52

مَن هوَ أوّلُ مَن كتبَ القرآنَ الكريم؟

الجواب :

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،

إنَّ منَ المسائلِ المُهمّةِ التي تمَّ مُناقشتُها والبحثُ فيها كثيراً هيَ مسألةُ كيفيّةِ جمعِ القرآنِ الكريم وأوّل مَن جمعَه وكتبَه، وقد كتبَ في هذهِ المسألةِ كثيرٌ مِن أهلِ العلم قديماً وحديثاً، ونحنُ اختَرنا ما كتبَه أحدُ عُلمائِنا وهوَ الشيخُ مُحمّد هادي معرفة مِن مقالٍ يُبيّنُ حقيقةَ هذهِ المسألة ويكشفُ خفاياها ويُعَدُّ جواباً في هذا المقام. 

إذ يقولُ الشيخُ في كتابِه (التّمهيدُ في علومِ القرآن)، (ج1/ ص292 وما بعدَها): أوّلُ مَن تصدّى لجمعِ القرآنِ بعدَ وفاةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه مُباشرةً ، وبوصيّةٍ مِنه هوَ عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام. [ينظر: تفسيرُ القُمّيّ ، ج 2 ، ص 451 ؛ وبحارُ الأنوار ، ج 92 ، ص 48 ]، إذ قعدَ في بيتِه مُشتغِلاً بجمعِ القرآنِ وترتيبِه على ما نزلَ ، معَ شروحٍ وتفاسير لمواضعَ مُبهمةٍ منَ الآيات ، وبيانِ أسبابِ النزولِ ومواقعِ النزولِ بتفصيلٍ حتّى أكملَه على هذا النمطِ البديع .

قالَ ابنُ النديم - بسندٍ يذكرُه : إنَّ عليّاً عليهِ السلام رأى منَ الناسِ طيرةً عندَ وفاةِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله فأقسمَ أن لا يضعَ رداءَه حتّى يجمعَ القُرآن . فجلسَ في بيتِه ثلاثةَ أيّام؟ حتّى جمعَ القرآن .

فعلّقَ الشيخُ معرفة على العبارةِ (ثلاثةَ أيّام)، قائِلاً: ولعلّهُ سهوٌ منَ الراوي ، لأنَّ الصحيحَ أنّه عليهِ السلام أكملَ جمعَ القرآنِ لمُدّةِ ستّةِ أشهر، كانَ لا يرتدي خلالَها إِلّا للصّلاةِ كما في المناقب ، ج 2 ، ص 40 .

فهوَ أوّلُ مصحفٍ جُمعَ فيه القرآنُ مِن قلبِه كما في المناقِب ج2/ص40 عن ابنِ عبّاس، وكانَ هذا المصحفُ عندَ آلِ ‌جعفر. 

قالَ ابنُ النديم: ورأيتُ أنا في زمانِنا عندَ أبي يعلى حمزةَ الحَسني رحمَه ‌اللهُ مِصحفاً قد سقطَ منهُ أوراقٌ بخطِّ عليٍّ بنِ أبي طالب ، يتوارثُه بنو حسن. [ينظر: الفهرستُ لابنِ النديم، ص 47 – 48].  

وهكذا روى أحمدُ بنُ فارس في كتابِه « الصاحبي » ص 200 عن السدّي عن عبدِ خير عن عليٍّ عليهِ السلام .

وروى مُحمّدٌ بنُ‌ سيرين عن عكرمةَ ، قالَ : لمّا كانَ بدءُ خلافةِ أبي بكرٍ قعدَ عليٌّ بنُ أبي طالب في بيتِه يجمعُ القرآنَ . قالَ : قلتُ لعِكرمة : هل كانَ تأليفُ غيرِه كما أنزلَ الأوّلَ فالأوّل ؟ قالَ : لو اجتمعَت الإنسُ والجنُّ على أنّ يألّفوهُ هذا التأليفَ ما استطاعوه.

قالَ ابنُ سيرين : فطلبتُ ذلكَ الكتابَ وكتبتُ فيهِ إلى المدينةِ فلم أقدِر عليهِ . [ينظر: الإتقانُ ، ج 1 ، ص 166].

قالَ ابنُ‌ جزي الكلبي : كانَ القرآنُ على عهدِ رسولِ ‌اللّه صلّى اللهُ عليهِ وآله مُفرّقاً في الصّحفِ وفي صدورِ الرجالِ فلمّا توفّيَ ، جمعَه عليٌّ بنُ أبي طالبِ على ترتيبِ نزولِه . ولو وجدَ مصحفَه لكانَ فيه علمٌ كبيرٌ ولكنّه لم يُوجَد . [التسهيلُ لعلومِ التنزيل ، ج 1 ، ص 4].

قالَ الإمامُ الباقر عليهِ السلام : ما مِن أحدٍ منَ الناسِ يقولُ أنّه جمعَ القرآنَ كلّه كما أنزلَ اللّهُ إِلّا كذب . وما جمعَه وما حفظَه كما أنزلَ اللّه إِلّا عليٌّ بنُ أبي طالب . [بحارُ الأنوار ، ج 92 ، ص 88 ، ح 27 ].

قالَ الشيخُ المُفيد - في المسائلِ السرويّة ، ص 74 : وقد جمعَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السلام القرآنَ المُنزلَ مِن أوّلِه إلى آخرِه ، وألّفَه بحسبِ ما وجبَ تأليفُه ، فقدّمَ المكيَّ على المدنيّ والمنسوخَ على الناسخِ ، ووضعَ كلَّ شيءٍ منهُ في حقِّه .

وقالَ العلّامةُ البلاغي : منَ المعلومِ عندَ الشيعةِ أنّ عليّاً أميرَ المؤمنين بعدَ وفاةِ رسولِ ‌اللّه صلّى اللهُ عليهِ وآله لم يرتدِ برداءٍ إِلّا للصّلاة حتّى جمعَ القُرآنَ على ترتيبِ نزولِه وتقديمِ منسوخِه على ناسخِه . وأخرجَ ابنُ سعدٍ وابنُ عبدِ البّر في الاستيعابِ عن مُحمّدٍ بنِ ‌سيرين ، قالَ : نُبّئتُ أنَّ عليّاً أبطأ عن بيعةِ أبي بكر ، فقالَ : أكرهتَ إمارتي ؟ فقالَ : آليتُ بيميني أن لا أرتدي برداءٍ إِلّا للصّلاةِ حتّى أجمعَ القرآن . قالَ : فزعموا أنّه كتبَه على تنزيلِه . قالَ مُحمّدٌ : فلو أصبتَ ذلكَ الكتابَ كانَ فيهِ علمٌ . [ينظرُ: آلاءُ الرّحمان ، ج 1 ، ص 18 بالهامش].

قالَ ابنُ‌ حجر : وقد وردَ أنَّ عليّاً جمعَ القرآنَ على ترتيبِ النزولِ عقبَ موتِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أخرجَه ابنُ أبي داود . [الإتقانُ ، ج 1 ، ص 202].

قالَ ابنُ شهرِ آشوب : ومِن عجبِ أمرِه في هذا البابِ أنّهُ لا شيءَ منَ العلومِ إِلّا وأهلهُ يجعلونَ عليّاً قدوةً ، فصارَ قولهُ قبلةً في الشريعةِ . فمِنهُ سمعَ القرآن . ذكرَ الشيرازيُّ في نزولِ القرآنِ عن ابنِ عبّاس قالَ : ضمِنَ اللّهُ مُحمّداً أن يجمعَ القرآنَ بعدَه عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام قالَ : فجمعَ اللّهُ القرآنَ في قلبِ عليٍّ ، وجمعَه عليٌّ بعدَ موتِ رسولِ‌ اللّهِ بستّةِ أشهر . . .

قالَ : وفي أخبارِ أبي رافع : أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ في مرضِه الذي توفّيَ فيه - لعليٍّ - : يا عليُّ هذا كتابُ اللّهِ خُذهُ إليكَ ، فجمعَه عليٌّ في ثوبٍ ومضى إلى منزلِه ، فلمّا قبضَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله جلسَ عليٌّ فألّفَه كما أنزلَ اللّه ، وكانَ به عالماً .

قالَ : وحدّثني أبو العلاءِ العطّار ، والموفّقُ خطيبُ خوارزم في كتابيهما بالإسنادِ عن عليٍّ بنِ رباح : أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أمرَ عليّاً بتأليفِ القرآنِ فألّفَه وكتبَه .

وروى أبو نعيمٍ في الحِليةِ والخطيبُ في الأربعينَ بالإسنادِ عن السدّي ، عن عبدِ خير، عن عليٍّ عليهِ السلام : قالَ : لمّا قُبضَ رسولُ اللّه صلّى اللهُ عليهِ وآله أقسمتُ أن لا أضعَ رِدائي على ظهري حتّى أجمعَ ما بينَ اللوحين ، فما وضعتُ ردائي حتّى جمعتُ القرآن .

قالَ : وفي أخبارِ أهلِ البيتِ عليهم‌ السلام : أنّه عليهِ السلام آلى على نفسِه أن لا يضعَ رداءَه على عاتقِه إِلّا للصلاةِ حتّى يُؤلّفَ القرآنَ ويجمعَه ، فانقطعَ عَنهم مُدّةً إلى أن جمعَه ، ثمَّ خرجَ إليهم بهِ في إزارٍ يحملهُ وهُم مجتمعونَ في المسجدِ ، فأنكروا مصيرَه بعدَ انقطاعٍ معَ الألبَة . فقالوا : لأمر ما جاءَ أبو الحسن ، فلمّا توسّطَهم وضعَ الكتابَ بينَهم ، ثمَّ قالَ : إنَّ رسولَ ‌اللّهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ : إنّي مُخلّفٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ، كتابَ اللّهِ وعترتي أهلَ بيتي . وهذا الكتابُ ، وأنا العترةُ . فقامَ إليهِ الثاني وقالَ له : إن يكُن عندكَ قرآنٌ فعندَنا مثله ، فلا حاجةَ لنا فيكُما .

فحملَ عليهِ السلام الكتابَ وعادَ به بعدَ أن ألزمَهم الحُجّة .

وفي خبرٍ طويلٍ عن الإمامِ الصّادقِ عليهِ السلام : أنّه حملَه وولّى راجعاً نحوَ حُجرتِه، وهوَ يقول : « فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئسَ ما يَشتَرُونَ ». [راجع : المناقبَ ، ج 2 ، ص 40 - 41 ؛ وبحارَ الأنوار ، ج 92 ، ص 51 - 52]. انتهى ما وردَ في كتابِ التمهيد، وهوَ الرأيُ الصحيحُ الذي عليهِ جمهورُ عُلماءِ الإماميّةِ في مسألةِ أوّلِ مَن جمعَ القرآنَ العظيمَ وكتبَه. ودُمتُم سالِمين.