لماذا هذا الطرحُ الخطير ؟
طرحَ بعضُ رجالِ الدّينِ الشيعة مؤخّراً وبضرسٍ قاطعٍ كلاماً يفيدُ تكفيرَ علماءِ الطائفةِ لباقي المُسلمين، فما مدى دقّةِ كلامِه، وصحّةِ المصادرِ التي نقلَ عَنها؟
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم
للردِّ على هذه الدّعوى يكفي الالتفاتُ إلى أمورٍ ثلاثة:
الأوّل: أنَّ دعوى تكفيرِ الشيعةِ لباقي المُسلمينَ منَ الجهلِ المُركّبِ ـ أعاذَنا اللهُ وأيّاكم مِنه ـ ونحنُ هُنا لا نريدُ استعراضَ كلماتِ الأعلام على نحوِ الاستقصاءِ، بل نكتفي بذكرِ بعضِها؛ فإنَّ السّالبةَ الكُلّيّةَ تنقضُها الموجبة ُالجُزئيّة ، ويكفي أن نقفَ على كلامِ السيّدِ مُحمّد رِضا السيستاني (حفظَه الله) وهوَ مِن عُلمائِنا المُعاصرينَ المُحقّقين ، وقد قال : "والذي يبدو لي بمُلاحظةِ سائرِ رواياتِ البابِ أنَّ المقصودَ بما وردَ في تلكَ النصوص هوَ أنَّ المُخالفَ على ثلاثةِ أقسام، فقسمٌ يُحكَمُ بكُفرِه، وقسمٌ يُحكَمُ بكونِه مُنافِقاً، وقسمٌ يُحكَمُ بضلالتِه.
فالأوّلُ: هوَ الذي تقامُ عندَه الحُجّةُ على إمامةِ الإمامِ ولكنّه يكابرُ ولا يقبلُ الحُجّةَ وينكرُ الإمامةَ حتّى ظاهراً، فهذا يعدُّ كافِراً مِن حيثُ إنكارُه لِما ثبتَ عندَه أنّه منَ الدين، فإنَّ مرجعَهُ إلى تكذيبِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) في بعضِ ما بلّغَه عن اللهِ تعالى، كما هوَ الحالُ في كلِّ مَن ثبتَ له أنّ شيئاً منَ الدينِ ومعَ ذلكَ أنكرَه، فإنّه يكونُ ذلكَ موجباً لكُفرِه ولا يختصُّ ذلكَ بالضروريّ، فمَن ثبتَ عندَه أنَّ إمامةَ عليٍّ (عليهِ السلام) منَ الدينِ بأن قامَت عندَه الحُجّةُ على ذلكَ ومعَ ذلكَ أنكرَها فإنّه يكونُ كافِراً.
والثاني: هوَ الذي تقامُ عليهِ الحُجّةُ على إمامةِ الإمامِ ويستسلمُ أمامَها ظاهِراً ولكن لا يعتقدُ بإمامتِه في قلبِه، فهذا مُنافقٌ ظاهرُه الإسلامُ وباطنُه الكُفر بالمناطِ الذي تقدّم.
والثالثُ: هوَ الذي لا يقتنعُ بالحُجّةِ على نصبِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلم) عليّاً وأولادَه المعصومينَ (عليهم السلام) أئمّةً مِن بعدِه لشُبهةٍ أو نحوِها، أو أنّه لا تبلغُه الحُجّةُ على ذلكَ أصلاً ــ ككثيرٍ مِن أهلِ الخِلاف ــ فهذا مُسلمٌ ضال.
وينبغي إيرادُ بعضِ النصوصِ للدّلالةِ على هذا المقصودِ ففي صحيحةِ الفُضيلِ بنِ يسار عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قال: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجل نصبَ عليّاً (عليهِ السلام) عَلماً بينَه وبينَ خلقِه، فمَن عرفَه كانَ مؤمِناً ومَن أنكرَه كانَ كافِراً ومَن جهلَه كانَ ضالّاً ومَن نصبَ معَه شيئاً كانَ مُشرِكاً ومَن جاءَ بولايتِه دخلَ الجنّةَ ومَن جاءَ بعداوتِه دخلَ النار))..... ويظهرُ بمُلاحظةِ مجموعِ هذه النصوصِ وضمِّ بعضِها إلى بعضٍ أنّه ليسَ كلُّ مَن لم يعرِف إمامَ زمانِه يكونُ كافِراً، بل هوَ خصوصُ مَن ينكرُ إمامتَه بعدَ قيامِ الحُجّةِ عليه ومُكابرتِه عن القبولِ بها والتسليمِ لها.
وعلى ذلكَ فما وردَ في ذيلِ صحيحةِ مُحمّدٍ بنِ مُسلِم مِن أنَّ مَن لم يعرِف إمامَه يموتُ ميتةَ كُفرٍ ونفاق يختصُّ بمَن تُقامُ عليهِ الحُجّة ولا ضيرَ في الالتزامِ بذلك، بل هوَ مُقتضى القاعدةِ كما تقدّم.
هذا هوَ الوجهُ الذي يبدو في النظر، وهناكَ وجهانِ آخران لا بأسَ بالتعرّضِ لهُما أيضاً ..
أحدُهما: ما التزمَ به السيّدُ الأستاذ (قدّسَ سرّه) في كتابِ الطهارةِ مِن أنَّ المُخالفَ كافرٌ إلّا أنَّ كُفرَه باطنيّ، أيّ هوَ مُسلمٌ ظاهِراً ولكنّه كافرٌ باطناً...بحوثٌ في شرحِ مناسكِ الحج ج٢ ص ٤٧٨.
فالسيّدُ السيستاني (حفظَه الله ) لا يرى الكُفرَ الواقعيَّ بالمعنى الذي يفهمُه مِن كلامِ أستاذِه .
بل إنَّ نفسَ صاحبِ دعوى تكفيرِ كلِّ علماءِ الشيعةِ لباقي المُسلمينَ أنكرَها ونفاها عن الشيخِ صاحبِ الجواهر (ره) والسيّدِ الخُميني (ره)، وإليكَ نصُّ كلامِه، ـ الكلامُ باللغةِ الدارجةِ نقلناهُ بنصِّه حِفظاً للأمانةِ العِلميّة ـ في بعضِ دروسِه:
(بالأمسِ وقَفنا عندَ هذهِ النقطةِ بعد، عندَما انتهينا منَ الاتّجاهِ الأوّلِ لتكفيرِ المُخالفين أو مَن لم يعتقِد بإمامةِ أئمّةِ أهلِ البيت بالمعنى والمُصطلحِ الشيعيّ له قُلنا أنّنا وجَدنا في كلماتِ صاحبِ الجواهرِ المُحقّقِ النجفي هوَ أنّه نجدُ في بعضِ الأحيان أنكرَ كُفرَهم وأنَّ المُخالفَ أو مَن لم يعتقِد إمامتَهم ليسَ بكافرٍ ولكنّه مِن جهةٍ أخرى في بعضِ كلماتِه قالَ أنّهم كفّار فكيفَ الجمعُ بينَ هَذين التصريحين ... إذن صاحبُ الجواهرِ بشكلٍ واضحٍ وصريح عبارتُه ما هي؟ طبعاً هذه ليسَت فقط عبارةَ صاحبِ الجواهرِ، عبارةُ جُملةٍ منَ الأعلامِ ومِنهم السيّدُ الإمامُ قدّس اللهُ نفسَه في كتابِه الطهارة المُجلّدُ الثالِث صفحة 635 قال: فإنَّ المُنساقَ منَ الرواياتِ أنَّ الشهادتينِ تمامُ حقيقةِ الإسلام، لا فقط أن نحكمَ بإسلامِه ظاهِراً وباطِناً كذا وكذا لا أبداً تمامُ حقيقةِ الإسلامِ في الشهادتين ِولذا تصريحاتُه في صفحة 329 مِن كتابِ الطهارةِ، هاي الطبعة إلي عندي أنا طبعة قديمة لعلّه الطبعة الحديثة مُختلفة طبعة الآداب في النجف الأشرف قال: فدعوى كونِ الإسلامِ هوَ الاعتقادُ بالألوهيّةِ والتوحيدِ والنبوّةِ غيرُ بعيدةٍ وكلامُنا ها هُنا في مقامِ الثبوتِ والواقعِ لا ظاهِراً، نعَم لمَن لا يؤمنُ بالشهادتينِ فظاهِراً مُسلمٌ وباطِناً كافرٌ أمّا مَن صدّقَ بالشهادتين ظاهِراً وباطناً مسلمٌ مؤمنٌ حقيقةً نعم هناكَ اصطلاحٌ آخر في الإيمانِ لا محذورَ في ذلكَ وحتّى عندَما نقولُ الإيمانُ بالمعنى الأخصِّ انتووا تتصوّرون الإيمان بالمعنى الأخص له مرتبة واحدة؟ يعني الذينَ يعتقدونَ بإمامةِ أئمّة أهلِ البيت هذا مؤمنٌ بالمعنى الأخص هذا له مرتبة لو مراتب؟ أيضاً له مراتِب أينَ إيمانُ سلمان
وإيمانُ أبي ذر وإيمانُ المقداد وإيمانُ عمّار إلي إيمان كلّه مِن قرنه هذه مراتِب الإيمان ولهذا إذا نسَبنا بعضَه إلى بعض هماتينا إذا جعلنا بعضَها الإيمان بالأخص ذاكَ يخرجُ منَ الإيمان لا ليسَ كذلك إذن على المستوى الفقهي وآثار البحث الفقهي لا خلافَ بينَ المُحقّقين، أنا ما أتكلّم في الاتّجاه الأوّل والاتّجاه الأوّل قالَ بكُفرهم وأجَبنا عن ذلكَ الاتّجاه كامِلاً أنا أتكلّم على كلماتِ صاحبِ الجواهر قدّسَ اللهُ نفسَه هذا على مُستوى البحثِ الفقهي). مفاتيحُ عمليّةِ الاستنباطِ الفِقهي (الدرس: 419). فهوَ يعرفُ هذا وينسبُ إلى الجميع!!
الأمرُ الثاني: إنَّ عرضَ مثلِ هذه القضايا بصورةٍ مُشوّهةٍ يُعدُّ أمراً خطيراً قد يؤدّي ـ لا سمحَ الله ـ إلى تمزيقِ المُجتمعِ الإسلاميّ في زمانٍ نحنُ فيه بأشدِّ الحاجةِ إلى الألفةِ و المحبّة وإسقاطِ مُخطّطاتِ أعداءِ الإسلام لتفرقةِ المُسلمين فالفضائيّاتُ فضاءٌ رحبٌ يطّلعُ عليه جميعُ الناسِ معَ اختلافِ مستوياتِهم و توجّهاتِهم ، وأغراضِهم ودوافعِهم، وهناكَ مِن أعداءِ التشيّعِ مَن يشتري مثلَ هذا الكلام بأغلى الأثمانِ ليُحرّكَ الهمجَ لذبحِ الشيعة، أو يبرزَ الشيعةَ مُنافقينَ يُعادونَ المُسلمينَ جميعاً.
فالفضائيّاتُ ليسَت ساحةً مُناسبةً لطرحِ أيّ كلامٍ و بأيّ طريقةٍ ، كما أنّها ليسَت ساحةً لتصفيةِ الحساباتِ مع جماعةٍ خاصّة إن كانَت هنالكَ أغراضٌ شخصيّة ، وحساباتٌ خاصّة ، ولا نتّهمُ الرجلَ في دوافعِه كما لا نُزكّيه .
كانَ ينبغي على صاحبِ هذه الدعوى ( أصلحَ اللهُ أمرَه ) أن يُبيّنَ رأيَ مَن يقولُ بأنَّ الإمامةَ أصلُ الإسلامِ الواقعي بنحوٍ واضحٍ حتّى لا يتصوّرُه العامّةُ بنحٍو غيرِ مفهوم بسببِ عدمِ معرفتِهم بالاصطلاحاتِ والمُرادِ مِنها ، فيظنّونَ أنَّ عُلماءَ الشيعةِ يرونَهم كالمُشركينَ بلا كرامةٍ وحقوق، فيقعُ المحذور .
وأمّا العباراتُ التي استدلَّ بها على دعوى التكفير، فيمكنُ إجمالُها، بكلامِ السيّدِ الخوئي (ره)، وصاحبِ الحدائق (ره) لهذا سوفَ أتعرّضُ لبيانِ رأي سيّدِ الطائفةِ الخوئي ( قدّسَ سرّه) ، أوّلاً، فهوَ يرى إسلامَ مَن لم يؤمِن بالإمامةِ ظاهِراً ويرى كُفرَه الباطني ، فما معنى الكُفرِ الباطني؟
أوّلاً: كلماتُ السيّدِ الخُوئي (ره):
١- قالَ السيّدُ الخُوئي ( رحمه الله ): (للكُفرِ مراتبُ عديدةٌ مِنها : ما يقابلُ الإسلامَ ويحكمُ عليهِ بنجاستِه وهدرِ دمِه ومالِه وعرضِه وعدمِ جوازِ مُناكحتِه وتوريثِه منَ المُسلم، وقد دلّت الرواياتُ الكثيرةُ على أنَّ العبرةَ في مُعاملةِ الإسلامِ بالشهادتينِ اللتينِ عليهما أكثرُ الناسِ كما تأتي في محلّها. ومِنها: ما يقابلُ الإيمانَ ويحكمُ بطهارتِه واحترامِ دمِه ومالِه وعرضِه كما يجوزُ مُناكحتُه وتوريثُه إلّا أنَّ اللهَ سُبحانَه يعاملُ معه معاملةَ الكُفرِ في الآخرة وقد كُنّا سمّينا هذهِ الطائفةَ في بعضِ أبحاثِنا بمُسلمِ الدّنيا وكافرِ الآخرة ...). التنقيح ج ٢ ص ٦٣.
٢- وقالَ في نقاشِ الاستدلالِ على كُفرِ المُخالف: "كما وردَ في الرواياتِ الكثيرةِ البالغةِ حدَّ الاستفاضةِ مِن أنَّ المُخالفَ لهم - ع - كافر، وقد وردَ في الزيارةِ الجامِعة: " ومَن وحّدَه قبلَ عَنكم " فإنّهُ ينتجُ بعكسِ النقيضِ أنَّ مَن لم يقبَل مِنهم فهوَ غيرُ مُوحّدٍ للهِ سُبحانَه فلا محالةَ يُحكمُ بكُفره. والأخبارُ الواردةُ بهذا المضمونِ وإن كانَت منَ الكثرةِ بمكانٍ إلّا أنّه لا دلالةَ لها على نجاسةِ المُخالفين إذ المرادُ فيها بالكُفر ليسَ هوَ الكُفرُ في مقابلِ الإسلام وإنّما هوَ في مُقابلِ الإيمان كما أشَرنا إليهِ سابقاً أو أنّه بمعنى الكُفرِ الباطني وذلكَ لِما وردَ في غيرِ واحدٍ منَ الرّواياتِ مِن أنَّ المناطَ في الإسلامِ وحقنِ الدماءِ والتوارثِ وجوازِ النكاحِ إنّما هوَ شهادةُ أن لا إلهَ إلّا الله وأنَّ مُحمّداً رسولُه وهيَ التي عليها أكثرُ الناس وعليهِ فلا يُعتبَرُ في الإسلامِ غيرُ الشهادتين فلا مناصَ معَه عن الحُكمِ بإسلامِ أهلِ الخِلاف". التنقيح: ج2، ص84.
والمُستفادُ مِن كلامِه ( رحمَه الله ) المُتقدّمِ وغيرُه أن مَن لم يؤمِن بالإمامةِ ولم يكُن مُكذّباً لرسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ و آله ) ولا مُنكِراً للتوحيدِ حُكمُه حُكمُ الإسلامِ وتترتّبُ عليهِ جميعُ الحقوقِ الدينيّة التي بيّنَها بقولِه: "إنَّ المناطَ في الإسلامِ وحقنِ الدماءِ والتوارثِ وجوازِ النكاحِ إنّما هوَ شهادةُ أن لا إلهَ إلّا الله وأنَّ مُحمّداً رسولُه وهيَ التي عليها أكثرُ الناس وعليهِ فلا يُعتبَرُ في الإسلامِ غيرُ الشهادتين فلا مناصَ معَه عن الحُكمِ بإسلامِ أهلِ الخِلاف"، فالمُخالفُ محقونُ الدمِ والعرضِ والمال ، لأنّه ليسَ كافراً بالمعنى المُقابلِ للإسلامِ وعليهِ هوَ لا "يحكمُ عليهِ بنجاستِه وهدرِ دمِه ومالِه وعرضِه وعدمِ جوازِ مُناكحتِه وتوريثِه منَ المُسلِم وقد دلَّت الرواياتُ الكثيرةُ على أنَّ العبرةَ في مُعاملةِ الإسلامِ بالشهادتين".
نعم ، الإمامةُ أصلٌ مِن أصولِ الإيمان ، وهذا شيءٌ آخرُ له صنفٌ آخر منَ الأحكامِ ترتبطُ بالآخرة ، وهيَ قبولُ العمل ، والوعدُ بالجنّة ، ففي نظرِ السيّدِ الخوئي ( رحمَه الله) ليسَ كلُّ مُسلمٍ موعودٌ بالجنّةِ و يثابُ على عملِه ، و إنّما خصوصُ المؤمنِ و الولايةُ مِن أركانِ الإيمان ، فمَن لم يأتِ بالولايةِ في يومِ القيامةِ لا يكونُ مشمولاً بوعدِ اللهِ سواءٌ كانَ مُسلِماً أم لم يكُن ، وهذا مُرادُه مِن قوله : "المرادُ فيها بالكُفرِ ليسَ هوَ الكفرُ في مقابلِ الإسلامِ وإنّما هوَ في مُقابلِ الإيمانِ كما أشَرنا إليهِ سابقاً أو أنّه بمعنى الكُفرِ الباطني وقولُه : "إلّا أنَّ اللهَ سُبحانَه يعاملُ معَه مُعاملةَ الكُفرِ في الآخرةِ وقد كُنّا سمّينا هذه الطائفةَ في بعضِ أبحاثِنا بمُسلمِ الدنيا وكافرِ الآخرة".
ومِن حقِّك أن تسألَ وكيفَ يعاملُ اللهَ الكافرَ يومَ القيامة؟
والجوابُ مُفصّلٌ عندَ السيّدِ الخوئي وغيرِه منَ الأعلام ( رضوانُ اللهِ عليهم ) ، فإنّه ليسَ كلُّ كافرٍ يُعذّبُ يومَ القيامةِ و إنّما خصوصُ المُعاندِ والمُقصّر، و أمّا القاصرُ فيقبحُ عقابُه عقلاً ، وفي بعضِ الرواياتِ يمتحنُه اللهُ تعالى وإذا اجتازَ يُدخِلُه الجنّة ، فأمرُه إلى اللهِ تعالى واللهُ جوادٌ كريم.
و الحكمُ بعدمِ إيمانِ مَن أنكرَ الولايةَ معَ الحُكمِ بإسلامِه ذهبَ إليه الأعلامُ لأدلّةٍ تامّةٍ في نظرِهم ، وليسَ البحثُ العِلمي خاضِعاً للمُجاملاتِ و العلاقاتِ الاجتماعيّة أو الدعاياتِ الإعلاميّة، ولا ينبغي أن يكونَ مُتأثّراً برغبةِ سائرِ الناس ، فنحنُ نتّبعُ ما ثبتَ عن النبيّ وآلِه ( عليهِ وعليهم السلام) ، و الإمامةُ في النصوصِ ركنٌ للإيمانِ والدينُ بمعنى موضوعِ قبولِ العملِ والوعدِ بالثوابِ والنعيمِ الدائم ، والمسلمُ الذي لا يؤمنُ بالإمامةِ مُحترمٌ في نفسِه ومالِه وعرضِه ، يُحرّمُ ظُلمُه وهتكُه ، و يجبُ علينا مُعاملتُه بالحُسنى، وهذا يكفي في بثِّ روحِ الألفةِ والمودّة ، وتركِ كلِّ مذهبٍ معَ قناعاتِه العقديّة.
إنَّ تشويهَ رأي الشيعةِ و موقفَهم العام ، و إبرازَه بطريقةٍ مُنفّرةٍ للعامّةِ على فضائيّةٍ ، وعدمَ توضيحِ المُرادِ منَ الكفرِ الباطنيّ عندَ بعضِ الأعلام ، والعبورَ عليهِ دونَ توضيح، نرجو أن لا تكونَ وراءَه دوافعُ شيطانيّة ، ولا نتّهمُ الرجلَ كما لا نُزكّيه ، و لكن نقولُ ما وقعَ كانَ مُضرّاً ، ويستثمرُ مِن أعداءِ التشيّعِ بطريقةٍ غيرِ نزيهة ، وقد يكونُ سبباً لسفكِ دماءِ الشيعة أو تعريضِهم للأذيّة ، و جعلِ مسافاتٍ اجتماعيّة بينَهم وبينَ إخوانِهم في الإسلام الذينَ يعيشونَ معَهم في المُدنِ والقرى ، ولمصلحةِ مَن هذا!
كما ينبغي أن يعلمَ أنَّ عرضَ رأي السيّدِ الخوئي ( رحمَه الله ) كما هوَ ثمَّ نقدُه بأسلوبٍ عِلمي لا محذورَ فيه ، ولا يُقلّلُ مِن قيمتِه ، فكلُّ مذهبٍ عندَه أصولٌ يُخطّئُ بها غيرَه ، كما أنَّ نقدَه لا ينقصُه ، غيرَ أنَّ المُنصفَ الحكيم يعرفُ كيفَ يعرضُ و ينقدُ معَ مُلاحظةِ مُقتضى الحالِ وما يلزمُ في المقال.
ثانياً: قولُ صاحبِ الحدائق:
نقلَ صاحبُ الدعوى كلاماً للمُحقّقِ البحراني (ره)، يشيبُ منهُ رأسُ الرضيع، وأنّه يرى جميعَ المُسلمين مثلَ الكلابِ والخنازير، ولا أظنُّ أنَّ مُعادياً للشيعةِ يتّهمُهم بأكبر مِن هذه الدعوى!
وفي تصوّري وقعَ جهلٌ أو تجاهلٌ لرأي المُحقّقِ البحراني (رحمَه الله)، فإنَّ المُحقّقَ البحراني قالَ في موضع : (أنّه قد استفاضَت الرواياتُ والأخبارُ عن الأئمّةِ الأبرار (عليهم السلام) - كما بسَطنا عليهِ الكلام في كتابِ الشهابِ الثاقبِ في بيانِ معنى الناصب - بكُفرِ المُخالفينَ ونصبِهم وشركِهم وأنَّ الكلبَ واليهوديَّ خيرٌ مِنهم وهذا ممّا لا يجامعُ الإسلامَ البتّةَ فضلاً عن العدالة، واستفاضَت أيضاً بأنّهم ليسوا منَ الحنيفيّة على شيءٍ وأنّهم ليسوا إلّا مثلَ الجدرِ المنصوبةِ وأنّه لم يبقَ في يدِهم إلّا مُجرّدُ استقبالِ القِبلة واستفاضَت بعرضِ الأخباِر على مذهبِهم والأخذِ بخِلافِه واستفاضَت أيضاً ببطلانِ أعمالهم. وأمثالُ ذلكَ ممّا يدلُّ على خروجِهم عن الملّةِ المُحمّديّةِ والشريعةِ النبويّةِ بالكُلّيّةِ والحُكمُ بعدالتِهم لا يجامعُ شيئاً مِن ذلك كما لا يخفى)الحدائقُ ج ١٠ ص ٤٣.
و أظنُّ أنَّ صاحبَ الدعوى ( أصلحَه الله) وقفَ على هذهِ العبارةِ فقَط وجاءَ بها - كما يفعلُ الكثيرُ منَ السلفيّةِ في تشويهِ موقفِ التشيّعِ - و نسبَ إليه القولَ بأنَّ كلَّ المُخالفينَ مثلَ الكلابِ والخنازير!
معَ أنَّ صاحبَ الحدائق ( رحمَه الله ) يتكلّمُ عن قسمٍ خاصٍّ وقليلٍ جدّاً وهوَ مَن أُلقيَت عليهِ الحُجّةُ وعلمَ بالحقِّ وجحد ، وهذا ما بيّنَه ( رحمَه الله ) في مواضعَ مِن كلماتِه مِنها: "أقولُ: والتحقيقُ المستفادُ مِن أخبارِ أهلِ البيت (عليهم السلام) - كما أوضحناهُ بما لا مزيدَ عليه في كتابِ الشهابِ الثاقب - أنَّ جميعَ المُخالفينَ العارفينَ بالإمامةِ والمُنكرينَ القولَ بها كلُّهم نُصّابٌ وكُفّارٌ ومُشركون ليسَ لهم في الإسلامِ ولا في أحكامِه حظٌّ ولا نصيب، وإنّما المُسلمُ مِنهم هوَ الغيرُ العارفِ بالإمامة، وهُم في الصدرِ الأوّلِ مِن زمانِ الأئمّةِ (عليهم السلام) أكثرُ الكثير، ويعبّرُ عَنهم في الأخبارِ بأهلِ الضلالِ وغيرِ العارفِ والمُستضعَف.. وبالجُملةِ فإنَّ المُستفادَ منَ الأخبار - كما أوضحناهُ في الكتابِ المُتقدّم - أنَّ الناسَ في زمنِهم (عليهم السلام) ثلاثةُ أقسام: مؤمنٌ وهوَ مَن أقرَّ بالإمامة، وناصبٌ كافر وهوَ مَن أنكرَها، ومَن لم يعرِف ولم يُنكِر وهُم أكثرُ الناسِ في ذلكَ الزمان، ويُعبّرُ عنه بالمُستضعفِ والضال". الحدائقُ ج ١٤ص١٦٤.
فالشيخُ ( رحمَه الله ) يقصدُ بقولِه : ( كفرُ المُخالفينَ ونصبُهم وشركُهم وأنَّ الكلبَ واليهوديَّ خيرٌ مِنهم وهذا ممّا لا يجامعُ الإسلامَ البتّةَ فضلاً عن العدالة) خصوصَ الناصبِ ، والناصبُ عندَه هو : (جميعُ المُخالفينَ العارفينَ بالإمامةِ والمُنكرينَ القولَ بها كلّهم نصّابٌ وكفّارٌ ومُشركون ليسَ لهم في الإسلامِ ولا في أحكامِه حظٌّ ولا نصيب) ، فمَن قامَت عليهِ الحُجّة وجحدَ هوَ الناصبُ ، و يقابلُه ( المُسلمُ مِنهم هوَ الغيرُ العارفِ بالإمامة، وهُم في الصدرِ الأوّلِ مِن زمانِ الأئمّةِ (عليهم السلام) أكثرُ كثير، ويعبّرُ عَنهم في الأخبارِ بأهلِ الضّلالِ وغيرِ العارفِ والمُستضعَف).
هذا ما يقتضيهِ التأمّلُ التامُّ وبذلُ الجُهدِ العِلمي الدقيق في معرفةِ رأي الشيخِ المُحقّقِ صاحبِ الحدائِق ( رحمَه الله) ، و لكن للأسف جاءَ كلامُ صاحبِ الدعوى كأكثرِه في الفترةِ الاخيرةِ مبنيّاً على العجلةِ والتسرّعِ والخَبط.
اترك تعليق