« أنتُم على دينٍ مَن كتمَهُ أعزَّه الله، ومَن أذاعَه أذلَّهُ الله »

ما معنى رواية: « أنتُم على دينٍ مَن كتمَهُ أعزَّه الله، ومَن أذاعَه أذلَّهُ الله »؟

: السيد عبدالهادي العلوي

الجوابُ:

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

أخرجَ الشيخُ البُرقيّ في [المحاسنِ ج1 ص257]، والشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج2 ص222] بالإسنادِ عن سُليمانَ بنِ خالد، قالَ: قالَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام): « يا سُليمان، إنّكم على دينٍ مَن كتمَهُ أعزّه الله، ومَن أذاعَه أذلّهُ الله ».

والمُرادُ منَ الحديث: أنَّ مَن كتمَ الدينَ وصانَه مِن غيرِ أهلِه ومَن لا يعرفُ حالهُ أعزَّهُ اللهُ تعالى في الدّنيا والآخرة، ومَن أذاعَه وأفشاهُ أذلّهُ الله تعالى فيهما بالأخذِ والعقوبة، وأمّا مَن عرفَ حالهُ وأمانتهُ وحِفظهُ للسرِّ فلا يجبُ الكتمانُ منه كما يدلُّ عليهِ بعضُ الأخبار. [ينظر: شرحُ أصولِ الكافي ج9 ص127].

وهذا الحديثُ كغيرِه واقعٌ في سياقِ الأحاديثِ الكثيرةِ الواردةِ في لزومِ التقيّةِ الكتمانيّة، أي إخفاءُ الحقِّ وستره عمَّن ليسَ مِن أهله، فإنَّ الأحاديثَ الواردةَ في هذا المقامِ شديدةُ اللهجة، عنيفةُ التعبير على مُخالفةِ التقيّةِ بالإذاعةِ والنشر، وسنذكرُ في المقامِ بعضَها:

روى الشيخان البرقيّ في [المحاسن ج1 ص257]، والكلينيّ في [الكافي ج2 ص217] بالإسنادِ عن حبيبٍ بِن بِشر قالَ: قالَ لي أبو عبدِ الله (عليهِ السلامِ): « سمعتُ أبي يقولُ: لا واللهِ ما على الأرضِ شيءٌ أحبُّ إليَّ مِن التقيّةِ، يا حبيبُ إنّهُ مَن كانَت لهُ تقيّةٌ رفعَهُ الله، يا حبيبُ مَن لم يكُن لهُ تقيّةٌ وضعَه الله ».

وروى الشيخُ البُرقيّ في [المحاسنِ ج1 ص255ـ256] عن داودَ الرقّي والمُفضّلِ والفُضيل قالَ: « كُنّا جماعةً عندَ أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) في منزلِه يُحدّثُنا بأشياءِ، فلمّا انصرَفنا وقفَ على بابِ منزلِه قبلَ أن يدخُل، ثمَّ أقبلَ علينا فقال: رحمَكم الله، لا تُذيعوا أمرَنا، ولا تُحدّثوا بهِ إلّا أهلَه، فإنَّ المُذيعَ علينا سِرّنا أشدُّ علينا مؤنةً مِن عدوّنا، انصرِفوا رحمَكم الله ولا تُذيعوا سِرَّنا ».

قالَ العلّامةُ المجلسيّ في [مرآةِ العقول ج9 ص187]: « (ولا تُذيعوا أمرنا) أي: أمرَ إمامتِهم وخلافتِهم، وغرائبَ أحوالِهم ومُعجزاتِهم عندَ المُخالفين، بل الضّعفةِ منَ المؤمنين إذ كانوا في زمانٍ شديد وكانَ الناسُ يُفتّشونَ أحوالَهم ويقتلونَ أشياعَهم وأتباعَهم، وأمّا إظهارُها عندَ عُقلاءِ الشيعةِ وأمنائِهم وأهلِ التسليمِ مِنهم فأمرٌ مطلوب ».

وروى الشيخانِ البُرقيّ في [المحاسنِ ج1 ص255]، والكُلينيّ في [الكافي ج2 ص224] بالإسنادِ عن المُعلّى بنِ خنيس، قالَ: قالَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام): « يا مُعلّى، اكتُم أمرَنا ولا تُذِعه، فإنّهُ مَن كتمَ أمرَنا ولم يُذِعه أعزّهُ اللهُ في الدنيا، وجعلَهُ نوراً بينَ عينيه في الآخرةِ يقودُه إلى الجنّةِ، يا معلّى مَن أذاعَ حديثَنا وأمرَنا ولم يكتُمها أذلّهُ اللهُ به في الدنيا، ونزعَ النورَ مِن بينِ عينيه في الآخرة، وجعلَه ظُلمةً تقودُه إلى النار، يا مُعلّى إنّ التقيّةَ ديني ودينُ آبائي، ولا دينَ لمَن لا تقيّةَ له، يا مُعلّى إنَّ اللهَ يحبُّ أن يُعبدَ في السرِّ كما يحبّ أن يُعبدَ في العلانيّة، يا مُعلّى إنَّ المُذيعَ لأمرِنا كالجاحدِ به ».

وروى الشيخُ الكلينيّ في [الكافي ج2 ص176] بالإسنادِ عن عبدِ الأعلى، قالَ: سمعتُ أبا عبدِ الله (عليهِ السلام) يقولُ: « إنّه ليسَ احتمالُ أمرِنا التصديقُ له والقبولُ فقط، مِن احتمالِ أمرِنا سترُه وصيانتُه عن غيرِ أهلِه، فاقرئهم السلامَ، وقُل لهم: رحمَ اللهُ عبداً اجترَّ مودّةَ الناسِ إلينا، حدّثوهُم بما يعرفونَ، واستروا عَنهم ما يُنكرون ».

وروى الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج2 ص226] بالإسنادِ عن خالدٍ بنِ نجيح، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: « إنَّ أمرَنا مستورٌ مُقنّعٌ بالميثاق، فمَن هتكَ علينا أذلّهُ الله ».

وروى الشيخُ البُرقيّ في [المحاسنِ ج1 ص258] عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: « إنّما الإذاعةُ أن تُحدّثَ به غيرَ أصحابِك ».