ما سببُ تراجعِ الزّبيرِ بنِ العوّامِ مع المولى أميرِ المؤمنينَ ع رغمَ أنّه نصرَه عندَ تكاتفِ الشيخينِ ضدَّ فاطمةَ الزّهراء ع

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إنّ السببَ في تغيّر موقفِ الزبيرِ مِن أميرِ المؤمنينَ عليهِ السلام بعدَما كانَ ناصِراً له، هوَ تعلّقُه بأمورِ الدنيا وحُطامِها وجاهِها خصوصاً أنّه عاصرَ خِلافتي عُمرَ بنِ الخطّاب وعثمانَ بنِ عفّان اللّتين تميّزتا بسياسةٍ خاطئةٍ في مسألةِ إعطاءِ الحقوقِ والأموالِ والمناصب، إذ كانَ عمرُ بنُ الخطّابِ يُميّزُ بينَ المسلمينَ في العطاء، فيُعطي المهاجرينَ أكثرَ ممّا يُعطي لغيرِهم وأيضاً يميّزُ بينَ مَن دخلَ الإسلامَ حديثاً ومَن دخلَ فيه مُتأخّراً، وحينَ جاءَ عثمانُ سلكَ أمراً آخر شكّلَ خطورةً واضحةً في مسألةِ الأموالِ والجاهِ والمناصب ، إذ قرّبَ إليهِ أبناءَ عمومتِه وبذخَ لهم الأموالَ والذهبَ والمناصب، وهوَ ما جعلهم مُتميّزينَ حتّى على المُهاجرين، إلى أن انتهَت فترةُ حُكمِه هذه بمقتلِه في تلكَ الحادثةِ المعروفة، وقد تأثّرَ بهذهِ السياسةِ طائفةٌ منَ الصحابةِ ممّن كانوا يرونَ أنفسَهم فوقَ الباقين، فلذا كانوا يريدونَ منَ العطاءِ والجاهِ أكثرَ مِن غيرِهم، ومِن هؤلاءِ الصحابةِ طلحةُ والزبيرُ طبقاً للقصّةِ المعروفةِ والمشهورةِ التي رواها أربابُ السيرِ والتاريخِ، فممّن روى هذه القصّةَ وبيّنَ حقيقةَ ما حدثَ ابنُ أبي الحديدِ المُعتزليّ في شرحِ نهجِ البلاغة، (ج ١١/ص ١٦) عن أبي عثمانَ الجاحظ، إذ قالَ : أرسلَ طلحةُ والزبيرُ إلى عليٍّ ( عليهِ السلام ) قبلَ خروجِهما إلى مكّةَ معَ مُحمّدٍ بنِ طلحة وقالا : لا تقُل لهُ يا أميرَ المؤمنين وقل له : يا أبا الحسنِ لقد فالَ فيكَ رأيُنا وخابَ ظنُّنا أصلحنا لكَ الأمرَ ووطّدنا لكَ الإمرةَ وأجلبنا على عثمانَ حتّى قُتِل فلمّا طلبكَ الناسُ لأمرِهم جئناكَ وأسرعنا إليكَ وبايعناكَ وقِدنا إليكَ أعناقَ العربِ ووطئَ المُهاجرونَ والأنصارُ أعقابَنا في بيعتِك حتّى إذا ملكتَ عنانك استبددتَ برأيك عنّا ورفضتَنا رفضَ التريكةِ وملّكتَ أمرَك الأشترَ وحكيماً بنَ جبلة وغيرَهما منَ الأعرابِ ونزّاعَ الأمصارِ فكُنّا فيما رجوناهُ منكَ كما قالَ الأوّل : فكنتُ كمهريقٍ الذي في سقائِه * لرقراقِ آل فوقَ رابيةٍ صلد فلمّا جاءَه محمّدُ بنُ طلحة . وأبلغَه ذلكَ قالَ ( عليه السلام) : اذهَب إليهما فقُل لهما : فما الذي يرضيكُما فذهبَ وجاءَ وقال : إنّهما يقولان : وَلِّ أحدَنا البصرةَ والآخرَ الكوفة؟ فقالَ : واللهِ إنّي لا آمنُهما وهُما عندي بالمدينةِ فكيفَ آمنُهما وقد ولّيتُهما العراقين! اذهَب إليهما فقل : أيّها الشيخانِ أحذرا منَ اللهِ ونبيّه على أمّتِه ولا تبغيا المُسلمينَ غائلةً وكيداً وقد سمعتُما قولَ الله " تلكَ الدارُ الآخرةُ نجعلُها للذينَ لا يريدونَ علوّاً في الأرضِ ولا فساداً والعاقبةُ للمُتّقين " [ 83 / القصص ] . فقامَ مُحمّدٌ بنُ طلحة فأتاهما ولم يعُد إليه ، وتأخّرا عنهُ أيّاماً ثمَّ جاءاه، فاستأذناهُ في الخروجِ إلى مكّةَ للعُمرة فأذنَ لهُما بعدَ أن أحلفَهما أن لا ينقضا بيعتَه ولا يغدِرا به ولا يشقّا عصا المُسلمين ولا يوقِعا الفُرقةَ بينَهم وأن يعودا بعدَ العُمرةِ إلى بيوتِهما بالمدينةِ فحلفا على ذلكَ كلّه ثمَّ خرجا ففعلا ما فعلا . قالَ : ولمّا خرجا، قالَ عليٌّ ( عليهِ السلام ) لأصحابِه : واللهِ ما يريدانِ العُمرةَ وإنّما يُريدانِ الغدرة " ومَن نكثَ فإنّما ينكثُ على نفسِه ومَن أوفى بما عاهدَ عليه اللهَ فسيؤتيهِ أجراً عظيماً ". ويُلاحَظُ مِن هذهِ القصّةِ أمورٌ مِنها:  1-أنَّ طلحةَ والزّبيرَ لم يطلبا أن يكونا عوناً لأميرِ المؤمنينَ (ع) على إقامةِ الدينِ، وإشاعةِ الأمنِ، وإنصافِ المظلومينَ.. بل طلبا أمراً دنيويّاً ونفعاً شخصيّاً، لا يمتُّ لمصلحةِ الأمّةِ بصلةٍ، إذ ليسَ في إدارتِه «عليهِ السلام» للأمورِ أيّ قصورٍ أو تقصير، ليصحَّ القولُ بأنّهما أرادا بطلبِهما هذا أن يرفعا الحيفَ عن الناس، ونحو ذلك. فكانَ سؤالُ أميرِ المؤمنينَ (ع) الاستدراجيّ لهُما كافياً لفضحِ نواياهُما، والتعريفِ بسوءِ سريرتِهما. 2- قد جاءَت إجابةُ أميرِ المؤمنينَ لهما، وفضحُ أمرِهما، وإعلانُ أنّهما لا يؤتمنانِ على شيءٍ، مِن قبيلِ القضايا التي قياساتُها معها.. أو فقُل: إنّه «عليهِ السلام» قد ساقَ الدعوى معَ دليلِها، حيثُ إنَّ مَن يُفكّرُ بهذهِ الطريقةِ لا يمكنُ أن يُؤتمنَ على مصيرِ العباد، ولا يصحُّ تسليطُه على الناسِ، وعلى دمائِهم، وأموالِهم وأعراضِهم، وكراماتِهم، ودينِهم، لأنّهُ مَن يريدُ ذلكَ إنّما يريدُه ذريعةً لنيلِ مآربِه، والوصولِ إلى منافعِه، وأهوائِه ولو بقيمةِ سفكِ الدماء، والعدوانِ على الأموالِ، والعبثِ بالكرامات.  [ينظرُ أيضاً لمُراجعةِ البحثِ: بحارُ الأنوارِ للعلّامةِ المجلسيّ (ج32/ص24)، والصحيحُ مِن سيرةِ الإمامِ عليّ ( ع) للسيّدِ جعفر مُرتضى العاملي ، (ج ٢٠/ص ٧٩)]. ودمتُم سالِمين.