لماذا لم يأتِ الإمام السجّاد (ع) لدفن الأجساد قبل اليوم الثالث؟

من المعروف أنّه في واقعة كربلاء الأليمة بعد انتهاء المعركة ظل جسد الإمام الحسين عليه السلام ثلاثة أيام بدون دفن ولا تغسيل وتكفين، وفي اليوم الثالث عن طريق المعجزة أتى الإمام السجاد عليه السلام ودفن الأجساد الطاهرة. السؤال: بما أن الإمام السجاد عليه السلام دفن الأجساد بالمعجزة لماذا لم يدفنهم في نفس اليوم بالمعجزة ايضاً أو في اليوم الثاني؟ لماذا في اليوم ثالث دفنهم عليهم السلام؟؟

: السيد عبدالهادي العلوي

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يخفى عظم ما جرى في كربلاء من المآسي والفجائع، ومن جملتها: بقاء أجساد الشهداء بتلك البقعة بلا دفن لمدة ثلاثة أيام، لتزداد بذلك بشاعة صنيع جيش يزيد وشناعة فعلهم.

فإنّهم بعدما قتلوا أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) تركوا أجسادهم الطاهرة بلا دفن، وأسروا النساء والأطفال، فما أقبح أفعالهم (لعنهم الله).

وإذا أردنا معرفة الوجه في مجيء الإمام السجّاد (عليه السلام) لكربلاء في اليوم الثالث بطريق خارق للعادة، دون اليومين الأولين، فإنّما يكون بواسطة النصّ الوارد عنه (عليه السلام)، أو الوارد عن أولاده المعصومين (عليهم السلام)، أو الحافّين بهم والمقرّبين منهم كالحوراء زينب (عليها السلام).

ولم نعثر ـ فيما وصلنا من أخبار وآثار ـ على نصّ يبيّن الوجه في مجيئه في اليوم الثالث لكربلاء، كما لم يصلنا كثير من النصوص في بيان علة جملة كبيرة من التصرّفات.

ولكن لا شكّ في وجود علّة لذلك؛ لأنّ الإمام (عليه السلام) معصوم لا يفعل إلّا ما فيه مصلحة وعلّة.

وربّما أمكن أن يُقال: يُعلم السبب في مجيئه (عليه السلام) في خصوص اليوم الثالث ـ دون اليوم الأوّل والثاني ـ بملاحظة أمرين:

الأول: إنّ الإمام المعصوم (عليه السلام) يعيش حياته ويدير شؤونه غالباً بالطرق الاعتياديّة التي يسلكها عامة الناس، فلا يستعمل الطرق غير العاديّة الخارقة دوماً، بل في بعض الموارد المحدودة، فيما تقتضيه المصلحة.

الثاني: إنّ تجهيز موتى المسلمين ودفنهم واجب كفائيّ على المسلمين، فيجب عليهم المبادرة لذلك، فلو توفي الإمام المعصوم فالأمّة مكلّفة بالمبادرة لتجهيزه ودفنه، لكن لا يتيسّر لغير المعصوم أن يلي أمر المعصوم ـ لخصوصيّة فيه ـ، فقد جاءت روايات كثيرة تفيد أنّ حجّة الله لا يلي أمره إلّا حجة الله من التغسيل ونحو ذلك.

فالأمّة وإنْ كانت مكلّفة بتجهيز الإمام ودفنه ـ ولو بتهيئة المقدّمات ـ لكن لا يتيسّر لهم ذلك، بل هو خاصّ بالمعصوم الذي يليه.

إذا عرفتَ هذا فنقول: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لمّا استشهد في كربلاء في اليوم العاشر من المحرّم، وجب على المسلمين تجهيزه ودفنه، وحيث إنّ جيش يزيد لم يباشر بل ومنع أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) عن ذلك، بقيت الأجساد الطاهرة على أرض كربلاء ثلاثة أيّام، إلى أنْ جاءت طائفة من بني أسد لدفن الأجساد الطاهرة، وبما أنّ الإمام المعصوم لا يلي أمره إلّا المعصوم اضطرّ الإمام السجّاد (عليه السلام) لأن يأتي من الكوفة إلى كربلاء ـ ولو بسلوك طريق غير عاديّ ـ لدفن جسد أبيه سيّد الشهداء (عليه السلام).

فالإمام (عليه السلام) اضطّر لأن يستخدم طريقاً غيرَ عاديّ لدفن أبيه في اليوم الثالث إذ جاءت قبيلة بني أسد لدفنه، ولم يضطّر لذلك في اليوم الأوّل والثاني.

على كلّ، إنّ بقاء الأجساد الطاهرة بلا دفن هذه المدّة ممّا يزيد من بشاعة الجريمة التي ارتكبها جيش يزيد (لعنهم الله) في كربلاء، وتعدّ من جملة البلايا التي وقعت على سيّد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) وأصحابه (رضي الله عنهم) وشيعته ومحبيه.

اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، وآخر تابع لهم على ذلك، اللهم العن العصابة التي حاربت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله، اللهم العنهم جميعاً.