ما هيَ طبيعةُ الخلق بعدَ إنقراضِ الإنسانِ في الأرض؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

غيرُ واضحٍ مقصودُ السّائلِ مِن طبيعةِ الخلقِ ومِن إنقراضِ الإنسانِ، هل يقصدُ نهايةَ الدّنيا وبدايةَ يومِ القيامةِ؟ فتكونُ الإجابةُ بحسبِ النّصوصِ الدّينيّةِ التي وصفَت حالَ ذلكَ اليومِ، أم يقصدُ عدمَ صلاحيّةِ الأرضِ للحياةِ بسببِ عواملَ طبيعيّةٍ أو غيرِ طبيعيّةٍ؟ فتكونُ الإجابةُ بحسبِ البحوثِ العلميّةِ التي تتنبأ بحدوثِ تغيّراتٍ مناخيّةٍ ضخمةٍ تؤدّي إلى تعذّرِ الحياةِ على كوكبِ الأرضِ، أم يقصدُ ما يتحدّث عنهُ علماءُ الفيزياءِ الكونيّةِ بنفاذِ الطّاقةِ والنّهايةِ الحتميّةِ للكون؟ 

أوّلاً: بالنّسبةِ للرّؤيةِ الدّينيّةِ وما يحدثُ للسّماءِ والأرضِ يومَ القيامةِ؛ فإنَّ الآياتِ القرآنيّةَ قد أشارَت إلى تغيّراتٍ كبيرةٍ تكونُ معها السّماءُ غيرَ السّماءِ والأرضُ غيرَ الأرضِ، قالَ تعالى: (يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّماواتُ) بحيثُ تتصدّعُ السّماءُ وتتخلخلُ أركانُها حتّى تُصبحَ واهيةً وتنهارُ بما فيها مِن كواكبَ ونجوم، قالَ تعالى: (يَومَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَورًا)، وقالَ تعالى: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَت وَردَةً كَالدِّهَانِ) أي بعدَ التّصدّعِ يتغيّرُ لونُها وتصبحُ واهيةً، قالَ تعالى: (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَومَئِذٍ وَاهِيَة)، وتنكدرُ النّجومُ وينطفئُ نورُها قالَ تعالى: (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَت) وتتبعثرُ الكواكبُ وتتساقط ، قالَ تعالى: (وَإِذَا الكَوَاكِبُ انتَثَرَت) أي تناثرَت وتغيّرَ شكلُها بعدَ أن كانَت مُتناسقة. أمّا ما يصيبُ الأرضَ وما عليها مِن جبالٍ وبحار، فإنَّ الآياتَ أشارَت إلى أنَّ الأرضَ تُدكُّ بعضُها ببعضٍ، والجبالُ تسيرُ وتصبحُ كالهباءِ المنثور، والبحارُ تُسجرُ وتصبحُ نيراناً مُلتهبةً، قالَ تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرضُ دَكًّا دَكًّا)، فتكونُ الأرضُ في حالةٍ منَ الحركةِ والرّجفانِ بعدَ أن تحوّلت الجبالُ فيها إلى كثيبٍ مهيل، قالَ تعالى: (يَومَ تَرجُفُ الأَرضُ وَالجِبَالُ وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا)، وقالَ تعالى في آيةٍ أخرى: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الجِبالِ فَقُل يَنسِفُها رَبّي نَسفًا * فَيَذَرُها قاعًا صَفصَفًا)، أمّا البحارُ فتصبحُ حمماً منَ النّار، قالَ تعالى: (وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَت) وغيرُ ذلكَ منَ الأوصافِ التي جاءَت في النّصوصِ الدّينيّةِ لحالِ الدّنيا يومَ القيامة. 

ثانياً: أمّا ما يكونُ عليهِ حالُ الطّبيعةِ إذا صدقَت التّنبّؤاتُ العلميّةُ بشأنِ التّغيّرِ المناخيّ، فإنَّ ذلكَ قد يؤدّي إلى دمار الحياةِ في الأرضِ إذا لم يتمَّ تداركُ أسبابِ التّغيّراتِ غيرِ الطّبيعيّةِ، فبحسبِ الوكالةِ الأمريكيّةِ لحمايةِ البيئةِ، فإنَّ التّغيّرَ المناخيَّ قد يحدثُ نتيجةَ أسباب طبيعيّةٍ مثلَ التّغيّراتِ في كثافةِ الشّمسِ أو تباطؤ في دورانِ الأرضِ حولَ الشّمسِ، أو عمليّاتٍ طبيعيّةٍ داخلَ النّظامِ المُناخيّ (مثلَ التّغيّراتِ في دورةِ المياهِ في المُحيط)، أمّا التّغيّراتُ غيرُ الطّبيعيّةِ فقَد أشارَت الوكالةُ إلى حدوثِ التّغييرِ بسببِ أنشطةٍ إنسانيّةٍ تُؤدّي إلى تغيّرِ تركيبةِ الغلافِ الجويّ (مثلَ حرقِ الوقودِ الأحفوريّ) أو تغيّرٍ في سطحِ الأرضِ مِن إزالةِ الغاباتِ والتّوسّعِ الحضريّ والتّصحّرِ وغيرِ ذلك. ووفقاً لعمليّاتِ محاكاةِ التّغيّراتِ المناخيّةِ، تقولُ اللجنةُ الحكوميّةُ الدّوليّةُ المعنيّةُ بتغيّرِ المناخِ أنَّ العصرَ الجليديَّ القادمَ قد يبدأُ خلالَ 30 ألفِ عام. وكلُّ عصرٍ جليديّ أو دورةٍ جليديّةٍ تتبعُه دورةٌ بينيّةٌ أكثرُ دفئاً. 

وقد نبّهَ العلماءُ مِن خطورةِ التّغيّرِ المناخيّ وما يمكنُ أن يحدُثَ مِن مضارّ على إستمرارِ الحياةِ على الأرضِ، الأمرُ الذي دفعَ الأممَ المُتّحدةَ ومنظّماتٍ دوليّةً على تبنّي مشروعِ الحفاظِ على البيئةِ، فقد جاءَ في الموقعِ الرّسميّ للأممِ المُتّحدةِ: (تمَّ تعيينُ الفريقِ الحكوميّ الدّولي المعنيّ بتغيّرِ المناخِ مِن قِبلِ المُنظّمةِ العالميّةِ للأرصادِ الجويّةِ وبرنامجِ الأممِ المُتّحدةِ للبيئةِ لتوفيرِ مصدرٍ موضوعيٍّ للمعلوماتِ العلميّةِ. وفي عامِ 2013 أصدرَ الفريقُ الحكوميُّ الدّوليُّ المعنيُّ بتغيّرِ المناخِ تقريرَ التّقييمِ الخامسِ والذي بحثَ في علمِ تغيّرِ المناخِ، وتوصّلَ إلى نتيجةٍ قاطعةٍ بأنَّ تغيّرَ المناخِ هوَ حقيقةٌ واقعةٌ وأنَّ الأنشطةَ البشريّةَ هيَ السّببُ الرّئيسُ في ذلك).

ثالثاً: هناكَ وصفٌ آخر لنهايةِ الكونِ جاءَ على لسانِ عُلماءِ الفيزياءِ الكونيّة، وهوَ أشبهُ بالوصفِ الذي تحدّثَت عنهُ الآياتُ القرآنيّةُ، حيثُ تنطفئُ النّجومُ وتتبعثرُ الكواكبُ ويفقدُ الكونُ نظامَه، أمّا بالنّسبةِ لنظامِنا الشّمسيّ فإنَّ الشّمسَ ستفقدُ مخزونَها منَ الوقودِ، وتدخلُ في مرحلةِ ما يُسمَّى بالنّجمِ الأحمرِ العِملاق، الذي يؤدّي إنفجارُه إلى إبتلاعِ كلِّ الكواكبِ القريبةِ منه، تارِكاً الأرضَ صخرةً مُتفحّمةً عاريةً منَ الحياةِ، وهناكَ شروحاتٌ علميّةٌ مُعقّدةٌ لمثلِ هذهِ النّظريّاتِ الفيزيائيّةِ، أمّا ما يكونُ عليهِ الوضعُ في حالِ حصولِ هذا الأمرِ، فبحسبِ عالمةِ الفيزياءِ (كيتي ماك) التي كتبَت كتاباً تحتَ عنوانِ (إنسحاقٌ، أم تمزُّقٌ، أم تجمُّدٌ، أم إضمحلال...

كيفَ سوفَ تكونُ نهايةُ الكون؟) حيثُ رسمَت ثلاثَ سيناريوهاتٍ لنهايةِ العالمِ قدّمَت لكلِّ سيناريو شرحاً مُفصّلاً لِما يحدثُ للكونِ والمُبرّراتِ العلميّةَ لكلِّ واحدٍ مِن هذهِ السّيناريوهاتِ، إلّا أنّها تقولُ في الختامِ لا داعي للقلقِ فبأيّ طريقةٍ كانَت النّهايةُ فإنَّ ذلكَ لا يحدثُ قبلَ مرورِ مائتي مليارِ عامٍ على الأقل، ومَن أرادَ الوقوفَ على بعضِ التّفاصيلِ يمكنُه الرّجوعُ إلى مقالٍ حولَ هذا الكتابِ على هذا الرّابط  

 https://arabicedition.nature.com/journal/2020/09/d41586-020-02338-w/