ثبوتُ حقّ التشريعِ للنبيّ والأئمّةِ (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين)
هل أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم والأئمّةَ عليهم السلام لهم حقُّ التشريع؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه تنقسمُ الولايةُ إلى أقسام: القسمُ الأوّل: الولايةُ التكوينيّة: وهيَ عبارةٌ عن تسخيرِ جميعِ المُمكناتِ لإرادتِهم ومشيئتهم. فيستطيعونَ التصرّفَ في الأشياءِ الكونيّة، إيجاداً وإعداماً، إحياءً وإماتةً، تحويلاً وتبديلاً، تقريباً وتبعيداً، شفاءً وإغناءً، كلُّ ذلكَ بإذنِ اللهِ تعالى. وهذهِ الولايةُ ذكرَها اللهُ في القرآنِ وأثبتَها لأنبيائهِ وبعضِ خلفائهم، كإبراهيمَ وعيسى، وآصفَ بنِ برخيا، حيثُ استطاعَ الأخيرُ بقُدرتِه التكوينيّةِ أن يحضرَ عرشَ بلقيس منَ اليمنِ إلى فلسطين، بأقلِّ مِن طرفةِ عين. قالَ تعالى: { قالَ الَّذي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ أَنا آتيكَ بِهِ قَبلَ أَن يَرتَدَّ إِلَيكَ طَرفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُستَقِرًّا عِندَهُ قالَ هذا مِن فَضلِ رَبّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ كَريمٌ } [النمل: ٤٠] وآصفُ وصفَهُ اللهُ بأنّه يمتلكُ علماً منَ الكتاب، يعني بعضَ الكتاب، فما بالُكَ بمَن يملكونَ علمَ كلِّ الكتاب، وبمَن اختصَّهم اللهُ بمسِّ الكتابِ المكنون، والإحاطةِ به، وبمَن اختصّهم اللهُ بوراثةِ علمِ الكتاب؟! ومَن يمتلكونَ اثنين وسبعين حرفاً منَ الاسمِ الأعظم. والرواياتُ متواترةٌ في ثبوتِ الولايةِ التكوينيّةِ للنبيّ والأئمّة (صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين). القسمُ الثاني: الولايةُ التشريعيّة: وهيَ ولايةُ الطاعة، فيجبُ على الناسِ إتّباعُهم وطاعاتُهم في كلِّ شيء، وأنّهم أولى بالناسِ مِن أنفسِهم وأموالهم. وهذهِ المرتبةُ منَ الولايةِ ثابتةٌ للنبيّ (ص) والأئمّةِ المعصومين (ع). القسمُ الثالث: الولايةُ على التشريع، ويُسمّى بحقِّ التشريع، أو تفويضِ الأحكام، أو الولايةِ على الأحكام: وهيَ إعطاءُ اللهِ تعالى لنبيّه الكريمِ (ص) مساحةً منَ الحقِّ ليشرّعَ بعضَ الأحكام، وبما أنّ النبيَّ (ص) معصومٌ مسدّدٌ مؤيّدٌ، يُسدّدُه اللهُ تعالى في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، فيكونُ ما شرّعَه النبيُّ (ص) مُطابقاً للواقع، فيمضيهِ اللهُ تعالى كحُكمٍ شرعيّ يجبُ على الجميعِ طاعته. وهل انتقلَ هذا الحقُّ إلى الأئمّةِ المعصومينَ مِن أهلِ بيتِه (ع)؟ وبعبارةٍ أخرى: هل للنبيّ والإمامِ حقُّ التصرّفِ في الأحكامِ الشرعيّة، بمعنى: هل أعطى اللهُ تعالى للمعصومِ حقَّ تشريعِ حُكمٍ، أو تحديدهِ بحدّ، فيما إذا لم يكُن عليهِ نصٌّ منَ اللهِ تعالى؟؟؟ وسنبحثُ الموضوعَ في مرحلتين: المرحلةُ الأولى: ثبوتُ حقِّ التشريعِ لرسولِ الله (ص)، وممارستِه لها: أجمعَ علماؤنا – بل جميعُ المُسلمين - على ثبوتِ هذا الحقِّ للنبيّ الأعظمِ (ص) ووقوعِه في الجُملة، بمعنى: أنّ النبيَّ (ص) قد مارسَ هذا الحقّ، وقامَ بتشريعِ بعضِ الأحكامِ الشرعيّة، للرواياتِ المتواترةِ، وإليكَ بعضها:1ـ روى الكُلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الفُضيلِ بنِ يسار قالَ: سمعتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام يقولُ لبعضِ أصحابِ قيسٍ الماصر: إنَّ اللهَ عزَّ وجلّ أدّبَ نبيَّه فأحسنَ أدبَه فلمّا أكملَ له الأدب قالَ : { إنّكَ لعلى خُلقٍ عظيم }، ثمَّ فوّضَ إليهِ أمرَ الدينِ والأمّةِ ليسوسَ عبادَه، فقالَ عزَّ وجلّ: { ما آتاكُم الرسولُ فخذوهُ وما نهاكُم عنه فانتهوا } وإنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ مُسدّداً موفّقاً مؤيّداً بروحِ القُدس، لا يزلُّ ولا يُخطئ في شيءٍ ممّا يسوسُ به الخلق، فتأدّبَ بآدابِ الله، ثمَّ انَّ اللهَ عزَّ وجلّ فرضَ الصّلاةَ ركعتينِ ركعتين، عشرَ ركعات، فأضافَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله إلى الرّكعتينِ ركعتين وإلى المغربِ ركعةً فصارَت عديلَ الفريضةِ لا يجوزُ تركهنَّ إلّا في سفرٍ وأفردَ الركعةَ في المغربِ فتركَها قائمةً في السفرِ والحضر، فأجازَ اللهُ عزَّ وجل لهُ ذلك، فصارَت الفريضةُ سبعَ عشرةَ ركعةٍ، ثمَّ سنَّ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله النوافلَ أربعاً وثلاثينَ ركعةً مثلي الفريضةِ فأجازَ اللهُ عزَّ وجل له ذلكَ والفريضةَ والنافلةَ إحدى وخمسونَ ركعةً مِنها ركعتانِ بعدَ العتمةِ جالساً تُعدُّ بركعةٍ مكانَ الوتر، وفرضَ اللهُ في السنةِ صومَ شهرِ رمضان، وسنَّ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه صومَ شعبان وثلاثَ أيّامٍ في كلِّ شهرٍ مثلي الفريضةِ فأجازَ اللهُ عزَّ وجلَّ له ذلكَ وحرّمَ اللهُ عزَّ وجل الخمرَ بعينِها، وحرّمَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله المُسكِرَ مِن كلِّ شرابٍ فأجازَ اللهُ له ذلكَ كلّه وعافَ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أشياءَ وكرِهها ولم ينهَ عنها نهيَ حرامٍ إنّما نهى عنها نهيَ إعافةٍ وكراهة ، ثمَّ رخّصَ فيها فصارَ الأخذُ برُخصِه واجباً على العبادِ كوجوبِ ما يأخذونَ بنهيهِ وعزائمِه ولم يرخَص لهم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله فيما نهاهُم عنه نهيَ حرامٍ ولا فيما أمرَ به أمرَ فرضٍ لازمٍ فكثيرُ المُسكِرِ منَ الأشربةِ نهاهم عنهُ نهيَ حرامٍ لم يرخص فيهِ لأحدٍ ولم يرخص رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله لأحدٍ تقصيرَ الركعتينِ اللتين ضمّهما إلى ما فرضَ اللهُ عزَّ وجل، بل ألزمَهم ذلكَ إلزاماً واجباً، لم يرخص لأحدٍ في شيءٍ مِن ذلكَ إلّا للمُسافرِ وليسَ لأحدٍ أن يرخصَ [ شيئاً ] ما لم يرخَصهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، فوافقَ أمرُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أمرَ اللهِ عزَّ وجل ونهيَه نهيَ اللهِ عزَّ وجل، ووجبَ على العبادِ التسليمُ له كالتسليمِ للهِ تباركَ وتعالى. (الكافي للكُليني: 1 / 267 رقم 4). 2- وروى الكُليني بسندِه عن زُرارةَ، عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: وضعَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ آله ديّةَ العينِ وديّةَ النفسِ وحرّمَ النبيذَ وكلَّ مُسكرٍ، فقالَ له رجلٌ: وضعَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله مِن غيرِ أن يكونَ جاءَ فيهِ شئ؟ قالَ: نعم ليعلمَ مَن يُطِع الرسولَ ممَّن يعصيه. (الكافي للكُليني: 1 / 267 رقم 7). ورواهُ الصفّارُ في بصائرِ الدرجات: 2 / 690، بسندٍ صحيح. 3- وروى الكُليني بسندٍ صحيحٍ عن سعيدٍ بنِ المسيب قالَ: سألتُ عليّاً بنَ الحُسين (عليهما السلام) ابنَ كم كانَ عليُّ بنُ أبي طالب (عليهِ السلام) يومَ أسلم ؟ فقالَ : أو كانَ كافراً قط ، إنّما كانَ لعليٍّ (عليهِ السلام) حيثُ بعثَ اللهُ عزَّ وجلَّ رسولَه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عشرَ سنين ولم يكُن يومئذٍ كافراً ولقد آمنَ باللهِ تباركَ وتعالى وبرسولِه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وسبقَ الناسَ كلّهم إلى الإيمانِ باللهِ وبرسولِه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وإلى الصلاةِ بثلاثِ سنين وكانَت أوّلُ صلاةٍ صلّاها معَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) الظهرَ ركعتين وكذلكَ فرضَها اللهُ تباركَ وتعالى على مَن أسلمَ بمكّةَ ركعتين ركعتين وكانَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يصلّيها بمكّةَ ركعتين ويصلّيها عليٌّ (عليهِ السلام) معَه بمكّةَ ركعتينِ مدّةَ عشرِ سنين حتّى هاجرَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى المدينةِ وخلفَ عليّاً (عليهِ السلام) في أمورٍ لم يكُن يقومُ بها أحدٌ غيرُه ....فقلتُ له : فمتى فُرضَت الصلاةُ على المُسلمينَ على ما هُم عليهِ اليوم ؟ فقالَ : بالمدينةِ حينَ ظهرَت الدعوةُ وقويَ الإسلامُ وكتبَ اللهُ عزَّ وجلّ على المُسلمينَ الجهادَ [ و ] زادَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في الصلاةِ سبعَ ركعاتٍ في الظهرِ ركعتين وفي العصرِ ركعتين وفي المغربِ ركعةً وفي العشاءِ الآخرةِ ركعتين وأقرَّ الفجرَ على ما فُرضت لتعجيلِ نزولِ ملائكةِ النهارِ منَ السماءِ ولتعجيلِ عروجِ ملائكةِ الليلِ إلى السماءِ وكانَ ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ يشهدونَ معَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) صلاةَ الفجرِ فلذلكَ قالَ اللهُ عزّ وجل : { وقرآنَ الفجرِ إن قرآنَ الفجرِ كانَ مشهوداً } يشهدُه المُسلمونَ ويشهدُه ملائكةُ النهارِ وملائكةُ الليل. (الكافي للكُليني: 8 / 339 - 341 رقم 536 ، ولاحِظ: مَن لا يحضرُه الفقيه: 1 / 455، وعِللُ الشرائع: 2 / 324). 4- وروى الكُليني بسندٍ صحيحٍ عن حريز، عن زرارةَ، ومحمّدٍ بنِ مُسلم وأبي بصيرٍ، وبريدَ بنِ معاوية العجلي، وفضيلاً بنَ يسار، عن أبي جعفرٍ وأبي عبدِ الله (عليهما السلام) قالا: فرضَ اللهُ الزكاةَ معَ الصلاةِ في الأموالِ وسنّها رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في تسعةِ أشياء - وعفا رسولُ اللهِ عمّا سواهن - في الذهبِ والفضّةِ والإبلِ والبقرِ والغنمِ والحنطةِ والشعيرِ والتمرِ والزبيبِ وعفا عمّا سِوى ذلك. (الكافي للكُليني: 3 / 509 رقم 1).5- وروى الصفّارُ بسندِه عن أبي بصيرٍ قالَ سألتُ أبا عبدِ اللهِ عليهِ السلام عن قولِه: إنَّ اللهَ فوّضَ الأمرَ إلى محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله فقال: { ما آتاكم الرّسولُ فخُذوه وما نهاكُم عنهُ فانتهوا }؟ قالَ (ع): إنَّ اللهَ خلقَ محمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآله طاهراً ثمَّ أدّبَه حتّى قوّمَه على ما أرادَ ثمَّ فوّضَ إليه الأمرَ فقالَ { ما آتاكُم الرسولُ فخذوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهوا } فحرّمَ اللهُ الخمرَ بعينِها وحرّمَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله المُسكِرَ مِن كلِّ شرابٍ وفرضَ اللهُ فرائضَ الصّلبِ وأعطى رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله الجدَّ فأجازَ اللهُ له ذلكَ وأشياءَ ذكرَها مِن هذا الباب. (بصائرُ الدرجات: 2 / 692). وغيرُها منَ الرواياتِ الكثيرةِ الدالّةِ على ثبوتِ هذا الحقِّ لرسولِ اللهِ (ص)، وأنّ النبيَّ (ص) قد مارسَ هذا الحقَّ، وذلكَ بتشريعِ بعضِ الأحكامِ التي أمضاها اللهُ تعالى. قالَ شيخُ الشريعة: ثمَّ إنَّ ما تضمّنَته هذهِ الرواياتُ مِن تحريمِ النبيّ (ص) مِن مصاديقِ أخبارِ التفويض، وهيَ في الجُملةِ متواترةٌ دالّةٌ على أنَّ اللَّه تعالى بعدَ ما هذّبَ نبيّه وأدّبَه فوّضَ إليهِ الأحكامَ، والحلالَ والحرام ... وفي رواياتِ خللِ الصّلاة ... ما هيَ متواترةٌ أو يقربُ مِنها. (إفاضةُ القديرِ في أحكامِ العصير، ص76). المرحلةُ الثانية: ثبوتُ حقِّ التشريعِ لأئمّةِ أهلِ البيتِ (ع)، وممارستِهم لها: اختلفَ علماؤنا في ثبوتِ حقِّ التشريعِ لأئمّةِ أهلِ البيتِ (ع)، على قولين: القولُ الأوّل: ذهبَ إلى عدمِ ثبوتِ حقِّ تشريعِ الأحكامِ لأئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، وذلكَ لاكتمالِ الدين، وعدمِ خلوّ واقعةٍ مِن حُكمٍ مخزونٍ عندَهم، حتّى أرشَ الخدش، فهُم يُظهرونَ الأحكامَ المُودَعةَ عندَهم، لا أنّهم يشرّعون. القولُ الثاني: ذهبَ إلى ثبوتِ حقِّ التشريعِ لأئمّةِ أهلِ البيتِ (ع)، واستندَ إلى العديدِ منَ الروايات الدالّةِ على الثبوت، والوقوعِ أيضاً، حيثُ إنّ أدلّ دليلٍ على الإمكانِ هوَ الوقوع. بعضُ الرواياتِ الدالّةِ على ثبوتِ هذا الحقِّ لهم: 1ـ روى الكُليني بسندِه عن عبدِ اللهِ بنِ سنان، قالَ: قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السلام: لا واللهِ ما فوّضَ اللهُ إلى أحدٍ مِن خلقِه إلّا إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وإلى الأئمّة، قالَ عزَّ وجل : { إنّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ لتحكمَ بينَ الناسِ بما أراكَ الله } وهيَ جاريةٌ في الأوصياءِ عليهم السلام. (الكافي للكُليني: 1 / 268 رقم 8). ورواهُ الصفّارُ في بصائرِ الدرجات: 2 / 699 رقم 12. 2ـ وروى الكُليني بسندِه عن محمّدٍ بنِ الحسنِ الميثمي، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: سمعتُه يقول: إنَّ اللهَ عزَّ و جلَّ أدّبَ رسولهُ حتّى قوّمَه على ما أرادَ، ثمَّ فوّضَ إليه فقالَ عزَّ ذكرُه: { ما آتاكُم الرسولُ فخُذوه وما نهاكُم عنه فانتهوا } فما فوّضَ اللهُ إلى رسولِه صلّى اللهُ عليهِ وآله فقَد فوّضَه إلينا. (الكافي للكُليني: 1 / 268 رقم 9). ورواهُ الصفّارُ في البصائر: 2 / 696 رقم 6، بسندٍ آخر مُعتبرٍ عن الحسنِ بنِ زياد العطّارِ عن الصّادق (ع). 3- وروى الكُليني بإسنادِه عن محمّدٍ بنِ سنان قالَ: كنتُ عندَ أبي جعفرِ الثاني عليه السلام فأجريتُ اختلافَ الشيعة، فقالَ: يا محمّدُ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لم يزَل مُتفرّداً بوحدانيّتِه ثمَّ خلقَ محمّداً وعليّاً وفاطمة، فمكثوا ألفَ دهر، ثمَّ خلقَ جميعَ الأشياء، فأشهدَهم خلقَها وأجرى طاعتَهم عليها وفوّضَ أمورَها إليهم، فهُم يُحلّونَ ما يشاؤونَ ويحرّمونَ ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلّا أن يشاءَ اللهُ تباركَ وتعالى، ثمَّ قال: يا محمّدُ هذه الديانةُ التي مَن تقدّمَها مرقَ ومَن تخلّفَ عنها مُحِق، ومَن لزمَها لحِق، خُذها إليكَ يا محمّد. (الكافي للكُليني: 1 / 441 رقم 5). 4- وروى الصّدوقُ بسندِه عن ابنِ أبي يعفور، قالَ: قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السلام: إنَّ اللهَ واحدٌ، أحدٌ، متوحّدٌ بالوحدانيّة، مُتفرّدٌ بأمرِه، خلقَ خلقاً ففوّضَ إليهم أمرَ دينِه، فنحنُ هُم يا ابنَ أبي يعفور نحنُ حُجّةُ اللهِ في عبادِه، وشهداؤه على خلقِه، وأمناؤه على وحيه، و خُزّانُه على عِلمِه، ووجهُه الذي يُؤتى منه وعينُه في بريّتِه، ولسانُه الناطقُ، و قلبُه الواعي، وبابُه الذي يدلُّ عليه، ونحنُ العاملونَ بأمرِه، والداعونَ إلى سبيلِه، بنا عُرفَ الله، وبِنا عُبدَ الله، نحنُ الأدلّاءُ على الله، ولولانا ما عُبدَ الله. (التوحيد، ص152). 5- وروى الصفّارُ بسندِه عن أبي حمزةَ الثمالي قالَ: سمعتُ أبا جعفرٍ عليهِ السلام يقول: مَن أحللنا لهُ شيئاً أصابَه مِن أعمالِ الظالمينَ فهوَ له حلالٌ لأنَّ الأئمّةَ منّا مفوّضٌ إليهم فما أحلّوا فهوَ حلالٌ وما حرّموا فهوَ حرام. (بصائرُ الدرجات: 2 / 694). ولعلّ هناكَ رواياتُ أخرى تدلُّ على المطلوب.وهذهِ الرواياتُ وإن كانَت أكثرَها ضعيفةَ الإسناد، إلّا أنّها بمجموعِها تورثُ الاطمئنانَ بالصدورِ، ومِن ثمّ ثبوتِ هذا الحقِّ لأئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام. ـ ما دلَّ على ممارسةِ أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) لهذا الحق: حيثُ نُقِلَ في التاريخِ أنّ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) قد شرّعَ حدَّ شاربِ الخمر، ثمانونَ جلدةً، حيثُ لم يكُن له تقديرٌ مُعيّنٌ في زمنِ رسولِ اللهِ (ص)، فاستقرّ على الثمانينَ في زمنِ الغاصبِ الثاني، وذلكَ بتشريعِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) له في حادثةِ شربِ قدامةَ بنِ مظعون.قالَ الشيخُ المُفيد: فمِن ذلكَ ما جاءَت به العامّةُ والخاصّة في قصّةِ قُدامةَ بنِ مظعون وقد شربَ الخمرَ فأرادَ عُمر أن يحُدّه ، فقالَ له قدامة : إنّه لا يجبُ عليَّ الحدّ ، لأنَّ اللهَ تعالى يقول : ( ليسَ على الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحاتِ ثمَّ اتّقوا وآمنوا ) فدرأ عمرُ عنهُ الحدَّ ، فبلغَ ذلكَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام فمشى إلى عُمر فقالَ له : ( لمَ تركتَ إقامةَ الحدِّ على قُدامةَ في شُربِه الخمر ؟ فقالَ له : إنّه تلا عليَّ الآية ، وتلاها عُمر على أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام ، فقالَ له أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام : ليسَ قُدامةُ مِن أهلِ هذه الآية ، ولا مَن سلكَ سبيلهُ في ارتكابِ ما حرّمَ اللهُ عزّ وجل ، إنَّ الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ لا يستحلّونَ حراماً ، فاردُد قُدامةَ واستتِبه ممّا قال ، فإن تابَ فأقِم عليهِ الحدَّ ، وإن لم يتُب فاقتله فقد خرجَ عن المِلّة. فاستيقظَ عُمر لذلكَ ، وعرفَ قُدامةُ الخبرَ ، فأظهرَ التوبةَ والإقلاعَ، فدرأ عُمر عنهُ القتل ، ولم يدرِ كيفَ يحدُّه . فقالَ لأميرِ المؤمنينَ : أشِر عليَّ في حدِّه ، فقالَ : حُدَّه ثمانين ، إنَّ شاربَ الخمرِ إذا شربِها سكِر ، وإذا سكرَ هذى ، وإذا هذى افترى. فجلدَه عُمر ثمانينَ وصارَ إلى قولِه في ذلك. (الإرشادُ للمُفيد: 2 / 202). وروى الكُليني بسندٍ صحيحٍ عن يونسَ بنِ عبدِ الرّحمن، عن عبدِ اللهِ بنِ سنان قالَ : قالَ أبو عبدِ اللهِ عليهِ السلام : الحدُّ في الخمرِ إن شربِ مِنها قليلاً أو كثيراً ، قالَ : ثمَّ قال : أُتيَ عُمر بقُدامةَ بنِ مظعون وقد شربَ الخمرَ وقامَت عليه البيّنةُ فسألَ عليّاً عليهِ السلام فأمرَه أن يجلدَه ثمانينَ فقالَ قدامة : يا أميرَ المؤمنين ليسَ عليَّ حدٌّ، أنا مِن أهلِ هذهِ الآية : " ليسَ على الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ جُناحٌ فيما طعموا " قالَ : فقالَ عليٌّ عليهِ السلام : لستَ مِن أهلِها إنَّ طعامَ أهلِها لهُم حلالٌ ليسَ يأكلونَ ولا يشربونَ إلّا ما أحلّه اللهُ لهم ، ثمَّ قالَ عليٌّ عليهِ السلام : إنَّ الشاربَ إذا شربَ لم يدرِ ما يأكلُ ولا ما يشرَب فاجلدوهُ ثمانينَ جلدةً . (الكافي: 7 / 215 رقم 10). وروى الكُليني بسندٍ صحيحٍ عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: قلتُ له: كيفَ كانَ يجلدُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ؟ قالَ : فقالَ : كانَ يضربُ بالنعالِ و يزيدُ كلّما أتيَ بالشاربِ ثمَّ لم يزَل الناسُ يزيدونَ حتّى وقفَ على ثمانين ، أشارَ بذلكَ عليٌّ عليهِ السلام على عُمر فرضيَ بها . (الكافي: 7 / 214 رقم 2). ورواهُ بإسنادٍ آخر َصحيحٍ عن الحلبيّ عن أبي عبدِ الله (ع). (الكافي للكُليني: 7 / 214 رقم 5). قالَ صاحبُ الجواهرِ: وكانَ التقديرُ المزبورُ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) منَ التفويضِ الجائزِ لهم. (جواهرُ الكلام: 41 / 457). والكلامُ في هذا الموضوعِ طويلُ الذيل، ونكتفي بهذا العرضِ البسيطِ للموضوع. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
اترك تعليق