ما معنى أقطار الأرض وآفاق السماء في خطبة الحوراء؟
السؤال: ما معنى هذه العبارة: (أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء)؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أنَّ للحوراء زينب (عليها السلام) خُطبتين معروفتين، الأولى في مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، والأُخرى في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، وهذه الفقرة المذكورة في السؤال جزءٌ من خطبتها (عليها السلام) في محضر الطاغية يزيد في الشام.
روى السيِّد علي ابن طاووس (طاب ثراه): (فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالت: «الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على رسول وآله أجمعين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أظننتَ يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسراء أنَّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة...الخطبة») [اللهوف في قتلى الطفوف ص105، ويُنظر: مقتل الحسين للخوارزميّ ج2 ص71].
إذا اتضح هذا ـ عزيزي السائل ـ فاعلم أنَّ كلمة (أقطار) جمع قُطْر، وهو الجهة، وأقطار الدنيا تعني: جهاتها الأربع، ومنه قوله تعالى: ﴿مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، أي: جوانبهما ونواحيهما [يُنظر: تفسير مجمع البيان ج9 ص٣٤١]. وأمَّا كلمة (آفاق) فهي جمع أفق، وهي الناحية، وآفاق السماء تعني: كلّ نواحيها، ومنه قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ﴾ أي: (آفاق السماء بسير النجوم وجريان الشمس والقمر فيها بأتمِّ التدبير) [يُنظر: تفسير التبيان ج9 ص ١٣٨].
والمراد من كلام الحوراء (عليها السلام): أنَّك يا يزيد، قد تظنُّ أنك عندما طوَّقتنا من كلِّ الجهات بجيشك وأنصارك أنَّ لك عند الله كرامة، كلَّا وحاشا، فإنَّ الله تعالى قد يُمكِّن الكافرين والمجرمين في الدنيا وبعدها ينتقم منهم. وهل ظننتَ بفعلك هذا أنَّ بنا على الله هواناً، كلَّا وحاشا، فإنَّ الله تعالى قد يبتلى أولياءَه في دار الدنيا وبعدها يجازيهم بخير الجزاء، فلا في قوَّتك عزَّة، ولا في ضعفنا ذلٌ.
قال السيِّد القزوينيُّ (طاب ثراه) في بيان الخطبة: (ثمَّ إنَّ بعض الناس ـ بسبب أفكارهم المحدودة ـ يتصوَّرون ـ خطأً ـ أنَّ الانتصار في الحرب يُعتبر دليلاً على أنَّهم على حق، وعلى قربهم من عند الله تعالى، فتستولي عليهم نشوة الانتصار والظفر، ويشملهم الكبرياء والتجبُّر بسبب التغلب على خصومهم، ولكنَّ السيِّدة زينب الكبرى (عليها السلام) فنَّدت هذه الفكرة الزائفة، وخاطبت الطاغية يزيد باسمه الصريح، ولم تخاطبه بكلمة: أيُّها الخليفة، أو يا أمير المؤمنين، وأمثالهما من كلمات الاحترام. نعم، خاطبته باسمه، وكأنَّها تُصرِّح بعدم اعترافها بخلافة ذلك الرجس، فقالت: «أظننتَ ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيَّقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في أسار، نساق إليك سوقاً في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار، أنَّ بنا من الله هواناً، وعليك منه كرامة وامتناناً؟!» تصف السيِّدة زينب حالها، وأحوال من معها من العائلة المكرَّمة، أنهم كانوا في أشدِّ الضيق، كالإنسان الذي أخذوا عليه، أي: منعوه وحاصروه من جميع الجوانب والجهات، بحيث لا يستطيع الخروج والتخلُّص من الأزمة. وبعد هذا التضييق والتشديد والمنع والحبس أصبحنا نساق مثل الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها - إلى قوله: - «أنَّ بنا من الله هواناً، وعليك منه كرامة وامتناناً؟!» أي: أظننت ـ لما رأيتنا مغلوبين، ووجدت الغلبة والظفر لنفسك ـ أنْ ليس لنا جاهٌ ومنزلةٌ عند الله لأننا مغلوبون؟! وظننت أنَّ لك عند الله جاهاً وكرامة، لأنك غلبتنا وظفرت بنا وقتلت رجالنا وسبيت نساءَنا؟! وظننت أنَّ ذلك لعظم خطرك، أي: لعلو منزلتك وجلالة قدرك عند الله تعالى؟!) [زينب الكبرى من المهد إلى اللحد ص411].
والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ الحوراء (عليها السلام) كانت تُشير إلى شدَّة الضيق الذي مُورس في حقِّهم، حتَّى كأنهم أغلقوا أقطار الأرض وآفاق السماء عليهم، إلَّا أنَّه لا يعني الانتصار ليزيد وأتباعه، كما لا يعني الخسارة للعترة الطاهرة (عليهم السلام)، وخير شاهدٍ على ذلك ما نراه اليوم من عزٍّ وشرفٍ لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وخسةٍ ولعنةٍ لخصومهم وأعدائهم.. والحمد لله ربِّ العالمين.
اترك تعليق