كم عددُ الكُتبِ السّماويّة؟

: السيد عبدالهادي العلوي

الجوابُ:

السّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

إنَّ أشهرَ الكُتبِ السّماويّةِ هيَ الزبورُ والتوراةُ والإنجيلُ والقرآنُ وهوَ أعظمُها وأجلّها، لكن دلّت الآياتُ القرآنيّةُ والأحاديثُ والآثارُ عندَ الفريقين ـ سنّةً وشيعة ـ على وجودِ كُتبٍ سماويّةٍ أخرى، يقولُ اللهُ تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبرَاهِيمَ وَمُوسَى} [سورةُ الأعلى: 18ـ19]، ويقولُ تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [سورةُ الشعراء: 196]، وقد ورثَ خاتمُ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) هذهِ الكُتبَ، ثمَّ ورثَها مِن بعدِه أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، ثمَّ الحسنُ ثمَّ الحُسين ثمَّ السجّادُ ثمّ ابنُه وهكذا إلى آخرِهم (عليهم السلام)، فهذهِ الكُتبُ مِن جُملةِ المواريثِ التي يرثُها الأئمّةُ (عليهم السلام) كابِراً عن كابر، وهيَ عندَ بقيّةِ اللهِ الأعظم الحُجّةِ ابنِ الحسنِ (عجّلَ اللهُ فرجَه).

والرّواياتُ الواردةُ في بيانِ عددِ الكُتبِ مُختلفةٌ، وعمدتُها حديثُ أبي ذرٍّ الغفاريّ عن النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهوَ أنَّ الكُتبَ المُنزلةَ على الأنبياءِ (عليهم السلام) هيَ مائةٌ وأربعةُ كُتب. وهذا الحديثُ رواهُ علماءُ الشيعةِ والسنّة، وقالَ العلّامةُ الطباطبائيّ في [تفسيرِ الميزان ج2 ص144] ـ بعدَ نقلِه مِن بعضِ مصادرنا ـ: « والروايةُ ـ وخاصّةً صدرُها المُتعرّضُ لعددِ الأنبياءِ والمُرسلين ـ منَ المَشهورات، روَتها الخاصّةُ والعامّةُ في كُتبِهم ».

روى الشيخُ الصّدوقُ في [الخصالِ ص524، ومعاني الأخبار ص333] بالإسنادِ عن أبي ذرٍّ الغفاريّ، عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، قال: « قلتُ: يا رسولَ الله، كم أنزلَ اللهُ مِن كتاب؟ قالَ: مائةُ كتابٍ وأربعةُ كُتب، أنزلَ اللهُ على شيثٍ خمسينَ صحيفةً، وعلى إدريسَ ثلاثينَ صحيفةً، وعلى إبراهيمَ عشرينَ صحيفةً، وأنزلَ التوراةَ والإنجيلَ والزّبورَ والفُرقان ». ورواهُ الشيخُ الطبرسيّ في [مجمعِ البيان ج10 ص332، وجوامعِ الجامع ج3 ص771].

وروى منَ المُخالفينَ ابنُ حبّان في [الصحيح ج2 ص77]، والطبريُّ في [التاريخ ج1 ص219]، وابنُ عساكرَ في [تاريخِ دِمشق ج23 ص274]، وغيرُهم بالإسنادِ عن أبي ذرٍّ، عن النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، قالَ: « قلتُ: يا رسولَ الله، كم كتاباً أنزلَهُ الله؟ قالَ: مائةَ كتابٍ وأربعةَ كُتب، أنزِلَ على شيثَ خمسونَ صحيفةً، وأنزلَ على أخنوخ ثلاثونَ صحيفةً، وأنزِلَ على إبراهيمَ عشرُ صحائف، وأنزلَ على موسى قبلَ التوراةِ عشرُ صحائف، وأنزِلَ التوراةُ والإنجيلُ والزّبورُ والقُرآن ».

وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ هذا الحديثَ وردَ في كتابِ [الاختصاصِ ص264] بالإسنادِ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: « قالَ أبو ذر: يا رسولَ الله، فكم أنزلَ اللهُ تعالى مِن كتاب؟ فقالَ: مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ كتاباً، أنزلَ على إدريسَ خمسينَ صحيفة ـ وهوَ أخنوخ، وهوَ أوّلُ مَن خطَّ بالقلم ـ، وأنزلَ على نوح عشرَ صحائف، وأنزلَ على إبراهيم عشراً، وأنزلَ التوراةَ على موسى والزّبورَ على داود والإنجيلَ على عيسى والقرآنَ على مُحمّد (صلّى اللهُ عليهِ وآله) »، والمُثبَتُ فيه (مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ كتاباً)، وهوَ مغايرٌ لسائرِ المصادرِ عندَ الفريقين التي نقلَتِ الحديث، فلا يمكنُ الاعتمادُ عليه.

ويشهدُ لحديثِ أبي ذرّ: الأثرُ المرويُّ عندَ الفريقين عن عبدِ الله بنِ عبّاس مِن أنّ الكتبَ المُنزلةَ على الأنبياءِ مائةٌ وأربعةُ كتب، فقد وردَ في كتابِ [الاختصاص ص264] عن ابنِ عبّاس أنّه قال: « والكتبُ التي أنزلَت على الأنبياءِ (عليهم السلام) مائةُ كتابٍ وأربعةُ كُتب، مِنها على آدمَ خمسونَ صحيفةً، وعلى إدريسَ ثلاثون، وعلى إبراهيمَ عشرون، وعلى موسى التوراة، وعلى داودَ الزّبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى محمّدٍ الفُرقان ».

ونقلَ ابنُ قُتيبة في [المعارف ص56] عن ابنِ عبّاس قالَ: « والكتبُ التي أنزلَت على الأنبياءِ مائةُ كتابٍ وأربعةُ كُتبٍ نزلَ على شيث خمسونَ صحيفةً، وعلى إدريسَ ثلاثونَ صحيفة، وعلى إبراهيمَ عشرونَ صحيفة، وعلى موسى التوراة، وعلى داودَ الزّبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى محمّدٍ الفُرقان».

نعم، نقلَت بعضُ المصادرِ حديثَ سلمان المُحمّديّ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، والعددُ الواردُ فيه مُغايرٌ لِما تقدّم، ففي [نوادرِ المُعجزات ص18]: « مائة كتابٍ وأربعة وعشرينَ كتاب »، وفي [المُحتضِر ص278، وإرشادِ القلوب ج2 ص416]: « ألفُ كتاب »، وهذا كما ترى ـ معَ اختلافِه ـ لا يقاومُ ما تقدّم.

هذا ما عثرنا عليهِ بهذا الخصوص، والأقوى بينَها ـ كما تقدّم ـ حديثُ أبي ذر، وهوَ حديثٌ معروفٌ مشهور بينَ عُلماءِ المُسلمين، مِن أنَّ الكُتبَ المُنزلةَ على الأنبياء (عليهم السلام) مائةٌ وأربعةُ كُتب، واللهُ العالِم.

نعم، توجدُ كتبٌ أخرى نزلَت غيرَ تلكَ المائةِ والأربعة، كالوصيّةِ الإلهيّةِ للمعصومين (عليهم السلام)، واللوحِ الفاطميّ المُتضمّنِ لأسماءِ الأئمّةِ (عليهم السلام)، وغيرِ ذلكَ مِمّا لا يسعُ المجالُ لذكرِه وتفصيلِ الكلامِ حوله.

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.