مُدّعي النبوّة في اليمن الأسود العنسي
هل قصّة الأسود العنسيّ صحيحة أو مكذوبة، فأنا لا أصدق بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله يأمر بقتل أحد؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله
أنّ خبر الأسود العنسيّ وادّعاءه النبوّة يكاد يكون موضع وفاقٍ بين أهل السير والتاريخ.
وحاصل ما ذكروه في قصّته: أنّه لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله ) من حجّه، طارت الأخبار بأنه قد اشتكى، فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة ، فأما الأسود العنسي فاسمه عهيلة بن كعب ، وكان كاهنا يشعبذ ويريهم الأعاجيب ويصمي منطقه قلب من يسمعه.
وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله (صلى الله عليه وآله ) فسار إلى صنعاء فأخذها ، فكتب فروة بن مسيك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخبره وكان عامل رسول الله على مراد، وخرج معاذ بن جبل هارباً حتى مر بأبى موسى الأشعري وهو بمارت فاقتحما حضرموت، ورجع عمرو بن خالد إلى المدينة، وقتل شهر بن باذام وتزوج امرأته، وكانت ابنة عم فيروز، فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى نفر من الأبناء رسولاً وكتب إليهم أن يحاولوا الأسود إما غيلة وإما مصادمة ، وأمرهم أن يستنجدوا رجالاً سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمدان ، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم ، فدخلوا على زوجته فقالوا : هذا قد قتل أباك وزوجك فما عندك ؟ قالت : هو أبغض خلق الله إليّ، وهو مجرّد والحرس محيطون بقصره، إلا هذا البيت فانقبوا عليه فنقبوا ، ودخل فيروز الديلمي فخالطه فأخذ برأسه فقتله ، فخار خوار ثور فابتدر الحرس الباب فقالوا: ما هذا ؟ فقالت : النبيّ يوحى إليه ثم خمد ! وقد كان يجئ إليه شيطان فيوسوس له فيغط ويعمل بما قاله ، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم، ثم بالأذان وقالوا فيه : أشهد أن محمداً رسول الله ، وأن عهيلة كذاب ، وشنوها غارة وتراجع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله) إلى أعمالهم ، وكتبوا إلى رسول الله بالخبر فسبق خبر السماء إليه ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل موته بيوم أو بليلة فأخبر الناس بذلك ، فقال : قتل الأسود البارحة ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين ، قيل : ومن هو ؟ قال : فيروز ، فاز فيروز ، ووصل الكتاب - ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد مات - إلى أبى بكر . وكان من أول خروجه إلى أن قتل نحو أربعة أشهر . وفيروز قيل : إنه ابن أخت النجاشي وقيل هو من أبناء فارس.
[المصادر: ينظر: كتاب تاريخ الطبريّ (ج2/ص470)، والكامل لابن الأثير(ج2/ص341) ، والمنتظم في تاريخ الأمم (ج19/ص424)، ومناقب آل أبي طالب : 1 / 94 . وكتاب: مكاتيب الرسول : 1 / 278 و 270 . والاستيعاب : 2 / 698 والإصابة : 2 / 330 ، 534. وكتاب البحار للشيخ المجلسيّ : (ج21/ ص411)، وكتاب السيرة النبوية عند أهل البيت (ع) للشيخ عليّ الكوراني العاملي ، (ج ٢/ ص ٤٧٦)]، وكتاب السيرة النبوية عند أهل البيت (ع) للشيخ عليّ الكوراني العاملي ، (ج ٢/ ص ٤٧٦)].
فإذا عرفت ما تقدّم، فالأسود العنسيّ بحسب أحكام الشريعة الإسلاميّة يُعَـدُّ مرتدّاً ارتداداً مليّاً، وعقوبته القتل ما لم يتبْ، وذلك لأنّ الارتداد، هو اصطلاحٌ فقهي، يقصد به الإعراض عن الإسلام. [الشهيد ثاني، حاشية الإرشاد، ج 4، ص 285 ؛ الأردبيلي]، ويسمى المسلم الذي يخرج من دين الإسلام مرتداً.[ الأردبيلي، فقه الحدود والتعزيرات، ج 4، ص 44-46.]
والمرتد على قسمين ولكل قسم أحكامه الخاصة:
المرتد الفطري: وهو الشخص الذي كان أحد والديه مسلماً في وقت أنعقاد النطفة، وبلغ مسلماً ثم ارتد عن الإسلام.[ النجفي، جواهر الکلام، ج 41، ص 603.]
المرتد الملي: وهو من انعقدت نطفته وكلا أبويه كافرين، ثم أسلم قبل بلوغه أو بعده. ثم ارتد عن الإسلام بعد بلوغه وأظهر الكفر.[ الصدر، منهج الصالحين، ج 4، ص 244.]
ويتحقّق الارتداد بإنكار ما يجب الإقرار والتصديق به، كإنكار اللّه تعالى أو وحدانيّته أو رسالة الرسول صلّی الله عليه وآله وسلم وغير ذلك.[ المرتضى، رسائل الشريف المرتضى، ج 2، ص 280].
والارتداد حرام، وهو أعظم الذنوب وأكبر الكبائر.
وكذلك من أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكماً وعقوبة في الدنيا والآخرة.
وتدلّ عليه الآيات والروايات الكثيرة. فمنها قوله تعالى: ﴿وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾[١المائدة: 5].
وأمّا الروايات فقول النبي صلی الله عليه وآله وسلم: «من بدّل دينه فاقتلوه».[النوري، مستدرك الوسائل، ج 18، ص 163].
وقول أبي جعفرعليه السلام: «من رغب عن الإسلام وكفر بما انزل على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بعد إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، ويقسّم ما ترك على ولده ».[الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 28، ص 323 ].
وبناءً على ذلك، فإنّ الأسود العنسيّ عقوبته القتل مادام لم يتبْ من ارتداده.
وأمّا إنّ السائل لا يصدّق بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) يأمر بقتل أحد، فربّما نشأ ذلك ممّا طرق سمعه من كون النبيّ (صلى الله عليه وآله) رحيماً بأمّته وعرف من سيرته العظيمة بأنّه كان يعفو عمّن ظلمه ويتجاوز كثيراً من الصعوبات بقلبه الرحيم، فجوابه بأنّ ذلك لا يمنع النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنْ يؤدّي وظيفته كما أمره الله تعالى وبتسديدٍ منه في جميع المواقف، إذْ إنّه كما كان رحيماً وعفوّاً عمّن ظلمه ووقف ضدّ دعوته في مواقف كثيرة، برجاء أنْ يتغيّروا نحو الأحسن، فقد كان يأمر بقتل من يستحق القتل ولا يُرجى منه خيرٌ تطبيقاً لشرع الله تعالى، كما في قصّة الأسود العنسيّ.
وكذلك فيما اشتهر عنه (صلى الله عليه وآله) في الخبر الذي أخرجه النسائيّ وغيره بأنّه يوم فتح مكة أمّنَ كُلَّ من دخل المسجد أو أغلق عليه بابه، إلا أربعة نفر وامرأتين أمر بقتلهم ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح.
وكلُّ هذا يتمُّ بسديد من الله لنبيّه (صلى الله عليه وآله) وإخباره الغيبي له عن أحوال كلِّ من تعرّض له.
فلذا كان يتعامل مع الأشخاص وفق استحقاقهم بحسب ما أُمره الله تعالى به . قال تعالى على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله): {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام : 50].
ودمتم سالمين.
اترك تعليق