هل يجوز للولد أن يلوم أباه لأنهُ فقير وقد تزوج و انجبته امه وابوه فقير؟

:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : مبدئيّاً لا يجوزُ للأبناءِ إثارةُ غضبِ وسخطِ الوالدينِ مُطلقاً وبذلكَ نطقَت الآياتُ وصدحَت الرواياتُ وعليهِ فتاوى الفُقهاء. قالَ تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنهَرهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَولاً كَرِيمًا   وَاخفِض لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَّبِّ ارحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/23-24). وروى الحرُّ العامليُّ عاملَه اللهُ بلُطفِه وإحسانِه (عن أحمدَ، عن يحيى بنِ إبراهيم بنِ أبي البلاد، عن أبيهِ، عن جدّه، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: لو يعلمُ اللهُ شيئاً أدنى مِن أفّ لنهى عنه، وهوَ مِن أدنى العقوقِ، ومنَ العقوقِ أن ينظرَ الرجلُ إلى والديهِ فيحدَّ النظرَ إليهما).                                                                                  وسائلُ الشيعةِ (آلُ البيتِ) الحرُّ العاملي (ج21/ص154). وهل يجوزُ لومُ الأبِ على فقرِه؟ بالقطعِ لا يجوزُ ما دامَ قامَ بواجبِه في كفالةِ عائلتِه، فعن أميرِ الموحّدينَ (عليهِ السلام) في وصيّةٍ لابنِه الحسنِ (عليهِ السلام) -: لا تلُم إنساناً يطلبُ قوتَه، فمَن عدمَ قوتَه كثرَت خطاياه). ميزانُ الحكمةِ للريشهري (ج8/ص93). وسعةُ الرزقِ أو ضيقهُ منَ اللهِ تعالى، وخاضعةٌ لتقديراتِه تباركَ، فهوَ الذي يقسمُ الرزقَ بينَ عبادِه ويجعلُ مَن يشاءُ غنيّاًث ويجعلُ مَن يشاءُ فقيراً، قالَ تعالى: (نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَّعِيشَتَهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضًا سُخرِيًّا) (الزخرف/33). ومنَ الجديرِ ذكرُه أنَّ تقسيمَ الأرزاقِ بينَ العبادِ لا يكونُ بلا ضابطةٍ وسنّةٍ إلهيّة، بل المدارُ على استحقاقِ العبدِ الهدايةَ أو الضلال، فبناءً على استحقاقِه يُقدّرُ اللهُ تعالى له طريقاً يوصلُه إلى درجتِه مِنهما، مِن خلالِ تقديرِ أوضاعِه الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ والصحيّةِ ونحوِها، قالَ تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلَاهَا مَذمُومًا مَّدحُورًا (18) وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَّشكُورًا (19) كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِن عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحظُورًا (20) انظُر كَيفَ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَىٰ بَعضٍ ۚ وَلَلآخِرَةُ أَكبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكبَرُ تَفضِيلًا)، الإسراءُ: 18 ـ 21. ولعلَّ الأبَ كانَ إنساناً مؤمِناً مُستحقّاً لدرجةٍ مُعيّنةٍ منَ الهدايةِ لا يصلُ إليها إلّا عن طريقِ الفقر، فقُدّرَ لهُ ذلك، ولو أغناهُ لما وصل، (... وإنَّ مِن عبادي المؤمنينَ لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالفقر، ولو أغنيتُه لأفسدَه ذلك، وإنَّ مِن عبادي المؤمنينَ لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالغِنى ولو أفقرتُه لأفسدَه ذلك، وإنَّ مِن عبادي المؤمنينَ لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالسُّقم، ولو صحّحتُ جسمَه لأفسدَه ذلك، وإنَّ مِن عبادي المؤمنينَ لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالسّقمِ ولو صحّحتُ جسمَه لأفسدَه ذلك، وإنَّ مِن عبادي المؤمنينَ لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالصحّةِ ولو أسقمتُه لأفسدَه ذلك; إنّي أدبّرُ عِبادي بعِلمي بقلوبِهم فإنّي عليمٌ خبير). بحارُ الأنوارِ - العلّامةُ المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٤. طبعاً لا يخفى أنَّ سعيَ الإنسانِ شرطٌ في تحصيلِ الرّزق، وعلى الإنسانِ أن يسعى لكسبِ قوتِه ونيلِ رِزقه، وليسَ له أن يجلسَ خامِلاً، لأنّنا مأمورونَ بالسعي في الأرضِ والضربِ فيها لتحصيلِ الرزقِ وعمارةِ الأرضِ، قالَ تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولاً فَامشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزقِهِ وَإِلَيهِ النُّشُورُ)  (الملك/16).