نحن نقول أن الله خلقنا من العدم، فإذا كان هناك دليل عقلي على الخلق من عدم أرجو ذكره
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : نحنُ لا نقولُ أنَّ اللهَ خلقنا منَ العدم، وإنّما نقولُ أنَّ اللهَ خلقنا وأوجدَنا بعدَ أن كُنّا عدماً، والفرقُ كبيرٌ بينَ القولين، ففي الأوّلِ يكونُ العدمُ هوَ مصدرُ الوجودِ ومادّته، وهذا مُمتنعٌ بحُكمِ الاستحالةِ العقليّة؛ لأنَّ العدمَ واللا شيءَ لا يكونانِ أساساً وأصلاً للوجودِ وللأشياء، وفي القولِ الثاني، تكونُ إرادةُ اللهِ ومشيتُه هيَ مصدرَ كلِّ مخلوق، ومنَ المعلومِ أنَّ قُدرةَ اللهِ على الخلقِ والإيجادِ لا تتوقّفُ على وجودِ مادّةٍ قديمةٍ لتكونَ أصلاً لوجودِ الأشياء، وإنّما يكفي تعلّقُ إرادةِ اللهِ بالشيءِ ليتحقّقَ وجودُه في الخارج، قالَ تعالى: (إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، فبمُجرّدِ تعلّقِ إرادةِ اللهِ بالشيءِ يخرجُ مِن طورِ العدمِ إلى طورِ الوجود، ولا يعني ذلكَ أنَّ العدمَ كانَ بمثابةِ المادّةِ الأوّليّةِ لذلكَ الشيء، وإنّما يعني أنَّ اللهَ أوجدَه بمشيّتِه بعدَ أن كانَ عدماً، فمثلاً عندَما يصنعُ الإنسانُ شيئاً، فإنَّ ذلكَ الشيءَ قبلَ أن يُصنعَ كانَ عدماً، ولكنَّ مادّتَه التي صُنعَ مِنها كانَت موجودةً، ومنَ المُستحيلِ على الإنسانِ أن يصنعَ شيئاً مِن لا شيء، وإنّما اللهُ وحدُه هوَ القادرُ على ذلكَ، فعن الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السلام) قالَ: (لا يكونُ الشيءُ لا مِن شيءٍ إلّا الله).وعليهِ فإن كانَ السّائلُ يسألُ عن الدليلِ العقليّ على أنَّ العدمَ كيفَ أصبحَ مادّةً للوجود؟ فإنّا لا نقولُ بأنَّ العدمَ هوَ مادّةُ الأشياء، لاستحالةِ ذلكَ بحُكمِ العقل، أمّا إن كانَ يسأل؛ كيفَ وُجدَت الأشياءُ بعدَ أن لم تكُن موجودةً؟ فإنَّ الدليلَ العقليَّ يحكمُ بضرورةِ وجودِ علّةٍ أوجدَتها؛ وذلكَ لاستحالةِ أن توجدَ الأشياءُ نفسها بنفسِها مِن نفسِها، ومتى ما ثبتَ ذلكَ حكمَ العقلُ بوجودِ علّةٍ أوجدَت الأشياء، فمُجرّدُ الاعترافِ بحدوثِها كافٍ لإثباتِ وجودِ المُحدَث، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) قالَ: (الحمدُ للهِ الذي لا مِن شيءٍ كان، ولا مِن شيءٍ كوّنَ ما قد كان، المُستشهِدُ بحدوثِ الأشياءِ على أزليّة)، فاللهُ تعالى هوَ الذي خلقَ الأشياءَ بمشيّتِه دونَ الحاجةِ إلى مادّةٍ أزليّة، ففي الخُطبةِ الفدكيّة لمولاتنا الزهراءِ (عليها السلام) قالت: (ابتدعَ الأشياءَ لا مِن شيءٍ كانَ قبلها، وأنشأها بلا احتذاءِ أمثلةٍ امتثلَها، كوّنَها بقُدرتِه، وذرأها بمشيّتِه، مِن غيرِ حاجةٍ منهُ إلى تكوينِها، ولا فائدةَ له في تصويرِها، إلّا تثبيتاً لحِكمتِه، وتنبيهاً على طاعتِه، وإظهاراً لقُدرتِه، وتعبّداً لبريّتِه، وإعزازاً لدعوته)، وعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) قال: (لم يخلِق الأشياءَ مِن أصولٍ أزليّةٍ ولا مِن أوائلَ أبديّة)، وفي خُطبةٍ أخرى: (أنشأ صنوفَ البريّةِ لا عن أصولٍ كانَت أبديّة).
اترك تعليق