ما حقيقةُ أنَّ الأزهرَ كانَ يُدرّسُ المذهبَ الشيعيَّ
ما حقيقةُ أنَّ الأزهرَ كانَ يُدرّسُ المذهبَ الشيعيَّ عندَ تأسيسِه ثمَّ تحوّلَ إلى تدريسِ المذاهبِ الأربعةِ بفاعلٍ سياسي؟
الجوابُ:
يُعتبرُ الأزهرُ أحدَ أقدمِ وأبرزِ المعالمِ الإسلاميّةِ الفاطميّة في مدينةِ القاهرة، وقد بناهُ جوهرُ الصّقلي القائدُ الفاطمي ليكونَ مسجدَ الخليفةِ الفاطمي المُعزّ لدين الله، وقد اشتقَّ اسمُ المسجدِ منَ السيّدةِ فاطمةَ الزهراء عليها السلام تيمّناً وتبرّكاً بها، وقد استخدمَ المسجدُ لأوّلِ مرّةٍ في عام 972، أي بعدَ ثلاثِ سنواتٍ تقريباً مِن فتحِ الفاطميّينَ لمصر سنةَ 969، ولم يكُن الأزهرُ مُجرّدَ مسجدٍ لإقامةِ الصلاةِ وإنّما كانَ أيضاً مركزاً دينيّاً يعتمدُ عليهِ الفاطميّونَ في نشرِ المذهبِ الشيعيّ الإسماعيليّ، حيثُ عيّنَ المُعزُّ لدينِ الله الخليفة الفاطميّ النعمانَ بنَ محمّدٍ القاضي مسؤولاً عن تدريسِ المذهبِ الإسماعيليّ، فتحوّلَ بذلكَ إلى معهدٍ تُقامُ فيه مختلفُ الدروسِ الدينيّةِ للرّجالِ معَ دوراتٍ منفصلةٍ للنساء، كما جعلَ يعقوبَ بنَ كلس - الفقيهَ والوزيرَ الرّسمي الأوّلَ للفاطميّين - منَ الأزهرِ مركزاً رئيسيًاً لتعليمِ القانونِ الإسلاميّ في عام 988، وفي السنّةِ التالية، وظّفَ فيهِ 45 عالماً لإعطاءِ الدروس، ليتحوّلَ الأزهرُ إلى جامعةٍ رائدةٍ في العالمِ الإسلامي. ويُعتبَرُ الأزهرُ منذُ إنشائِه وإلى الآن كثاني أقدم جامعةٍ قائمةٍ بشكلٍ مستمرٍّ في العالمِ بعدَ جامعةِ القرويّين، حيثُ كانَ الأوّل في مصرَ الذي يحتضنُ دروساً بتكليفٍ منَ الدولةِ ويؤجرُ عليها العلماء والمُدرّسين.
وقَد استمرَّ الأزهرُ كمركزٍ دينيّ للشيعةِ الإسماعيليّة إلى حينِ سقوطِ دولتِهم على يدِ صلاحِ الدينِ الأيّوبي سنةَ 1171، وبذلكَ أهمِلَ المسجدُ خلالَ حكمِ السلالةِ الأيّوبيّةِ لمصر بسببِ عِدائهم للمذهبِ الشيعيّ، حيثُ قامَ القاضي صدرُ الدين بنُ درباس المعيّنُ مِن صلاحِ الدينِ بحظرِ الصلاةِ فيه، وبذلكَ أفلَ نجمُ الأزهرِ كمركزٍ للتعليمِ الديني وسحبَ التمويلَ المالي عن الطلّابِ والمُعلمين، ممّا اضطرَّ الأساتذةَ الذينَ ذاعَ صيتُهم في عهدِ الفاطميّين إلى البحثِ عن وسائلَ أخرى لكسبِ عيشِهم، كما تعرّضَت مكتبةُ المسجدِ الضخمةِ للإهمال، ودمّرَت مخطوطاتُ التعاليمِ الفاطميّةِ التي كانَت تُدرَّسُ في الأزهر، وعلى الجانبِ الآخرِ شجّعَ الأيّوبيّونَ تدريسَ الفقهِ السنّيّ في المدارسِ التي بُنيَت في جميعِ أنحاءِ القاهرة، وأنشئَت المؤسّساتُ التعليميّةِ مِن قبلِ الحُكّامِ السنيّينَ كوسيلةٍ لمُكافحةِ ما يعتبرونَه هرطقةً، وقد بُنيَت 26 مدرسةً سنّيّةً في مصر فقَط خلالَ عهدِ صلاحِ الدين والحكّامِ الأيوبيّينَ الذينَ أتوا مِن بعده، مِنها المدرسةُ الصالحيّة، وهكذا انتهى ذِكرُ المذهبِ الشيعي بفعلِ الوضعِ السّياسيّ الجديد.
"
اترك تعليق