الرّوايةُ بينَ الإيرادِ والاعتقاد !!.
قالَ الشيخُ محمّدُ بنُ علّي بنِ بابويه الصّدوق رضيَ اللهُ عنه (381هـ) في الفقيه : ولم أقصِد فيهِ قصدَ المُصنّفين ، في إيرادِ جميعِ ما رووهُ ، بل قصدتُ إلى إيرادِ ما أفتي به ، وأحكمُ بصحّتِه ، وأعتقدُ فيه أنّه حُجّةٌ فيما بيني وبينَ ربّي تقدّسَ ذكرُه([1]). اهـ.
وقالَ ابنُ إدريسَ الحلّي (598هـ) مُعتذراً لِما يوردُه الطوسيُّ منَ الأخبارِ ولا يُحتجُّ به : إنّه رضيَ اللهُ عنه أوردَه إيراداً ، لا اعتقاداً بصحّتِه ، والفتوى والعملِ به ، فهذا وجهُ الاعتذارِ له([2]).
قلتُ : وهذا في الجُملةِ ، صريحٌ أنّ جُلّ الأحاديثِ الواردةِ في كتبِ المُصنّفينَ أهلِ الحديث ، شيعةً وسنّةً ، على قِسمين ..؛ فقد يروي المُصنّفُ ما لا يعتقدُ حُجّتَه وصدورَه، وقد يروي ما يعتقدُ حُجّيّتَه وصدورَه ..
هذا ما تعاطاهُ علماءُ الحديثِ والنقد ، بل أساطينُ الفقهِ والعقيدة ، منَ السنّةِ والشيعة ، فيما أخرجوهُ وأوردوهُ منَ الأحاديث..؛ فهيَ على قِسمين، كالآتي:
القسمُ الأوّل : الإيرادُ الاعتقاديّ.
وهوَ : إخراجُ الرّواية ، معَ الاعتقادِ بصحّةِ صدورِها عن المعصومِ عليهِ السلام ، سنداً ودلالةً .
كما في جلِّ أبوابِ كتابِ الكافي والفقيهِ والتهذيبَين عندَنا ، وكما في صَحيحي البُخاريّ ومُسلِم وسُننِ الترمذي عندَ أهلِ السنّة ؛ فإنَّ جلّ أبوابِ مُصنّفاتِهم فتاوى ، وأغلبُ الأخبارِ التي أخرجوها تحتَ تلكَ الأبوابِ حُجّةٌ عندَهم ، إلاّ إذا ذكروا قرينةً على أنّه لمُجرّدِ الإيراد ، لا الاعتقادِ بالصحّةِ كما سنُبيّنُ بالأمثلة .
القسمُ الثاني: الإيرادُ غيرُ الاعتقادي.
وهوَ إخراجُ الرّوايةِ مِن دونِ الاعتقادِ بصدورِها عن المعصومِ عليهِ السلام ، ولا حُجّيّتِها ، وإنّما أخرجَت لغرضٍ آخرَ أو أغراضٍ أخرى ... .
فإنَّ الإيرادَ ، مِن دونِ اعتقادٍ بصحّةِ الصّدورِ والحُجيّةِٓ ، له عدّةُ أغراض :
الغرضُ الأوّلُ : بيانُ كونِ الخبرِ شاذّاً.
أخرجَ الشيخُ الطوسيُّ بإسنادِه ، عن حُذيفةَ بنِ منصور ، عن الصّادقِ عليهِ السلام قال: (ما نقصَ شهرُ رمضان ، ولا ينقصُ أبداً مِن ثلاثينَ يوماً وثلاثين ليلة).
قالَ الشيخُ الطوسيُّ مُعلّقاً: وهذا الخبرُ لا يصحُّ العملُ به مِن وجوه، أحدُها: إنّ متنَ هذا الحديثِ لا يوجدُ في شيءٌ منَ الأصولِ المُصنّفة ، وإنّما هوَ موجودٌ في الشواذِّ منَ الأخبار([3]).
قالَ الشيخُ محمّدُ بنُ النّعمانِ المُفيد رضيَ اللهُ عنه (413هـ) : وأمّا ما تعلّقَ به أصحابُ العدد ، في أنّ شهرَ رمضان لا يكونُ أقلَّ مِن ثلاثينَ يوماً ، فهيَ أحاديثُ شاذّةٌ ، قد طعنَ نقّادُ الآثارِ منَ الشيعةِ في سندِها ، وهيَ مُثبتةٌ في كتبِ الصّيام ، في أبوابِ النوادر ، والنوادرُ هيَ التي لا عملَ عليها ([4]).اهـ.
وقالَ السيّدُ المُرتضى رضيَ اللهُ عنه في الرّسائل : هذا الخبرُ فغيرُ واردٍ موردَ الحُجّة ؛ لأنّه خبرٌ غيرُ مقطوعٍ عليهِ ولا معلوم ، وقد بيّنّا أنَّ أخبارَ الآحادِ لا يجبُ العملُ بها في الشريعةِ ، ومَن اعتمدَ عليها ، وهيَ على هذهِ الصفةِ ، فقد عوّلَ على سرابِ بقيعة . ولا يجبُ علينا أن نتأوّلَ خبراً ، لا نقطعُ به ، ولا نعلمُ صحّتَه .
قلتُ: يُفهمُ مِن هذا أنّ غرضَ المُصنّفينَ في بابِ النوادر ، هوَ بيانُ أنّ فيما أوردوهُ منَ الأخبارِ شذوذٌ أو غرابة؛ فتأمَّل جيّداً .
الغرضُ الثاني : لبيانِ ضعفِ الإسناد .
عقدَ الترمذيُّ باباً في جامعهِ قالَ: بابُ تركِ الوضوء منَ القبلة.
ثمَّ أخرجَ بإسنادِه المُتّصِل ، عن عروةَ، عن عائشة، أنّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قبّلَ بعضَ نسائِه، ثمّ خرجَ إلى الصلاةِ ولم يتوضّأ.
قالَ الترمذيُّ مُعلّقاً : وإنّما تركَ أصحابُنا (جمهورَ أهلِ الحديث ، أو جمهورَ الشافعيّة) حديثَ عائشة، عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم في هذا ؛ لأنّهُ لا يصحُّ عندَهم لحالِ الإسناد...، وقد رويَ عن إبراهيمَ التيميّ، عن عائشة، أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم قبّلَها ولم يتوضّأ.وهذا لا يصحُّ أيضاً، ولا نعرفُ لإبراهيمَ التيميّ سماعاً مِن عائشة، وليسَ يصحُّ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم في هذا البابِ شيء([5]).اهـ.
قلتُ: وهوَ صريحٌ أنّ الترمذيَّ أوردَ روايةَ عائشةَ إيراداً ، لا اعتقاداً واحتجاجاً ، وغرضُه مِن ذلك ، بيانُ أمرين:
الأمرِ الأوّل: بيانُ عدمِ صحّةِ صدورِ حديثِ عائشة ، عندَه وعندَ أصحابِه؛ لضعفِ إسنادِه.
والثاني: بيانُ احتجاجِ غيرِه بها ، وهُم أهلُ الكوفة .
الغرضُ الثالثُ : التقيّة
وهذا يلتئمُ ، مع الاعتقادِ بصحّةِ الصّدورِ إسناداً ، لا مضموناً.
فمِن ذلكَ قولُ الشيخِ الطوسي (406هـ) في الاستبصارِ : فأمّا ما رواهُ الحُسينُ بنُ سعيد ، عن ابنِ أبي عُمير عن جميل ، قالَ : سألتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام عن قولِ الناسِ في الصّلاةِ جماعةً ، حينَ يقرأ فاتحةَ الكتاب، آمين؟!!.
قالَ عليهِ السلام : ما أحسنها وأخفضْ بها الصّوت .
فأوّلُ ما في هذا الخبر أنّ راويهِ جميلٌ ، وقد روى ضدَّ ذلكَ مِن قولِه : (ولا تقُل آمين بل قُل الحمدُ للهِ ربِّ العالمين) ، وإذا كانَ قد روى ما ينقضُ هذهِ الرّوايةَ ، ويوافقُ روايةَ غيرِه ، فيجبُ العملُ عليهِ دونَ غيرِه ، ولو سلّمَ لجازَ أن نحملَهُ على ضربٍ منَ التقيّة؛ لإجماعِ الطائفةِ المُحقّةِ على تركِ العملِ به([6]).اهـ.
قلتُ: الأخبارُ مِن هذا الصّنفِ ، التي أوردَها أصحابُنا في كتبِ الحديثِ والفقهِ الاستدلاليّ كثيرةٌ .
الغرضُ الرابعُ : التوريةُ للتعريفِ بالحكمة .
وهذا أيضاً يلتئمُ ، معَ الاعتقادِ بالصّدورِ إسناداً ، لا مضموناً ..؛ لغرضِ التقيّةِ والتورية.
مثالهُ ، ما أخرجَهُ الكُلينيّ رضيَ اللهُ عنه ، عن زُرارةَ ، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام –بإسنادٍ حسن- في تزويجِ أمِّ كلثوم؟!.
فقالَ عليهِ السلام: (إنّ ذلكَ فرْجٌ غُصبناه) ([7]).
قالَ المجلسيُّ الثاني ، محمّد باقر رضيَ اللهُ عنه : فالمعنى غُصبناهُ ظاهراً ، وبزعمِ النّاس([8]).اهـ.
قلتُ: وهوَ مبنيٌّ على التسليمِ بصحّةِ الصّدورِ عن المعصوم ؛ لكنّه صدرَ للتقيّةِ والتورية .
ولهُ أمثلةٌ في القرآنِ كثيرةٌ ، مِنها :
قولهُ تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأَى كَوكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ...) فهوَ ظاهرٌ في التوريةِ .
وكذا قولهُ تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِم جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُم لَسَارِقُونَ) فالمقصودُ أنّهم سَرقوا يوسفَ مِن قبل ، لا أنّهم سرقوا السّقايةَ أو الصّواع .
ومِن ذلكَ قولُ الزهراءِ صلواتُ اللهِ عليها في عتابِ أميرِ المؤمنين : (يا ابنَ أبي طالبٍ عليكَ السلام : اشتملتَ شملةَ الجنين، وقعدتَ حجرةَ الظنين...)
فهذا لو اعتقَدنا بصحّةِ صدورِه ، فإنّنا لا نسلّمُ بمضمونِه ببساطة ، لقوّةِ احتمالِ ورودِه موردَ التورية ؛ لغرضِ التعريفِ بالحِكمة مِن سكونِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ صلواتُ اللهِ عليه، والقرينةُ التامّةُ على ذلكَ الامتناع القطعيّ ؛ فالشكُّ في حكمةِ وعصمةِ أميرِ المؤمنين ، مُخرجٌ منَ الولاية ..، وهذا يمتنعُ عادةً صدورُه عن بُسطاءِ الشيعةِ والموالينَ ، فكيفَ بسيّدةِ نساءِ العالمين؟!!!.
على أنّ في ذيلِ الرّوايةِ ، قرينةٌ داخليّةٌ على ذلكَ ، وهوَ تسليمُ سيّدةِ نساءِ العالمين المُطلق ، لِما أجابَها به أميرُ المؤمنين صلواتُ اللهِ عليهما .
ومِن ذلك : قولهُ تعالى : (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا الْمِحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزقًا قَالَ يَا مَريَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالت هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ) فزكريّا صلواتُ اللهِ عليهِ عالمٌ أنّه مِن عندِ الله تعالى ، وأنّها مُطهّرةٌ مُصطفاة ، وإنّما كانَ غرضُه مِن مجموعِ السّؤالِ والجواب ، التعريفُ بفضلِ مريمَ وقُدسيّتها صلواتُ اللهِ عليها .
الغرضُ الخامس : لبيانِ حُكمٍ شرعيٍّ آخر .
فقد يوردُ المُحدّثُ روايةً، ربّما لا يعتقدُ بصدورِها ، لا إسناداً ولا متناً ، وإنّما لبيانِ حُكمٍ آخرَ مترتّبٍ عليها مِن حيثُ الكُبرى ، ولا يضرُّ كونُ الموردِ كاذباً أو مُحتملَ الكذب ؛ إذ الموردُ لا يُخصّصُ الواردَ ؛ ضرورةُ أنَّ الأحكامَ الكليّةً مأخوذةٌ على نحوِ القضيّةِ الحقيقيّةِ ، غيرُ ناظرةٍ لموردٍ مُعيّن .
ومِن ذلكَ ترتيبُ حُكمٍ شرعيّ كبرويّ ، موجزُه ، واللفظُ للحرِّ في الوسائلِ : (بابُ جوازِ مُناكحةِ الناصبِ عندَ الضرورةِ والتقيّة) ([9]) فإنّ الحديثَ أعلاهُ (=فرْجٌ غُصبناه) سردَهُ الحرُّ العامليّ رضيَ اللهُ عنه تحتَ هذا البابِ ؛ لبيانِ أنّ زواجَ المُضطرِّ جائزٌ ، بداهةَ أنّ الضّروراتِ تبيحُ المحظورات ، وهذا الحكمُ الكلّيُّ ثابتٌ ، سواءٌ ثبتَ زواجُ عُمرَ بأمِّ كلثوم ، أم لم يثبُت .
وذكرَ الخاجوئيّ ، محمّد إسماعيل رضيَ اللهُ عنه (1173هـ) في الرسائلِ الفقهيّةِ نحوَه ، وزادَ قائلاً : وممّا قرّرناهُ يظهرُ جوابُ الشبهةِ عن تزويجِ فاطمةَ (بنتِ الحُسين) بعبدِ الله (بنِ عمرو بنِ عثمان) على تقديرِ صحّةِ النقل ، وهوَ أنّها كانَت فيما فعلتهُ مُضطرّةً...، الظاهرُ أنّه مِن مُفترياتِ بني أميّة ، وعلى تقديرِ الصحّةِ والوقوع ، فالعُذر ما قدّمناه ([10]).اهـ.
الغرضُ الخامِس : للإلزام .
قالَ الشيخُ الطوسيّ في الخِلاف : الخلافُ : مسألة 541 : إذا اجتمعَت جنازةُ رجلٍ وصبيٍّ وخُنثيّ وامرأةٍ ، وكانَ الصبيُّ ممّن يُصلّى عليه ، قُدّمَت المرأةُ إلى القبلةِ ، ثمّ الخُنثى ، ثمّ الصّبي ... ، إلى أن قال : دليلُنا إجماعُ الفرقةِ وأخبارُهم .
وروى عمّارُ بنُ ياسر (الصحيحُ عمّارُ بنُ أبي عمّار) قالَ : أُخرجَت جنازةُ أُمِّ كلثوم بنتِ عليٍّ عليهِ السلام، وابنِها زيدِ بنِ عُمر ، وفي الجنازةِ الحسنُ والحُسين عليهما السلام وعبـدُ اللهِ بنُ عُمر وعبـدُ اللهِ بنُ عبّاس وأبو هُريرة ، فوضعوا جنازةَ الغلامِ ممّا يلي الإمامَ ، والمرأةُ وراءَهُ ، وقالوا : هذا هوَ السُـنّة. انتهى كلامُ الطوسيّ في الخلاف .
أقولُ: وهوَ ظاهرٌ في الإيرادِ والإلزام؛ إذ الرّوايةُ مِن طريقِ عمّار ، تفرّدَ بروايتِها أهلُ السنّةِ .
ثمرةُ البحث :
أوّلاً : ليسَت كلُّ الأخبارِ التي أوردَها القُدماءُ والمُتأخّرونَ في كتبِهم ، يعتقدونَ بصحّةِ صدورِها ، فقد يوردونَ ما لا يعتقدونَ صحّةَ صدورِه ، سنداً ، أو دلالةً ، أو كلاهما ، وإنّما أوردوها لأغراضٍ أخرى ؛ كبيانِ الشذوذِ ، أو التقيّةِ ، أو ضعفِ الإسنادِ أو غيرِ ذلك .
ثانياً : قد تكونُ بعضُ الأخبارِ التي يوردونها في مُصنّفاتِهم ، صحيحةَ الصّدورِ ، لكنّها ليسَت بحُجّةٍ ؛ لاحتمالِ أنّها وردَت موردَ التوريةِ أو التقيّةِ .
ثالثاً : أخبارٌ ليسَت بالقليلةِ ، مُردّدةٌ بينَ القسمين ، إيراداً أو اعتقاداً ، وترجيحُ أحدِهما على الآخرِ ، لا يكونُ إلّا بقرينةٍ .
رابعاً : يترتّبُ على ذلكَ ، إمكانيّةُ ردِّ كثيرٍ منَ الأخبار ، حتى لو كانَت صحيحةَ الإسنادِ ، بلا مؤونةٍ ؛ إذ قد بانَ أنّه لا مُلازمةَ بينَ الاعتقادِ بصحّةِ الصّدورِ ، وبينَ عدمِ حُجّيّةِ المضمون .
خامِساً: كتابُ نهايةِ الشيخِ الطوسي !!
قالَ الشيخ ابنُ إدريس في السّرائرِ ما نصُّه : قالَ مُحمّدُ بنُ إدريس رحمَه اللهُ مُصنّفُ هذا الكتاب : والروايةُ أوردَها شيخُنا أبو جعفرٍ في نهايتِه ، وقد اعتذَرنا له فيما يوردهُ في هذا الكتاب ، أعني النهايةَ ، في عدّةِ مواضع ، وقُلنا : إنّه يوردُه إيراداً ، مِن طريقِ الخبر ، لا اعتقاداً مِن جهةِ الفُتيا والنّظر ؛ لأنّ الإجماعَ حاصلٌ مُنعقدٌ مِن أصحابِنا ...، أنّه لا يجوزُ إقامةُ الحدود ، ولا المُخاطبُ بها إلّا الأئمّةُ ، والحُكّامُ القائمونَ بإذنِهم في ذلك ، فأمّا غيرُهم ، فلا يجوزُ له التعرّضُ بها على حال ، ولا يرجعُ عَن هذا الإجماع ، بأخبارِ الآحاد ، بل بإجماعٍ مثلِه ، أو كتابِ اللهِ تعالى ، أو سنّةٍ متواترةٍ مقطوعٍ بها ([11]).
موجزُ ما يريدُ بيانهُ الشيخ ابنُ إدريس رضيَ اللهُ عنه ، أنُّ ما قد نجدُه مِن تنافٍ وتناقضٍ في فتاوى الشيخِ الطوسيّ في كتابِ النهايةِ مِن جهة ، وكتبِه الأخرى مِنَ الجهةِ الأخرى ، مردّهُ إلى أنّ بعضَ فتاواه في كتابِ النهايةِ ما هيَ إلّا نصوصٌ عن المعصومينَ في قالبِ فتوى ، مِن دونِ الاعتقادِ بصحّةِ صدورِها سنداً أو دلالةً أو مجموعَهما ، ونتيجةُ ذلكَ لا تناف .
اترك تعليق