحُجّةِ لشيعتِه في عصرِ الغيبة: (مَن كانَ مِن الفقهاءِ صائِناً لنفسِه، حافِظاً لدينِه، مُخالِفاً لهواه، مُطيعاً لأمرِ مولاه، فللعوامِّ أن يُقلّدوه)، فالضابطُ للمرجعيّةِ هوَ الفقهُ والورع، ولذا لا يمكنُ أن تتوافقَ الحوزةُ على أيّ مرجعيّةٍ ما لم يكُن مِصداقاً حقيقيّاً للفقيهِ الورع، وبذلكَ يتّضحُ أنَّ معيارَ مرجعِ التقليدِ ليسَ في أيدي العامّةِ وإنّما في يدِ الحوزاتِ ضمنَ عُرفٍ توارثوهُ جيلاً عن جيلٍ وصولاً إلى زمنِ الأئمّةِ (عليهم السلام)، وهذا بخلافِ المعاييرِ التي يقاسُ بها عامّةُ رجالِ الدينِ وطلّابُ الحوزاتِ حيثُ يمكنُ لعقلاءِ المُجتمعِ تمييزُهم مِن خلالِ ما يقدّمونه مِن عطاءاتٍ علميّةٍ مثل الكتبِ والمحاضراتِ والدروسِ وغيرِ ذلك، أمّا الجانبُ الأخلاقيُّ والسلوكيّ فيمكنُ لعامّةِ الناسِ معرفةُ مَن هوَ مُتديّنٌ منهم أو مَن هوَ غيرُ ذلك.
اترك تعليق