ما هي شروط حد الزنا ؟
ما هيَ صحّةُ هذا الحديث: الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحجر؟ وهل يمكنُ تطبيقُ حدِّ الزّنا مِن قبل، وهل بهِ شروط؟
الجواب :
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،
أمّا ما يتعلّقُ بالشقِّ الأوّلِ منَ السؤال، فالجوابُ: أنَّ الحديثَ المرويَّ عن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): (الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحجر)، هوَ حديثٌ صحيحٌ لا مريةَ فيه، رواهُ الفريقانِ في مواضعَ مُتعدّدةٍ مِن كُتبِهم الفقهيّةِ والروائيّةِ والاستدلاليّة، نذكرُ مِنها ما رواهُ أهلُ السنّةِ في كتبِهم كالبُخاريّ ومُسلم ومالكٍ في الموطّأ عن عائشةَ زوجِ النبيّ صلّى اللّهُ عليهِ وسلّم أنّها قالت : كانَ عتبةُ بنُ أبي وقّاص عهدَ إلى أخيه سعدٍ بِن أبي وقاص : أنَّ ابنَ وليدةَ زمعة مِنّي فاقبضهُ إليك . قالَت : فلمّا كانَ عامُ الفتحِ أخذَه سعدٌ وقالَ : ابن أخي - قد كانَ عهدَ إليَّ فيه - فقامَ عبدٌ بنُ زمعة وقالَ : أخي وابنُ وليدةِ أبي ، ولدَ على فراشِه. فتساوقا إلى رسولِ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وآله. فقالَ سعدٌ : يا رسولَ اللّه ابنُ أخي ، وقد كانَ عهدَ إليَّ فيه . وقالَ عبدٌ بنُ زمعة: أخي وابنُ وليدة أبي ولدَ على فراشِه. فقالَ رسولُ اللّه صلّى اللّهُ عليهِ وسلّم: «هوَ لكَ يا عبد بن زمعة» ، ثمَّ قالَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلّم : « الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحَجر». [ينظرُ: أقضيةُ رسولِ الله (ص)، لابنِ الطلّاعِ القُرطبي، ص ١٠٧].
وأمّا مِنَ الطرقِ الشيعيّةِ فرواهُ غيرُ واحدٍ مِن علمائِنا الأعلامِ مِنهم الشيخُ الطوسي، في (الاستبصار، ج ٣، ص ٣٦٨) بإسنادِه إلى محمّدٍ بنِ يعقوب عن أبي عليٍّ الأشعريّ عن محمّدٍ بنِ عبدِ الجبّارِ عن صفوانَ عن سعيدٍ الأعرج عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ : سألتُه عن رجلينِ وقعا على جاريةٍ في طهرٍ واحدٍ لمَن يكونُ الولد ؟ قالَ : للذي عندَه الجارية، لقولِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله: الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحَجر.
وأمّا دلالةُ الحديث، فهوَ يدلُّ على حُكمٍ ظاهريٍّ في مقامِ تردّدِ الولدِ بينَ كونِه ولداً لمَن يجوُز له نكاحِ المرأة وكونه ولداً للزّاني، وليسَ في مقامِ بيانِ حُكمٍ واقعي.
[ينظر: أحكامُ الرّضاعِ في فقهِ الشيعة، تقريرُ بحثِ السيّدِ الخوئي للأيرواني والخلخالي، ص ٨١].
وأمّا التنبيهاتُ المُستفادةُ مِن هذا الحديثِ التي كانَ - ولا يزالُ - يثيرُها أهلُ الفتنِ والخلافِ ويدلّسونَ فيها، للتلبيسِ على القرّاءِ وتشويشِ الحقيقة، وهذه ِالشبهةُ تُسمّى بأكذوبةِ المُتعةِ الدوريّة التي طَرحُها بمثلِ هذا الكلام ممّا يندى له الجبينُ ويأسفُ له العقلُ السليم، وفي الحقيقةِ هيَ ليسَت شُبهةً، بل فريةٌ وافتراءٌ على شريحةٍ واسعةٍ منَ المُسلمينَ الشيعةِ الذينَ أخذوا عقيدتهَم مِن معينِ أهلِ بيتِ النبي صلّى اللَّهُ عليهِ وآله وسلّم العذبِ الذينَ عرّفهم النبيُّ بأنّهم أعدالُ القرآنِ وقرناؤه وقالَ : « إنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتابَ اللَّهِ وعترتي ».
وحاصلُ الشبهةِ التي أثاَرها صاحبُ المَنار، فنسبَ المُتعةَ الدوريّةَ إلى الشيعة: أنَّ المرأةَ الواحدةَ يتناوبُها ويتعاقبُها عدّةٌ منَ الرجالِ بحسبِ ساعاتِهم، فعندئذٍ فبمَن يلحقُ الولد.
والجوابُ عن ذلك: أنَّ ما نسبَه إلى القائلينَ بالحليّةِ يعربُ عن أنَّ صاحبَ الشبهةِ أعياهُ البرهانُ حتّى التجأ إلى الكذبِ والفرية، معَ العلمِ بأنَّ أحكامَ المُتعةِ ووجوبَ العدّةِ معروفةٌ لديه ولدى كلِّ خصومِ الشيعة، ومعَ ذلكَ نقولُ له: كيفَ يمكنُ تصحيحُ تلكَ المُتعةِ الدوريّةِ التي هيَ في الواقعِ زنا لا غير؟ ! وهنا كلامٌ قيّمٌ للإمامِ المُصلحِ الشيخِ مُحمّد حُسين كاشفِ الغطاء الذي كانَ ينبضُ قلبهُ للمِّ شملِ الأمّةِ وجمعِ شتاتِها، يقولُ ردّاً على طرحِ تلكَ الشبهة: فاللازمُ أوّلاً: أن تدلّنا على كتابِ جاهلٍ منَ الشيعةِ ذكرَ فيه تحليلَ هذا النحوِ منَ المُتعةِ فضلاً عن عالمٍ مِن عُلمائِهم، وإذا لم تدلّنا على كتابةٍ مِنهم أو كتاب، فاللازمُ أن تُحدَّ حدَّ المُفتري الكذّاب، كيفَ وإجماعُ الإماميّةِ على لزومِ العدّةِ في المُتعة، وهيَ على الأقلِّ خمسةٌ وأربعونَ يوماً ، فأينَ التناوبُ والتعاقبُ عليها حسبَ الساعات ؟! وإن كنتَ تريدُ أنَّ بعضَ العوامِّ والجهلاءِ الذينَ لا يُبالونَ بمُقارفةِ المعاصي وانتهاكِ الحُرمات قد يقعُ مِنهم ذلك ، فهذا معَ أنّه لا يختصُّ بعوامِّ الشيعةِ بل لعلّهُ في غيرِهم أكثر ، ولكِن لا يصحُّ أن يُسمّى هذا تحليلاً ، إذ التحليلُ ما يستندُ إلى فتوى علماءِ المذهبِ لا ما يرتكبُه عُصاتُهم وفُسّاقُهم ، وهذا النحو منَ المُتعةِ عندَ علماءِ الشيعةِ منَ الزنا المحضِ الذي يجبُ فيه الحدُّ ولا يلحقُ الولدُ بواحد ، كيفَ وقد قالَ سيّدُ البشَر : «الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحَجر» . [أصلُ الشيعةِ وأصولُها : 151].
وقالَ العلّامةُ الأميني - ردّاً على صاحبِ المنارِ الذي نسبَ المُتعةَ الدوريّةَ إلى الشيعة: نسبةُ المُتعةِ الدوريّةِ وقُل: الفاحشةَ المُبيّنةَ إلى الشيعةِ إفكٌ عظيمٌ تقشعرُّ منهُ الجلود ، وتكفهرُّ منهُ الوجوه ، وتشمئزُّ منهُ الأفئدةُ ، وكانَ الأحرى بالرّجلِ حينَ أفكَ أن يتّخذَ له مصدراً مِن كُتبِ الشيعةِ ولو سواداً على بياض مِن أيّ ساقطٍ مِنهم ، بل نتنازلُ معَه إلى كتابٍ مِن كتبِ قومِه يسندُ ذلكَ إلى الشيعة ، أو سماعٍ عَن أحدٍ لهجَ به ، أو وقوفٍ منهُ على عملٍ ارتكبَه أناسٌ ولو مِن أوباشِ الشيعةِ وأفنائِهم ، لكنَّ المقامَ قد أعوزَه عن كلِّ ذلك ، لأنّهُ أوّلُ صارخٍ بهذا الإفكِ الشائن ، ومنهُ أخذَ القصيميُّ في [ الصراعِ بينَ الإسلامِ والوثنيّةِ ] وغيرُه .
[الغديرُ : 3 / 286].
وأمّا الفائدةُ المشهورةُ التي ذُكرَت في مناسبةِ هذا الحديثِ والتي ذكرَها أهلُ السيرِ والتاريخ، فحاصلُها: أنّهم ذكروا أنّ عديًّ بنَ حاتمٍ الطائي دخلَ على إمامِ الفئةِ الباغيةِ معاوية: فقالَ له معاوية: أمَا أنّه قد بقيَت قطرةٌ مِن دمِ عُثمان لا يمحوها إلّا دمُ شريفٍ مِن أشرافِ اليمن. [وأرادَ معاويةُ بكلامِه هذا أن يُظهِرَ أنّه مِن أهلِ الشرفِ والاعتبارِ أمامَ أحدِ أشرافِ اليمنِ والمُخلصينَ لأميرِ المؤمنين (ع)]؛ فحينَها أجابَه عديٌّ بنُ حاتم تهكّماً واحتقاراً له بقولِه: أوَلستَ المُدعي زياداً بنَ سميّةَ المولودِ على فراشِ عبيدِ ثقيف؛ فزعمتَ أنّه ابنُ أبيك وقد قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: الولدُ للفراشِ وللعاهرِ الحَجر ، فتركتَ سُنّةَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله تعمّداً وتبعتَ هواكَ بغيرِ هُدىً منَ الله؟ [اختيارُ معرفةِ الرّجال ( رجالُ الكشّي )، ج ١، الشيخُ الطوسي، ص ٢٥٤].
ولسانُ حالِ عدي له: وما أنتَ والشرفُ والاعتبارُ حتّى تُخاطبني بذلك؟!
وأمّا الجوابُ عن الشقِّ الثاني منَ السؤال، فنقولُ: إنَّ حدَّ الزّنا هوَ إيلاجُ الإنسانِ ذكرَه في فرجِ امرأٍة مُحرّمةٍ مِن غيرِ عقدٍ ولا مُلكٍ ولا شُبهة، ويتحقّقُ بغيبوبةِ الحشفةِ قُبلاً أو دُبراً. ويشترطُ في تعلَّقِ الحدِّ العلمُ بالتحريمِ والاختيارُ والبلوغ، وفي تعلَّقِ الرجمِ مُضافاً إلى ذلكَ الإحصانُ. [ينظر: كتابُ أسسِ الحدودِ والتعزيراتِ، للميرزا جواد التبريزي، (ص15) وما بعدَها].
وأمّا عن تطبيقِ حدِّ الزّنا فهذا يعودُ إلى بسطِ الحاكمِ الشرعيّ يدَه على أمورِ البلاد، معَ الأخذِ بعينِ الاعتبارِ عدمَ استغلالِ التطبيقِ منِ وسائلِ الإعلامِ المُغرضةِ والمُضلّلةِ لمثلِ هذهِ الأحكامِ بحُجّةِ الحُرّيّةِ المُزيّفةِ وما شابهَ ذلكَ للتشنيعِ على الإسلامِ والمُسلمينَ كما نلحظُه بينَ الفينةِ والأخرى. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق