ما سبب خروج الامام الحسين (ع) الى كربلاء ؟

ما هوَ السّببُ الحقيقيُّ في خروج الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) إلى كربلاء، أقصدُ استجابةً للكُتبِ المُرسلةِ أو هناكَ أمرٌ آخر؟

: - اللجنة العلمية

الجوابُ:

السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته،

إنَّ السّببَ الحقيقيَّ لخروجِ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) نحوَ العراقِ هوَ مِن أجلِ حفظِ الدين، وصيانةِ الملّة، وتنبيهِ الأمّة، وإيقاظِها مِن سُباتِها، خرجَ مِن أجلِ إحقاقِ الحقّ وإزهاقِ الباطل، خرجَ لإرجاعِ الأمّةِ إلى مسارِها الصّحيحِ بعدَ أن انحرفَت بسببِ السّلطةِ الحاكمة.

كانَ خروجُ الإمامِ (عليهِ السلام) في واقعِه تنفيداً للأمرِ الإلهيّ، والتكليفِ الربّانيّ؛ إذ عهدَ اللهُ تعالى إلى سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) عن طريقِ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بتنفيذِ مشروعٍ ينتهي باستشهادِه واستشهادِ مَن معَه، وذلكَ لمصالحَ عُظمى تناسبُ حجمَ التضحيةِ وأهميّتِها، وقد نجحَ الإمامُ (عليهِ السلام) ـ بما يمتلكُ مِن مؤهّلاتٍ ذاتيّةٍ وشخصيّة ـ في تنفيذِ مشروعِه، وحقّقَ ما أراد، وتكلّلَ سعيهُ بالنجاحِ والفلاح، وكانَت عاقبتُه الفتح، كما هوَ واضح.

ولا يمكنُ اعتبارُ كونِ السّببِ الحقيقيّ لخروجِه (عليهِ السلام) هوَ بيعةُ الناسِ وإرسالُ الكتبِ إليه، فإنَّ واقعةَ الطفِّ ـ بما ترتّبَت عليها مِن نتائجَ وثمراتٍ كثيرة، وأعظمُها حفظُ الدينِ وإيضاحُ معالمِه ـ لم تكُن نتيجةَ خطأ في تحليلِ الأحداث ـ والعياذُ بالله ـ، فقد توهّمَ العامّةُ العمياءُ أنَّ التخطيطَ لواقعةِ الطفِّ كانَ بشريّاً، وأنّ الإمامَ (عليهِ السلام) قد خطّطَ وفقَ قناعاتِه وحساباتِه الماديّة، مِن أجلِ الاستيلاءِ على السلطة، وأنّهُ اغترَّ برسائلِ أهلِ الكوفةِ أو انخدعَ بنصيحةِ ابنِ الزبير له بالخروجِ ليخلو له الحِجاز، فأدّى ذلكَ لاستشهادِه واستشهادِ مَن معه، ثمّ ترتّبَ على ذلكَ حفظُ الدين وإعلاءُ كلمةِ التوحيد.

فإنَّ هذا الكلامَ خطأٌ واضحٌ فاضح، فإنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) كانَ يُبرّرُ خروجَه ظاهريّاً بدعوةِ أهلِ الكوفة وبيعتِهم له وكثرةِ كتبِهم إليه، بينَما كانَ خروجُه حقيقةً لتنفيذِ مشروعٍ إلهيّ لحفظِ الدين؛ لأنَّ عامّةَ الناسِ لا يستوعبونَ أنَّ هدفَه (عليهِ السلام) منَ الخروجِ هوَ الإعلانُ عن عدمِ شرعيّةِ السلطةِ وإيقاظِ الأمّةِ مِن سُباتها، فكانَ الأمرُ يحتاجُ لإحداثِ زلزالٍ في العالمِ الإسلاميّ حتّى تستيقظَ الأمّةُ وتلتفتَ إلى ما تصنعُه السلطةُ الغاصبةُ وإلى ما وصلَ إليهِ حالُهم. فالإمامُ (عليهِ السلام) في الحقيقةِ خرجَ لتنفيذِ مشروعٍ إلهيّ لحفظِ الدين، وبرّرَ خروجَه ظاهريّاً بأنّه استجابَ لرسائلِ أهلِ الكوفة وبيعتِهم له، ومِن ثَمَّ كانَت حُجّتُه على جيشِ عُمر بنِ سعد آكدَ وأشد؛ إذ إنّهم ـ معَ خروجِهم على إمامِ زمانِهم الحقيقيّ ـ قد بايعوهُ ثمَّ خذلوه.

والإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) عندَنا معصومٌ مُطهّر، ولا يعقلُ في حقّه أن يتصرّفَ في مثلِ هذا الحدثِ الإعجازيّ دونَ إيعازٍ إلهيّ، معَ أنّه وردَت عندَنا أحاديثُ تبيّنُ أنَّ خروجَ سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام) كانَ بتكليفٍ إلهيّ خاص، مِن ذلك: ما رواهُ الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص280] عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « إنَّ اللهَ عزَّ وجلّ أنزلَ على نبيّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كتاباً قبلَ وفاتِه، فقالَ: يا مُحمّد، هذهِ وصيّتُك إلى النَجَبَةِ مِن أهلِك... فدفعَهُ النبيُّ (صلّى اللهُ عليه وآله) إلى أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وأمرَه أن يفكَّ خاتماً منه ويعملَ بما فيه، ففكَّ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام) خاتماً وعملَ بما فيه، ثمّ دفعَهُ إلى ابنِه الحسن (عليهِ السلام)، ففكَّ خاتماً منهُ وعملَ بما فيه، ثمَّ دفعَه إلى الحُسين (عليهِ السلام) ففكَّ خاتماً فوجدَ فيه: أن اخرُج بقومٍ إلى الشهادة، فلا شهادةَ لهم إلّا معَك، واشترِ نفسَك للهِ عزّ وجلّ، ففعلَ... ». فهذهِ الروايةُ وغيرُها واضحةُ الدلالةِ على أنَّ ما جرى لسيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، وكذا ما جرى لغيرِه منَ الأئمّةِ الطاهرين (عليهم السلام) إنّما هوَ تكليفٌ إلهيّ خاصّ لتنفيذِ مشاريعَ ترفعُ رايةَ الدينِ والإسلام.

وقد جاءَت أحاديثُ كثيرةٌ عندَ الفريقين ـ شيعةً وسُنّةً ـ عن النبيّ والأميرِ وأهلِ البيت (عليهم السلام)، بل عن نفسِ سيّدِ الشهداء (عليهِ السلام)، في أنّه سيُستشهدُ، وأنّه سيُدفنُ بكربلاء، وأنّ قاتلَه عمرُ بنُ سعد، وإلى غيرِ ذلك، كلُّ ذلكَ قبلَ أن يستشهد، مِنها: ما رواهُ الحاكمُ في [المُستدرك ج3 ص179] والخوارزميّ في [مقتلِ الحُسين ج1 ص160] عن ابنِ عبّاس قالَ: « ما كُنّا نشكُّ ـ وأهلُ البيتِ متوافرون ـ أنّ الحُسينَ بنَ عليٍّ يُقتلُ بالطفّ »، ومِنها: ما رواهُ الخوارزميّ في [مقتلِ الحُسين ج1 ص164] عن ابنِ عبّاس أنّه ذكرَ خُطبةً للنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وقال: « ثمّ نزلَ عن المِنبر، ولم يبقَ أحدٌ منَ المُهاجرينَ والأنصار إلّا وتيقّنَ بأنَّ الحُسينَ مقتول »،

ومِنها: ما نقلَه ابنُ الأثير في [الكاملِ في التاريخ ج4 ص242]: « قالَ عبدُ الله بنُ شريك: أدركتُ أصحابَ الأرديةِ المُعلّمةِ وأصحابَ البرانسِ السودِ مِن أصحابِ السواري إذا مرَّ بهم عمرُ بنُ سعد قالوا: هذا قاتلُ الحُسين، وذلكَ قبل أن يقتُلَه ».

والأخبارُ الواردةُ في هذا المقامِ كثيرةٌ جدّاً، فالأخبارُ لم تقتصِر على الإخبارِ عن أصلِ الحدث، بل جاءَت في بعضِ التفاصيلِ أيضاً، كتحديدِ مكانِ قتلِه، وزمانِه، وتعيينِ جُملةٍ مِن قتلتِه، وعاقبةِ قتلتِه، والحثِّ على نُصرتِه، والتأنيبِ على خذلانِه، وغيرِ ذلك.

ثمَّ إنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) لو كانَ يهدفُ حقيقةً للانتصارِ العسكريّ ـ معَ أنّه معصومٌ، ومعَ أنّه عاقلٌ وحكيم ـ لقبلَ استشارةَ مَن أشارَ عليه عدمَ الخروجِ للعراق لأنّهُ سيُستشهدُ فيها، ولَمَا أخرجَ معَه عيالَه ونساءَه، ولَمَا خرجَ بعدّةٍ قليلةٍ منَ الرجالِ قِبالَ السلطة، ولسلكَ طريقاً آمناً، ولرجعَ نحوَ الحجازِ بعدَ علمِه بما حدثَ لمُسلمٍ بنِ عقيل (عليهِ السلام) وهانئ بنِ عروة (رضوانُ اللهِ عليه)، بينَما نجدُ أنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) كانَ مُصمّماً على خروجِه ووصولِه إلى هدفِه، حتّى بعدَ علمِه بشهادةِ مسلمٍ بنِ عقيل (عليهِ السلام)، فإنّه لمّا بلغَه الخبرُ قال: « رحمَ اللهُ مُسلِماً، فلقَد صارَ إلى روحِ اللهِ وريحانِه وتحيّتِه وغفرانِه ورضوانه، أما إنّهُ قد قضى ما عليه، وبقيَ ما علينا » [ينظر: مقتلُ الحُسينِ للخوارزمي ج1 ص223، الفتوحِ ج5 ص80]، وأكملَ مسيرَه، ثمَّ لمّا وصلَ في كربلاء قالَ: « هاهُنا مناخُ ركابنا، ومحطُّ رحالِنا، ومسفكُ دمائِنا » [ينظر: مقتلُ الحسين للخوارزمي ج1 ص237، الفتوحُ ج5 ص94، اللهوف ص49، وغيرُها].

فالإمامُ الحسين (عليهِ السلام) كانَ عالماً بما جرى وبما يجري، وخروجُه ما كانَ إلّا لتنفيذِ مشروعٍ إلهيّ، وأمّا دعوةُ العراقيّينَ له وإرسالُهم الرّسائلَ فهيَ لتبريرِ خروجِه عندَ عامّةِ الناس، وليسَت هيَ السّببَ الحقيقي.

ولمزيدٍ منَ التفصيلِ يراجعُ ما كتبَه الفقيهُ السيّدُ محمّد سعيد الحكيم (قدّسَ سرّه) في كتابِه [فاجعةُ الطف، أبعادُها ـ ثمراتُها ـ توقيتُها]، فإنّهُ أفضلُ بحثٍ تحليليّ في النهضةِ الحُسينيّة ودورِها في وضوحِ الحقيقةِ الدينيّة.