ما هو عمرُ أمِّ البنين عند الزواج؟
كم كانَ عمرُ أمِّ البنين وعمرُ أميرِ المؤمنينَ عندَما تزوّجا؟
الجواب :
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه،
لم يرِد في كُتبِ السّيَر والتاريخِ والحديثِ التي وصلَتنا شيءٌ يتعلّقُ بتحديدِ عُمرِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) وعُمرِ السيّدةِ أمِّ البنين (عليها السلام) عندَ وقوعِ زواجِهما الميمون، كما لم يرِد تحديدٌ لتاريخِ وقوعِ الزواج.
نعَم، يمكنُ تقريبُ تاريخِ وقوعِ الزواجِ ببعضِ النصوصِ والأخبار، وذلكَ بالبحثِ عن أوّلِ زوجةٍ تزوَّجها الإمامُ (عليهِ السلام) بعدَ شهادةِ الصدّيقةِ الكُبرى (عليها السلام)، معَ الأخذِ بعينِ الاعتبار ما ذكرَه بعضُهم مِن أنَّ الإمامَ تزوّجَ بعدَها بتسعِ ليالٍ، ذكرَ ابنُ شهرِ آشوب في [مناقبِ آلِ أبي طالب ج3 ص90]: « وفي قوتِ القلوب: أنّهُ تزوّجَ بعدَ وفاتِها بتسعِ ليالٍ »، وفي المقامِ احتمالان:
الاحتمالُ الأوّل: أمامةُ بنتُ أبي العاص بنتُ السيّدةِ زينب بنتِ خاتمِ الأنبياء (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهيَ بنتُ أختِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام)، وقد تزوّجَها الإمامُ (عليهِ السلام) عملاً بوصيّةِ السيّدةِ الزّهراء (عليها السلام)؛ لقُربِها مِنها وحبِّها لأولادِها وانسجامِها معَها؛ إذ أولادُ الزهراءِ (عليهم السلام) كانوا أطفالاً، بحاجةٍ لرعايةِ الأمومة.
نقلَ العلّامةُ المجلسيُّ في [بحارِ الأنوار ج43 ص192 عن روضةِ الواعظين]: « قالَت: جزاكَ اللهُ عنّي خيرَ الجزاء يا ابنَ عمِّ رسولِ الله، أوصيكَ أوّلاً أن تتزوّجَ بعدي بابنةِ أختي أمامة، فإنّها تكونُ لولدي مثلي، فإنَّ الرجالَ لا بدّ لهُم منَ النساء. قالَ: فمِن أجلِ ذلكَ قالَ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام): أربعٌ ليسَ لي إلى فراقِه سبيل، بنتُ أبي العاصِ أمامة، أوصَتني بها فاطمةُ بنتُ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) .. الخبر». وذكرَ في [بحارِ الأنوار ج43 ص217 عن مصباحِ الأنوار]: « عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قال: .. وأوصَته أن يتزوّجَ أمامةَ بنتَ أبي العاص، وقالَت: بنتُ أختي وتحننُ على ولدي »، وذكرَ ابنُ شهر آشوب في [مناقبِ آلِ أبي طالب ج3 ص137]: « وأوصَت إلى عليٍّ بثلاث: أن يتزوّجَ بابنةِ أختِها أمامة لحبِّها لأولادِها.. »، وقالَ ابنُ طلحةَ الشافعيّ في [مطالبِ السؤول ص314]، وابنُ الصبّاغِ المالكيّ في [الفصولِ المُهمّة ج1 ص647]: « أمامةُ بنتُ أبي العاص بنتِ زينبَ بنتِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، تزوّجَها بعدَ موتِ خالتِها البتولِ فاطمة (عليها السلام) »، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ في [الاستيعاب ج4 ص1788]: « تزوّجَها عليٌّ بنُ أبي طالب بعدَ فاطمة ».
المُستفادُ مِن هذهِ النصوصِ والكلماتِ أنَّ الزهراءَ (عليها السلام) أوصَت أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) أن يتزوّجَ بعدَها بابنةِ أختِها أمامة، كي تهتمَّ بالأولادِ وترعاهُم وتتحننَ عليهم، فيبدو أنّها أوّلُ زوجةٍ للإمامِ بعدَ الصدّيقةِ وقد تزوّجَها بفترةٍ وجيزة، وهيَ تسعُ ليالٍ على ما حُكي.
الاحتمالُ الثاني: السيّدةُ أمُّ البنين فاطمةُ بنتِ حزام الكلابيّة، ويستفادُ مِن جُملةٍ مِن كلماتِ المؤرّخينَ أنَّ أمَّ البنين هيَ أولى زوجاتِ الإمامِ بعدَ الصدّيقة (عليها السلام).
قالَ المؤرّخُ الطبريّ في [تاريخِه ج4 ص118]: « فأوّلُ زوجةٍ تزوّجَها فاطمةُ بنتُ رسولِ الله.. ثمَّ تزوّجَ ـ بعد ـ أمَّ البنين بنتَ حزام »، وقالَ ابنُ الأثير في [الكاملِ في التاريخ ج3 ص397] : « وأمّا أزواجُه فأوّلُ زوجةٍ تزوّجَها فاطمةُ بنتُ رسولِ الله.. ثمَّ تزوّجَ ـ بعدَها ـ أمَّ البنين بنتَ حزام الكلابيّة »، وقالَ نحوه أبو الفداءِ أيضاً في [تاريخِه ج1 ص181].
الظاهرُ مِن كلماتِ هؤلاءِ المؤرّخينَ أنَّ الأميرَ (عليهِ السلام) تزوّجَ أمَّ البنين (عليها السلام) بعدَ شهادةِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام)، ويستفادُ مِنها أنّها أوّلُ زوجاتِه بعدَها.
حينئذٍ، يقعُ التعارضُ بينَ ذينِ الاحتمالين، ولعلَّ الأقربَ هوَ الاحتمالُ الأوّل؛ لقرينةِ الوصيّةِ الفاطميّة، فإنَّ الصدّيقةَ (عليها السلام) عيّنَت للإمامِ زوجةً وأوصَته بها، ولا يخفى علينا مدى اهتمامِ الإمامِ بوصاياها، فمنَ البعيدِ أن يذهبَ الإمامُ إلى أخيهِ عقيلٍ ويطلبَ منهُ أن يجدَ لهُ امرأةً ليتزوّجَها ـ أي أمَّ البنين ـ، ثمَّ بعدَ ذلكَ يعملُ بوصيّةِ الزهراءِ (عليها السلام) ويتزوّجَ أمامة.
إذن: الأقربُ أنَّ أوّلَ زوجةٍ للإمامِ بعدَ الصدّيقةِ هيَ أمامةُ بنتُ زينب، تزوّجَها بعدَ أيّامٍ يسيرةٍ مِن شهادةِ الصدّيقةِ تطبيقاً لوصيّتها، ثمَّ بعدَها تزوّجَ بالسيّدةِ أمِّ البنين (عليها السلام)، إذ ذهبَ لأخيهِ عقيلٍ وطلبَ منهُ أن يخطبَ له امرأةً ولدَتها الفحولةُ منَ العرب، والحكايةُ معروفةٌ مشهورة. ولهذا قالَ السيّدُ الأمينُ في [أعيانِ الشيعة ج1 ص326]: « أوّلُ زوجاتِه فاطمةُ الزهراء، سيدةُ النساء (عليها السلام) بنتُ رسولِ الله سيّدِ المُرسلين (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، لم يتزوَّج عليها حتّى توفّيَت عندَه، ثمَّ تزوّجَ بعدَها أمامةَ بنتَ أبي العاص بنِ الربيعِ بنِ عبدِ العزى بنِ عبدِ الشمس، وأمُّها زينبُ بنتُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ثمّ تزوّجَ أمَّ البنينِ بنتَ حرام بنِ دارم الكلابيّة ».
ويمكنُ تحديدُ زمانِ الزواجِ بشكلٍ أدقّ لو أخَذنا بنظرِ الاعتبارِ أنَّ الإمامَ (عليهِ السلام) تزوّجَها قبلَ زواجِه بخولةَ بنتِ جعفر الحنفيّة سنةَ 11هـ، وهيَ أمُّ مُحمّدٍ ابنِ الحنفيّة، وقد كانَت ـ على الأرجحِ ـ سبيّةً مِن سبايا بني حنفيّة على يدِ خالدٍ بنِ الوليد أيّامَ أبي بكر، وقد كانَ موطنُهم في اليمامة، وقالَ المُحقّقُ الكلباسيّ عندَ تحقيقِه ذلكَ في [مُعجمِ أنصارِ الحُسين ج1 ص125]: « وبمُقتضى ما قدّمناه فإنَّ وصولَها إلى المدينةِ نرجّحُ أن يكونَ في أواخرِ ذي الحجّةِ مِن عام 11هـ »، ثمَّ قالّ: « إذَن، فالقولُ بأنَّ مُحمّداً ابنَ الحنفيّةِ ولدَ في شوّال عام 12هـ، وتوفّيَ في مُحرّم عامَ 80هـ هوَ الأولى والمُرجَّح ».
ولهذا قالَ الكلباسيّ في [مُعجمِ أنصارِ الحُسين ج1 ص108 الهامش] بالنسبةِ لأمِّ البنين: « ويمكنُ أن نؤكّدَ أنَّ زواجَها كانَ قبلَ الزواجِ مِن خولة بنتِ جعفرٍ الحنفيّة؛ لعددٍ منَ النصوصِ التي تصرّحُ بأنَّ زواجَها كانَ الأوّلَ بعدَ فاطمة (عليها السلام)، ولكن لاعتباراتٍ فنيّةٍ ذكَرنا أنَّ زواجَ أمامةَ كانَ ُمقدَّماً على زواجِها، ولكِن لا دليلَ لنا أن نؤجّلَ زواجَها إلى بعدِ الزواجِ مِن خولة، فلذلكَ نُرجّحُ ونؤكّدُ أنَّ زواجَها كانَ قبلَ شهرِ ذي الحجّةِ مِن عام 11هـ، وبعدَ شهر جُمادى الثانية عام 11هـ ».
هذا بالنسبةِ إلى تحديدِ تاريخِ الزواج، وأمّا بالنسبةِ لعُمرِ الإمامِ (عليهِ السلام) آنذاك، فينبغي أن يكونَ عُمرُ الإمامِ (عليهِ السلام) ـ بناءً على ما تقدّم ـ 33 أو 34 سنةً تقريباً، وأمّا عمرُ أمِّ البنين فينبغي أن يكونَ في سنٍّ يؤهّلُها للزّواج، فإنَّ المرويَّ ـ كما في [عُمدةِ الطالب ص357] أنَّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) قالَ لأخيه عقيل: « انظُر إلى امرأةٍ قد ولدَتها الفحولةُ منَ العرب، لأتزوّجَها، فتلدَ لي غُلاماً فارساً »، فأشارَ له على أمِّ البنين الكلابيّة، وكلامُ الإمامِ يدلُّ على أنّه يطلبُ امرأةً بالغةً راشدةً مؤهّلةً للزواجِ والإنجابِ، وبناءً على هذا ينبغي أن تكونَ مولودةً قبلَ الهجرة، وقد ذكرَ الكلباسيُّ أنّها ولدَت سنةَ 4 قبلَ الهجرة، وهوَ مبنيٌّ على افتراضِ أنّها تزوّجَت وعمرُها 14ـ15 سنةٍ تقريباً.
نعم، افترضَ بعضُهم أنّها ولدَت ما بينَ السنةِ 5 ـ 9 للهجرة، ويبدو أنَّ مثلَ هذا الافتراضِ مبنيٌّ على سنةِ ولادةِ أولادِها، فإنَّ أبا الفضلِ العبّاس (عليهِ السلام) استشهدَ سنةَ 61 للهجرةِ بكربلاء وعمرُه ـ كما ذكرَ جملةٌ مِن أهلِ الأنسابِ ـ 34 سنةً، يعني أنّه ولدَ سنةَ 26 للهجرة، ولو أخَذنا بنظرِ الاعتبارِ أنَّ الإمامَ يقولُ لأخيهِ عقيل: « انظُر إلى امرأةٍ قد ولدَتها الفحولةُ منَ العرب، لأتزوّجَها، فتلدَ لي غُلاماً فارِساً »، وتفريعُ الإيلادِ على الزواجِ يشيرُ إلى قُربِ المُدّةِ بينَ الزواجِ والإيلاد، فينبغي أن يكونَ الزواجُ قبلَها بسنة، ولو افترَضنا أنّها في سنٍّ مؤهّلٍ للزواجِ والإيلادِ، أي 14 ـ 20 سنةٍ، فينبغي أن تكونَ مولودةً ما بينَ السنةِ 5 ـ 9 للهجرة.
ولكنَّ هذا يدلُّ على أنّها مِن أواخرِ زوجاتِ الإمامِ (عليهِ السلام) لا أوائلِ زوجاتِه، وهوَ خلافُ نصوصِ المؤرّخينَ وكلماتِهم، وأمّا تأخّرُ ولادةِ العبّاسِ (عليهِ السلام) فقد يكونُ لعواملَ طبيعيّةٍ أخرى لا ندري بها، وقد قوّى المُحقّقُ الكلباسيُّ أنَّ العبّاسَ (عليهِ السلام) وُلدَ في سنةِ 18 للهجرة، لا 26 للهجرة، وأنَّ ما وقعَ في كلماتِ بعضِ النسّابةِ مِن أنّه استشهدَ وله 34 سنةً قد حصلَ فيه قلبٌ وصوابُه 43 سنة، واستشهدَ لذلكَ ببعضِ الأشياء، فمَن شاءَ التفصيلَ فليُراجع: [معجمُ أنصارِ الحُسين ج2 ص133].
هذا غايةُ ما يمكنُ أن يُقالَ بهذا الخصوص، وهوَ ـ كما ترى ـ مبنيٌّ على معطياتٍ قليلةٍ ومنثورةٍ هُنا وهُناك، حاولنا الجمعَ بينَها والخلوصَ لنتيجةٍ أقربَ للاعتبار، واللهُ العالمُ بحقائقِ الأمور.
اترك تعليق