54

ما رأي حضراتكم في السيد محمد حسين الطباطبائي وكتابه الميزان ؟!

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

العلّامةُ السيّدُ مُحمّد حُسين الطباطبائي، منَ العُلماءِ الكبارِ الذينَ تركوا بصمةً واضحةً في الفكرِ والمعارفِ الشيعيّة، فمُضافاً لكونِه فقيهاً وأصوليّاً برزَ بشكلٍ كبيرٍ في مجالِ الفلسفةِ الإسلاميّةِ ومؤلّفاتُه في هذا الحقلِ أصبحَت مدارَ الدرسِ الحوزوي مثلَ كتابي بدايةِ الحكمةِ ونهايةِ الحِكمة، وقد اشتهرَ العلّامةُ الطباطبائيُّ بموسوعتِه التفسيريّة التي جاءَت تحتَ عنوانِ الميزانِ في تفسيرِ القُرآن، وقد ظلَّت هذهِ الموسوعةُ محلَّ اهتمامِ الباحثينَ والدارسينَ في علومِ القرآنِ وتفسيرِه.

وقد اعتبرَ الكثيرُ منَ الباحثين تفسيرَ الميزانِ نقلةً نوعيّةً في التفسيرِ الشيعيّ، حيثُ جاءَ هذا التفسيرُ بمنهجيّةٍ لم يكُن معمولاً بها كتفسيرٍ كاملٍ للقرآنِ الكريم، وهيَ منهجيّةُ تفسيرِ القرآنِ بالقرآن، معَ أنّه لم يُهمِل المباحثَ اللغويّةَ والحديثيّةَ والتاريخيّةَ إلّا أنَّ مدارَ تفسيرِه كانَ يقومُ على استنطاقِ آياتِ القرآنِ بعضِها ببعض، حيثُ يقولُ السيّدُ الطباطبائيّ في ذلك: (ثانيهما: أن نفُسّرَ القرآنَ بالقرآن ونستوضحَ معنى الآيةِ مِن نظيرتِها بالتدبّرِ المندوبِ إليه في القرآنِ نفسِه، ونُشخّصَ المصاديقَ ونتعرّفَها بالخواصِّ التي تُعطيها الآياتُ كما قالَ تعالى: ﴿وَنَزَّلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ تِبيَاناً لِكُلِّ شَيءٍ﴾ وحاشا أن يكونَ القُرآنُ تبياناً لكلِّ شيءٍ ولا يكونَ تبياناً لنفسِه…) 

 وقد أشكلَ بعضُ الباحثينَ على منهجيّةِ تفسيرِ القرآنِ بالقرآن واعتبروا ذلكَ تجاوزاً لمُهمّةِ الرسولِ والأئمّةِ مِن أهلِ بيته، حيثُ ردَّ بعضُهم على كلامِه السابق بالقول: (إنَّ هذا المنطقَ الذي تحدّثَ به صاحبُ الميزانِ يُخالفُ منطقَ القرآن، فيقولُ تعالى: ﴿وَمَا يَعلَم تَأويلَهُ إلاَّ اللهُ والرَّاسِخُون في العِلم﴾، فصاحبُ الكتابِ شخَّصَ لنا الجهةَ التي تعرفُ حقيقةَ القرآنَ وأنَّ غيرَهم لا يستطيعونَ تمييزَ هذهِ الحقائق، فالقرآنُ حدَّدَ جِهتين: الأولى: هيَ اللهُ جلَّ جلاله: ولا يستطيعُ أحدٌ أن يتّصلَ باللهِ كي يسألوهُ عن حقائقِ القرآن. الثانيةُ: الراسخونَ في العلم وهؤلاءِ لا هُم خلفاءُ السقيفةِ ولا رؤساءُ المذاهبِ الأربعةِ ولا هُم السيّدُ الطباطبائيّ (ر) ولا غيرُه، فالرّاسخونَ في العلم الذينَ يتحدّثُ عنهم القرآنُ هُم محمّدٌ وآلُ محمّد (عليهم السلام) ومَن كانَ غيرَ راسخٍ في العلم فكيفَ يُفسِّرُه؟!)

 وعلى العمومِ هناكَ نقاشٌ وجدلٌ بينَ المؤيّدينَ والمُعارضين لهذهِ المنهجيّةِ في تفسيرِ القرآن، ومُضافاً إلى ذلكَ هناكَ ملاحظاتٌ أخرى أبداها بعضُ العلماءِ حولَ الآراءِ الفلسفيّةِ التي ظهرَت بشكلٍ واضحٍ في مُجملِ تفسيرِ الميزان، والخلافُ في ذلكَ يعودُ إلى الموقفِ منَ الفلسفةِ بينَ الاتّجاهاتِ الشيعيّة، فمَن يرفضُ الفلسفةَ ويراها مُخالفةً لمنهجِ القرآن وأهلِ البيت (عليهم السلام) لابدَّ أن يتّخذَ موقفاً سلبيّاً مِن تفسيرِ الميزان، بينما مَن يرى ضرورةَ حضورِ الفلسفةِ في المباحثِ الإسلاميّة لابدَّ أن يتّخذَ موقفاً إيجابيّاً مِن تفسيرِ الميزانِ باعتبارِ أنَّ صاحبَه مُتخصّصٌ في هذا الفن.

 وعليهِ فإنَّ الموقفَ مِن تفسيرِ الميزانِ يختلفُ باختلافِ الخلفيّةِ المعرفيّة التي يقفُ عليها كلُّ باحثٍ، ومِن هُنا فإنَّ الإنصافَ يمنعُنا مِن إقحامِ وجهةِ نظرِنا الخاصّةِ في الإجابةِ على هذا السؤال، ولذلكَ نقولُ وبشكلٍ عام إنَّ تفسيرَ الميزانِ اشتملَ على مُميّزاتٍ كثيرةٍ كما يعدُّ جُهداً علميّاً تفتخرُ به المؤسّسةُ العلميّةُ الشيعيّة، وفي نفسِ الوقتِ لا وجودَ لجُهدٍ بشريٍّ كاملٍ فالمساحةُ الفكريّةِ والنقاشِ العِلمي الموضوعيّ يسعُ الجميع.