الامام المهدي (عج) بين غيبة الهوية والشخص ... وطول عمره المبارك.

تقولون أن غيبت الإمام المهدي فكيف لإنسان أن يكون في الغيب ؟ هل واحد من الرسل دخل في الغيب ؟ كيف تفسرون هذه الغيبة؟ الحي الغائب هل هو حي فعلا ؟

: السيد عبدالهادي العلوي

1873ـ تقولونَ غيبةَ الإمامِ المهدي، فكيفَ لإنسانٍ أن يكونَ في الغيب؟ هل واحدٌ منَ الرّسلِ دخلَ في الغيب؟ كيفَ تُفسّرونَ هذه الغيبة؟ الحيُّ الغائبُ هل هوَ حيُّ فعلاً؟

الجوابُ: 

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه،

أمّا بالنسبةِ للسؤالِ الأوّلِ ـ وهوَ تفسيرُ الغيبةِ ـ فنقول: 

إنَّ اختفاءَ الشيءِ وغيبتَه عن الحسِّ على أنواع: 

الأوّلُ: غيبةُ ذاتِ الشيء بأن لا يكونَ في مجالِ الرؤيةِ وحدودِ الإدراك، وذلكَ إمّا لوجودِه في نفسِ العالَم، أو لوجودِه في عالمٍ آخر. 

ومثلُ هذا النوع ـ بصِنفيه ـ ممكنٌ عقلاً ومُتحقّقٌ خارجاً؛ إذ لا شكَّ في وجودِ بعضِ الناسِ الذينَ يعيشونَ في مناطقَ غيرِ مأهولةٍ ولا مسكونة، بحيثُ أنّهم منعزلونَ تماماً عن العالمِ الخارجيّ، كما لا شكَّ في وجودِ أحياءٍ في مكانٍ غيرِ هذا العالمِ المادّيّ، ومنَ الشواهدِ على الصّنفِ الأوّلِ: اختفاءُ النبيّ يونس (عليهِ السلام) في بطنِ الحوتِ مدّةً منَ الزمن، ومنَ الشواهدِ على الصنفِ الثاني: اختفاءُ النبيّ عيسى (عليهِ السلام) برفعِه إلى السماء؛ فإنّه غيرُ مرئيّ لكونِه متواجِداً في عالمٍ غيرِ هذا العالمِ الحسّيّ المادّيّ.  

الثاني: غيبةُ ذاتِ الشيءِ بأن يكونَ موجوداً في مجالِ الرؤية، لكنّه غيرُ مرئيّ ولا مُدرَكٍ، أي أنّه يتواجدُ بشخصِه وذاتِه في مجالِ الرؤيةِ والإدراك ولكن لا يُرى جسمُه ولا يُدرَك ُشخصُه. 

ومثلُ هذا الاختفاءِ ممكنٌ عقلاً، بل واقعٌ خارجاً أيضاً، وأوضحُ شاهدٍ على ذلك: اختفاءُ خاتمِ الأنبياء (صلّى اللهُ عليهِ وآله) عندَ هجرتِه مِن مكّةَ إلى المدينة؛ إذ إنّهُ مرَّ مِن أمامِ المُشركين ولم يُبصروا به، والعلمُ الحديثُ يرى إمكانيّتَه بل تحقّقَه أيضاً، كما في الطائراتِ التي لا يكتشفُها الرادار. 

الثالثُ: اختفاءُ العنوانِ واستتارُ الهويّة، بأن يكونَ ذاتُ الشيءِ ظاهراً وفي مجالِ الرؤيةِ والإدراك، لكن لا تُعلَمُ هويّتهُ الحقيقيّةُ وعنوانُه الواقعيّ. 

ومثلُ هذا الاختفاءِ واقعٌ يعيشُه البشر، بل حتّى الحيواناتُ تستعملُ أساليبَ التخفّي والتمويهِ بتغييرِ اللونِ والصورةِ والشكلِ ونحو ذلك، والبشرُ كذلكَ يستخدمونَ أساليبَ التخفّي المناسبةِ كتغييرِ الاسمِ والسكنِ واللبسِ والصورةِ وغيرِ ذلك. ومنَ الشواهدِ الواضحة على هذا النوعِ هوَ ما وقعَ بينَ النبيّ موسى (عليهِ السلام) وفرعون (لعنَه الله)، فإنَّ النبيَّ كانَ حاضِراً بشخصِ فرعون ويعيشُ معه بقصرِه لكنّه لا يعلمُ أنّه النبيُّ المبعوثُ لتقويضِ مملكتِه. وهكذا النبيُّ يوسف (عليهِ السلام) عندَما كانَ عزيزَ مصر ودخلَ عليهِ إخوتُه فلم يعرفوه وجرى بينَهم ما جرى ممّا هوَ معروف. 

إذا عرفتَ أنواعَ الاختفاءِ والغيبة، يقعُ الكلامُ في أنَّ غيبةَ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجه) مِن أيّ نوعٍ مِن هذه الأنواع؟ هل غيبتُه منَ النوعِ الأوّل ـ باختفاءِ ذاتِه لخروجِه عن مجالِ الرؤية ـ أو منَ النوعِ الثاني ـ باختفاءِ ذاتِه معَ كونِه في مجالِ الرؤية ـ، أو منَ النوعِ الثالث ـ باختفاءِ عنوانِه وهويّتِه معَ ظهورِ شخصِه وذاته ـ؟ 

نقولُ: إنَّ المُستفادَ منَ الرواياتِ الواردةِ في غيبةِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) هوَ النوعُ الثالث، أي غيبةُ عنوانِه وهويّتِه، لا غيبةَ شخصِه وذاتِه ـ كما في النوعينِ الأوّلِ والثاني ـ، فإنّه (عليهِ السلام) حاضرٌ بينَ الناس، ويعيشُ معَهم، يرونَه ويراهم، يلتقونهُ ويلتقي بهم، ولكن لا يعرفونَ أنّه الإمامُ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجه)، وهذا هوَ الرأيُ المعروفُ المنصورُ بينَ الطائفة.. 

روى الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص440] بإسنادٍ صحيحٍ عن السفيرِ محمّدٍ بنِ عُثمانَ العمريّ (رضيَ اللهُ عنه): « واللهِ إنَّ صاحبَ هذا الأمرِ ليحضرُ الموسمَ كلَّ سنةٍ، فيرى الناسَ ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونَه ». 

وروى الشيخُ الكلينيّ في [الكافي ج1 ص336]، وابنُ بابويه في [الإمامةِ والتبصرةِ منَ الحيرة ص121]، والشيخُ النعمانيّ في [الغيبة ص166]، والشيخُ الصّدوقُ في [عللِ الشرائع ج1 ص244، وكمالِ الدين ص341]، والمحدّثُ الطبريُّ في [دلائلِ الإمامة ص531] عن سديرٍ الصيرفيّ قالَ: « سمعتُ أبا عبدِ الله (عليهِ السلام) يقولُ: إنَّ في صاحبِ هذا الأمرِ شبهاً مِن يوسف (عليهِ السلام)، قالَ قلتُ له: كأنّكَ تذكرُه حياتَه أو غيبتَه؟ قالَ: فقالَ لي: وما تنكرُ مِن ذلك، هذهِ الأمّة أشباهُ الخنازير، إنّ إخوةَ يوسف (عليهِ السلام) كانوا أسباطاً أولادَ الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوهُ وخاطبوه، وهُم إخوتُه، وهوَ أخوهم، فلم يعرفوهُ حتّى قال: أنا يوسف، وهذا أخي، فما تنكرُ هذهِ الأمّةُ الملعونةُ أن يفعلَ الله (عزَّ وجلّ) بحُجّتِه في وقتٍ منَ الأوقاتِ كما فعلَ بيوسف، إنَّ يوسف (عليهِ السلام) كانَ إليه ملكُ مصر وكانَ بينه وبينَ والدِه مسيرةُ ثمانيةَ عشرَ يوماً، فلو أرادَ أن يِعلمَه لقدرَ على ذلك، لقد سارَ يعقوب (عليهِ السلام) وولدُه عندَ البشارةِ تسعةَ أيّامٍ مِن بدوهِم إلى مصر، فما تنكرُ هذهِ الأمّةُ أن يفعلَ اللهُ (عزَّ وجلّ) بحُجّتِه كما فعلَ بيوسف، أن يمشي في أسواقِهم ويطأ بسطَهم حتّى يأذنَ اللهُ في ذلك له كما أذنَ ليوسف، {قَالُوا: أَئِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ؟ قَالَ: أَنَا يُوسُفُ} ».

أقولُ: هذانِ النصّانِ صريحانِ في أنَّ الناسَ يرونَه (عليهِ السلام) ويلتقونَ به، ولكن لا يعرفونَ أنّه الإمامُ المعصوم.

نعَم، يظهرُ مِن بعضِ الرواياتِ أنَّ الإمامَ غائبٌ بشخصِه معَ حضورِه وكونِه بمجالِ الرؤية ـ وهوَ النوعُ الثاني مِن أنواعِ الاختفاء ـ، كما في روايةِ عُبيدٍ بنِ زُرارة قالَ: سمعتُ أبا عبدِ الله (عليهِ السلام) يقولُ: « يفقدُ الناسُ إمامَهم، فيشهدُ الموسمَ، فيراهُم ولا يرونه » [الكافي ج1 ص337، والإمامةُ والتبصرة ص126، والغيبةُ ص180، وكمالُ الدين ص346]، وروايةُ الريّانِ بنِ الصّلت قالَ: سمعتُ أبا الحسنِ الرّضا (عليهِ السلام) يقولُ ـ وسُئِل عن القائمِ ـ: « لا يُرى جسمُه، ولا يُسمّى باسمِه » [الكافي ج1 ص333، والإمامةُ والتبصرة ص117، وكمالُ الدين ص370]. 

وتتقدّمُ روايتا العَمريّ والصيرفيّ وغيرَها ممّا يفيدُ مضمونَها؛ لاعتمادِها لدى الطائفة، ووقوعِ التشرّفاتِ للأكابر، وإمكانِ توجيهِ روايتي عُبيدٍ بنِ زُرارة والريّان ونحوِها بأنَّ المرادَ عدمُ معرفةِ عنوانِه وهويّتِه، قالً العلّامةُ المجلسيّ في [مرآةِ العقول ج4 ص42] ذيل روايةِ عُبيدٍ بنِ زرارة: « لعلَّ المرادَ يعرفُهم ولا يعرفونَه ».

وأمّا تفسيرُ الغيبةِ باحتجابِ الذاتِ بخروجِه عن مجالِ الرؤية ـ كما في النوعِ الأوّل ـ، فهوَ وإن كانَ مُمكِناً في نفسِه وواقعاً أيضاً كما في احتجابِ النبيّ يونس واحتجابِ النبيّ عيسى (عليهما السلام)، ولكنَّ تفسيرَ غيبةِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) بهذا التفسيرِ ضعيفٌ؛ إذ لا دليلَ عليه ولا شاهدَ يقتضيه. 

نعَم، وردَ في روايةٍ عن أبي بصيرٍ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ : « لابدَّ لصاحبِ هذا الأمرِ مِن غيبة، ولابدَّ له في غيبتِه مِن عُزلة، ونعمَ المنزلُ طيبة، وما بثلاثينَ مِن وحشة » [الكافي ج1 ص340، الغيبةُ ص194]، وهوَ يفيدُ اعتزالَه عن العالم، فتدلُّ الروايةُ على تحقّقِ النوعِ الأوّلِ في غيبةِ الصاحبِ (عجّلَ اللهُ فرجَه). 

ولكنَّ كونَ (طيبة) ـ يعني المدينة ـ منزلاً له، قرينةٌ على أنَّ العُزلةَ ليسَت بنئيهِ في مكانٍ بعيدٍ غيرِ مسكون، بل اعتزالهُ عن مخالطةِ الناسِ في أيّامِه الاعتياديّةِ بحيثُ يدخلونَ عليه ويدخلُ عليهم ونحو ذلك، فهذهِ الروايةُ لا تدلُّ على اعتزالِه وسكنِه في مكانٍ بعيدٍ منَ الأرض ـ كما هوَ مفروضِ الصنفِ الأوّلِ منَ النوعِ الأوّل ـ، فضلاً عن خروجِه مِن هذا العالمِ واستقرارِه بعالمٍ آخر ـ كما في الصّنفِ الثاني منه ـ.

بل إنَّ القولَ بأنَّ الإمامَ (عجّلَ اللهُ فرجَه) خرجَ عن هذا العالمِ ودخلَ في عالمٍ آخر ـ كما في الصنفِ الثاني منَ النوعِ الأوّل ـ مخالفٌ لضرورةِ وجودِ الحُجّةِ الإلهيّةِ في الأرض؛ إذ بخروجِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) تخلو الأرضُ منَ الحُجّة؛ لأنّه آخرُ الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام)، وخلوُّ الأرضِ منهُ يستلزمُ الفساد؛ إذ لولا الحجّةُ لساخَت الأرضُ بأهلِها. 

وبهذا يظهرُ الجوابُ عن السّؤالِ الوارد: (كيفَ تفسّرونَ هذهِ الغيبة؟) فإنّ تفسيرَنا لغيبةِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) ـ الذي عليهِ العلماءُ ـ أنّها غيبةُ الهويّةِ والعنوان، لا غيبةَ الشخصِ والذات. كذلكَ يظهرُ الجوابُ عن السؤالينِ الآخرَين: (كيفَ لإنسانٍ أن يكونً في الغيب؟ هل واحدٌ منَ الرسلِ دخلَ في الغيب؟) فإنّهُما ظاهرانِ في تفسيرِ الغيبةِ بعدمِ تواجدِه في مجالِ الرؤيةِ لدخولِه في عالمٍ آخر، وهذا التفسيرُ ـ كما أشرنا ـ باطلٌ، ويلزمُ منه خلوّ الأرضِ منَ الحُجّةِ الإلهيّة، والصحيحُ أنّ غيبةَ الإمامِ (عليهِ السلام) هي غيبةُ العنوانِ والهويّة، لا غيبةُ الشخصِ والذات. 

الحاصلُ: إنَّ غيبةَ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) هيَ غيبةُ العنوانِ والهويّة ـ كما دلَّت جملةٌ منَ الروايات ـ، لا غيبةَ الشخصِ والذات، ومثلُ هذا النوعِ منَ الغيبةِ ممكنٌ عقلاً، ومُتحقّقٌ فعلاً، ولا يمكنُ لأحدٍ إنكارُه وجحوده. وهذا التفسيرُ هوَ الأقوى عندَ الطائفة. 

وأمّا تفسيرُ غيبتِه (عليهِ السلام) باحتجابِ ذاتِه عن الرؤيةِ مع وجودِه في مجالِ الإدراك، فهوَ ـ مع احتمالِه وظهورِ بعضِ الأخبارِ فيه ـ ليسَ راجحاً؛ لأنَّ التفسيرَ بغيبةِ العنوانِ أقوى. وأمّا تفسيرُ غيبتِه (عليهِ السلام) باحتجابِ ذاتِه بخروجِه عن مجالِ الرؤيةِ، فهوَ ضعيفٌ، ولا تشهدُ عليه الروايات، بل الصنفُ الثاني منهُ باطلٌ لاستلزامِه خلوَّ الأرضِ منَ الحُجّةِ الإلهيّة.

أمّا السؤالُ الثاني ـ وهوَ طولُ العمرِ والبقاءِ حيّاً ـ فنقول: 

لقد قامَت الأدلّةُ العقليّةُ والنقليّةُ على لزومِ وجودِ الحُجّةِ الإلهيّةِ في الأرض، وعلى أنَّ أوصياءَ خاتمِ الأنبياء (صلّى اللهُ عليهِ وآله) اثنا عشرَ إماماً، وعلى أنّ الثاني عشر منهم هوَ القائمُ المُنتظر الذي سيخرجُ فيملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئَت ظُلماً وجوراً، وعلى أنّه سيخرجُ بعدَ غيبةٍ طويلة.

هذهِ الأدلّةُ وغيرُها تدلّ على حياةِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) فعلاً، وتدلُّ على طولِ عُمرِه أيضاً؛ إذ لو ماتَ الإمامُ (عليهِ السلام) لخلَت الأرضُ منَ الحُجّةِ الإلهيّة، ولانقطعَ اتّصالُ الأرضِ بالسّماء، ولبطُلَ القرآنُ العزيز؛ إذ إنَّ الملائكةَ والروحَ تنزلُ ليلةَ القدرِ في كلِّ سنةٍ بالمقدّراتِ الإلهيّةِ على شخصٍ هوَ حُجّةُ اللهِ المُتّصلُ بالسماء، يقولُ اللهُ تعالى: {تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ}؛ إذ نزولُ الملائكةِ والرّوحُ يحتاجُ لظرفِ لنزولِهم، ولابدَّ أن يكونَ الذي تنزلُ عليهِ الملائكة هوَ حُجّةُ الله المُتّصلُ بالسماء، فلو لم يكُن المعصومُ حيّاً، لما كانَ معنىً لنزولِ الملائكةِ والروح بالمُقدّراتِ الإلهيّة؛ إذ على مَن سينزلون؟! فوجودُ المعصومِ في الأرضِ ضرورةٌ قرآنيّةٌ، كما أنّها عقليّةٌ. 

ولا ينبغي التعجّبُ مِن طولِ عُمرِه وبقائِه حيّاً لأكثرَ مِن ألفِ سنة، فإنّ الإنسانَ يمكنُه أن يعيشَ هذه المدّةَ بل أكثر، وأوضحُ شاهدٍ على ذلك: النبيُّ نوح (عليهِ السلام) الذي عاشَ يدعو قومَه ما يقاربُ مِن ألفِ سنةٍ، يقولُ تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً}[العنكبوت: 14]، وكذلكَ الخضرُ (عليهِ السلام) الذي يعيشُ منذُ زمنِ النبيّ موسى (عليهِ السلام) إلى الآن، وقد تجاوزَ عُمرُه العشرينَ قرناً. 

وقد ذكَرنا في جوابٍ سابق: أنّهم توصّلوا إلى أنّ المُحيّرَ هوَ سرُّ الموتِ لا سرُّ الحياة؛ لأنَّ الأصلَ في التكوينِ الداخليّ للجينِ الوراثيّ هوَ الحياةُ الكاملةُ وعدمُ الموت، ولكنَّ المُفاجئَ هوَ إصدارُ أوامرَ برمجيّةٍ مِن داخلِ الجينِ الوراثي لتخريبِ الجسد، وهذا ما لا يُفهم، فقد جعلَ اللهُ فينا برنامجَ الموت، وإلّا فإنَّ كلَّ خليّةٍ لها قابليّةٌ عجيبةٌ للتجدّدِ والمحافظةِ على البقاء، فالنظامُ الأساسيّ هو بقاءُ الحياة، والموتُ هوَ المعجزةُ الإلهيّةُ التي لا يُعرَفُ مداها وكُنهُها، فما يحدثُ للمُعمّرينَ هوَ التفلّتُ مِن سرِّ الموتِ والبقاءِ على الطبيعةِ الأساسيّة. 

وعلى هذا، لا مانعَ أن يتدخّلَ اللهُ تعالى في شأنِ الإمامِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجًه)، فيمنعُ مِن طروِّ الموتِ عليه؛ إذ لا مانعَ عقلاً ولا واقعاً مِن إجراءِ تعديلٍ بالتوقيتِ في الجينِ الوراثيّ ليكونَ أطولَ بكثيرٍ منَ المعروفِ والمعهودِ في البشر. 

إذن: طولُ عُمرِ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ فرجَه) ليسَ مُستحيلاً، بل معقولٌ ومقبولٌ بنظرِ العقلِ والعُقلاءِ والشرع، ولا يشكّكُ فيهِ إلّا جاهلٌ بالحقائقِ الثابتةِ أو مُنكرٌ جاحدُ لها.