مَعرفَةُ الأعلمِ مِنَ الفُقهاءِ لا يُشخصُّهُ العَوامُّ بلْ أهلُ الخِبرةِ.
دَوائرُ مغلقةٌ: السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ .. سُؤالي هوَ وأتمنّى الإجابةَ في أقربِ وقتٍ: اذا كانَ الوجوبُ في التَّقليدِ الاعلمِ كيفَ يَستدِلُّ العَوامُّ الَّذينَ ليسَ لَديهِم عِلمٌ في تَحديدهِ مِنْ بَينِ العلماءِ وكيفَ يتمُّ براءةُ الذمَّةِ بالمَعنى الجاهلُ يحدِّدُ أعلميَّةَ عالمٍ مِنْ بَينِ علماءٍ إنْ صحَّ التَّعبيرُ وما غايةُ هذا التّشريعِ ؟ وإليكَ بعضاً مِنْ تلكَ التّوجيهاتِ : الأولى: ذهبَ المجلسيُّ "الإبنُ" المتوفّى سنةَ: "1111هـ" إلى أنّ عليّاً "ع" حينما صدرَ منهُ النّهيُ عن تزويجِ نَجلهِ الحسنِ "ع" «لعلَّ غرضَهُ كانَ إستعلامَ حالهِم ومراتبَ إيمانهِم، لا الإنكارَ على ولدهِ المعصومِ المؤيّدِ مِنَ الحيّ القيّومِ» [مرآةُ العقولِ: ج21، ص96]، وهذا يعني: إنّ المجلسيَّ "الإبنَ" لم يكنْ يرى في زيجاتِ وطلاقاتِ الحسنِ بن عليّ "ع" الكثيرةِ أيّ بأسٍ ومحذورٍ أصلاً، ورأى أنّ النّهي الصّادرَ مِنْ أبيهِ علي "ع" كانَ للامتحانِ والإختبارِ ليسَ إلّا !!!!. الثّانيةُ: أمّا البحرانيُّ المتوفّى سنةَ: " 1186هـ" فقد نقلَ عن بعضِهم حَملُ هذهِ الأخبارِ على سوءِ الخلُقِ الّذي كانَ في تلكَ النّسوةِ وما يشبههُ ممّا يوجبُ أولويّةَ الطّلاقِ، بِمعنى: أنّ الحسنَ بنَ عليّ "ع" كانَ مِطلاقاً بسببِ أنّ عمومَ مُطلّقاتهِ كُنَّ سَيّئاتِ الخلقِ!!، لكنّهُ عادَ ليقرّرَ أنّ ذلكَ بعيدٌ؛ «لأنَّهُ لو كانَ كذلكَ لكانَ عُذراً شَرعيّاً، فكيفَ ينهى أميرُ المؤمنينَ "ع" عن تزويجهِ والحالُ كذلكَ» [الحدائقُ النّاضرةُ: ج25، ص148] . الثّالثةُ: ذهبَ المرحومُ راضي آل ياسين المتوفّى سنةَ: "1371هـ" [وهوَ صاحبُ كتابِ صُلحِ الحسنِ وخالُ المرحومِ الشّهيدِ محمّد باقر الصّدر] إلى توجيهٍ لافتٍ للغايةِ؛ حيثُ نصَّ على أنّ الحسنَ بن عليّ "ع" كان يمارسُ دورَ المحلّلِ في هذهِ الزّيجاتِ لكنَّ المتسرّعينَ في النّقدِ جَهلوا الحقيقةَ، لِنتركِ المجالَ إليهِ لِيُحدّثنا عنْ وجهةِ نظرهِ حيثُ قالَ: «ونسبَ النّاسُ إليهِ زوجاتٍ كثيراتٍ، صعّدوا في أعدادِهنَّ ما شاؤوا، وخفيَ عليهِم أنّ زواجَهُ الكثيرَ الّذي أشاروا إليهِ بهذهِ الأعدادِ ، وأشارَ إليهِ آخرونَ بالغمزِ والانتقادِ لا يعني الزّواجَ الّذي يختصُّ بهِ الرَّجلُ لمشاركةِ حياتهِ، وإنّما كانتْ حوادثَ إستَدعتها ظروفٌ شرعيّةٌ محضةٌ، مِنْ شَأنها أن يَكثرَ فيها الزّواجُ والطَّلاقُ معاً، وذلكَ هو دليلُ سِمتِها الخاصَّة، ولا غَضاضةَ في كثرةِ زواجٍ تقتضيهِ المناسباتُ الشَّرعيّةُ، بل هو ـ بالنظرِ إلى ظروفِ هذه المناسباتِ ـ دليلُ قوَّةِ الإمامِ في عقيدةِ النّاسِ كما اُشيرَ إليهِ، ولكنَّ المُتسرّعينَ إلى النقدِ، جَهلوا الحقيقةَ وجَهلوا إنّهم جاهلونَ، ولَو فَطنوا إلى جوابِ الإمامِ الحسنِ "ع" لعبدِ اللهِ بنِ عامرِ بنِ كريزٍ وقد بنى بزوجتهِ، لكانوا غيرهم اذ يَنتقدونَ» [صلحُ الحسنِ: ص26]. الرّابعةُ: ما ذكرهُ المرحومُ محمّدٌ الشّيرازيُّ المتوفّى سنةَ: "1422هـ"؛ حيثُ قالَ: «لو فُرضَ صحَّةُ الرِّوايةِ فرضاً بعيداً جداً [وقد عَرفنا صِحّتها وفقاً للمقاييسِ الإثنَي عشريّة]، لكانَ السبَبُ إمّا سياسيّاً بجلبِ القبائلِ، أو عاطفيّاً حيثُ إنّ النساءَ كنّ كثيراتٍ في الكوفةِ بإعتبارِ الحروبِ الّتي كانتْ تقعُ بينَ الفرسِ والرّومِ قبلَ الإسلامِ بعشراتِ السَّنواتِ ممّا أيّمتْ النساءُ فبَقينَ هنّ وبناتهنّ بلا والٍ فأرادَ الإمامُ "ع" جبرَ كسرِ خاطرهِنَّ ولو بالتَّزوّجِ لمدَّةٍ قليلةَ؛ حيثُ إنّ ذلكَ يوجِبُ مُلامسةً جنسيّةً، بالإضافةِ إلى شرافةٍ بِمصاهرةِ إبنِ الرسولِ "ص" كما تقدّم في تلكَ الرِّوايةِ، على أنَّ الإمامَ "ع" كان يُزوّدُ المُطلَّقَةَ بمالٍ كثيرٍ بما يُوجِبُ لها راحةَ المعيشةِ في المُستقبلِ...». [الفقه: ج69، ص13].
الأخُ الْمُحْتَرَمُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
بِالنِّسْبَةِ لِمَعْرِفَةِ الْأعْلَمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يُشَخِّصُهُ الْعَوَامُّ مِنَ النَّاسِ، وَنُرِيدُ بِالْعَوامِّ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا يَمْلِكُونَ التَّخَصُّصَ فِي الْفِقْهِ، بَلْ يُشَخِّصُهُ أهْلُ الْخِبْرَةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَفُسِهِمْ، كَأَيِّ فَنٍّ وَعِلْمٍ فِي الدُّنْيَا يُشَخِّصُ الأبرَعُ وَالْأعْلَمُ فِيهِ أَهلَ الْفَنِّ وَالْعِلْمِ نَفْسِهِ.
وَمَا ذَكَرتَهُ مِنْ مِثَالٍ لَيْسَ مُنَاسِبَاً لِسُؤَالِكَ، بَلْ كَانَ الْجَدِيرُ بِكَ أَنَّ تَأْتِيَ بِأَمْثِلَةٍ خِلَافِيَّةٍ فِي مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ لَا مَسْأَلَةٍ تَأْرِيخِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْكَلَاَمَ فِي الْأعْلَمِيَّةِ هُوَ فِي الْفِقْهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْعُلُومِ مِنَ التَّأْرِيخِ وَالْأدَبِ وَالسِّيَاسَةِ وَنَحوِهَا.
وَعَلَى الْعُمُومِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكَ هُوَ الضَّابِطَةُ فِي تَشْخِيصِ الْأعْلَمِ، بِمَعَنى الْعَوْدَةِ إِلَى أهْلِ الْخِبْرَةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَفُسِهِم، وَلَيْسَ لكُلِّ أحَدٍ.
مَلحوظَةٌ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِ كَثْرَةِ زيجَاتِ الْإمَامِ الْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلامُ)، مَا ذَكَرَهُ الْأَعْلَاَمُ- الْوَارِدُ ذِكْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي السُّؤَالِ- هُوَ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْكَثْرَةِ وَإِلَّا فَالْمَوْضُوعُ لَمْ يَثبُتْ تَأْرِيخيّاً، وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَاضِحٍ عِنْدَ الْكَثِيرِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ، رَاجِعْ: الْأئِمَّةَ الِاثْنَا عَشَرَ، لِلشَّيْخِ مُحَمَّد حسَن آل يَاسِين، تَجِدْهُ يُفَنِّدُ هَذِهِ الدَّعْوَى بِالْأَرْقَامِ وَالْوَقَائِعِ.
وَدُمْتُم سَالِمِينَ.
اترك تعليق