حقيقة العبودية في رواية عنوان البصريّ

رواية إذا أَرَدْتَ العِلم.. فاطلُب حقيقةَ العبوديَّة"، وصيَّة الإمام الصَّادق لعنوان البَصْريّ"، ما مدى وثاقة هذا الرجل ( عنوان البصري) ، و ما مدى صحة هذه الوصية له من قبل الإمام ( الصّادق) (سَلَامُ اللهِ عَلَيهِ) ؟مع فائق الود و التقدير

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله

بعد البحث والتدقيق في كتب الحديث تبيّن لنا أنّ أصل هذه الرواية قد وردت عن بعض المتأخّرين من علمائنا الأعلام.

فأحببنا نقل بعض فقراتها لـما فيها من الفوائد العظيمة، إذْ قال العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار في باب آداب طلب العلم وأحكامه (ج1/ص224):

وجدت بخط شيخنا البهائي (قدس الله روحه) ما هذا لفظه: قال الشيخ شمس الدين محمد بن مكي : نقلت من خط الشيخ أحمد الفراهاني رحمه الله، عن عنوان البصري - وكان شيخا كبيرا قد أتى عليه أربع وتسعون سنة - قال :

كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين ، فلما قدم جعفر الصادق ( عليه السلام ) المدينة اختلفت إليه ، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك ، فقال لي يوما : إني رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل والنهار ، فلا تشغلني عن وردي ، وخذ عن مالك ، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه .

فاغتممت من ذلك، وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لو تفرس في خيرا لما زجرني عن الاختلاف إليه والاخذ عنه .

فدخلت مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وسلمت عليه ، ثم رجعت من الغد إلى الروضة وصليت فيها ركعتين ، وقلت:

أسألك يا الله يا الله أن تعطف علي قلب جعفر وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم .

ورجعت إلى داري مغتما ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حب جعفر ، فما خرجت من داري إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى عيل صبري.

فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا وكان بعد ما صليت العصر ، فلما حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال : ما حاجتك ؟

فقلت : السلام على الشريف .

فقال : هو قائم في مصلاه ، فجلست بحذاء بابه فما لبثت إلا يسيرا إذ خرج خادم فقال: ادخل على بركة الله ، فدخلت وسلمت عليه ، فرد السلام وقال : اجلس غفر الله لك ، فجلست فأطرق مليا ، ثم رفع رأسه ، وقال : أبو من ؟ قلت أبو عبد الله ، قال : ثبّت الله كنيتك ووفّقك ، يا أبا عبد الله ما مسألتك ؟ فقلت في نفسي : لو لم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيرا ، ثم رفع رأسه ، ثم قال : ما مسألتك ؟

فقلت: سألت الله أن يعطف قلبك عليّ ويرزقني من علمك ، وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته .

فقال : يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلّم ، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه ، فإن أردت العلم فاطلب أولاً في نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهمك .

قلت : يا شريف فقال : قل يا أبا عبد الله،

قلت : يا أبا عبد الله ما حقيقة العبودية ؟

قال : ثلاثة أشياء :

أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً، لانّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به.

ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرا.

وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه.

فإذا لم يرَ العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكاً، هَانَ عليه الانفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه.

وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره، هَانَ عليه مصائب الدنيا.

وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس.

فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هَان عليه الدنيا، وإبليس، والخلق ، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا ، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً ، ولا يدع أيّامه باطلا، فهذا أوّل درجة التقى ، قال الله تبارك وتعالى: تلك الدار الآخرة نجعله للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ هذه الرواية من روايات العامّة عن الإمام الصادق (ع)، بناءً على ما قاله المحدث الجليل السيد محمد بن محمد بن الحسن الشهير بابن قاسم الحسيني العاملي من علماء القرن الحادي عشر الهجري، الشهير ابن قاسم الحسيني العاملي (العيناثي)، في كتابه المواعظ العددية (ص ٢٤٠)، إذْ يقول: ومما روته العامة عن عنوان البصري - وكان شيخا كبيرا ... إلى آخر الرواية.

ثُمَّ اعلم أيضاً أنّ راوي هذا الخبر غير معروفٍ في أوساط الرجاليّين شيعةً كانوا أم سنّة ، ولم يترجمه أحد منهم وليس له ذكر إلّا في هذه الرواية.

فهو على هذا مجهولٌ في عرف الرجاليين.

ولكنْ مع هذا فقد حملت روايته من الحِكَمِ والأمارات والشواهد ما جعلها مقبولة بين أهل العلم، كما هو ملاحظٌ عند جميع من عرض لهذه الرواية، سواءٌ أكانوا مفسّرين أم فقهاء أم غيرهما من أهل العلم.

وإليك قائمة بِمَنْ عرض لهذه الرواية وتسالم عليها ولم يُشكّك فيها:

1- منية المريد، الشهيد الثاني، ص ١٤٩

2- نفس الرحمن في فضائل سلمان، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ص ٢٣٧

3- الكشكول، ج ٢، الشيخ البهائي العاملي، ص ١٦٥

4- الكنى والألقاب، ج ٢، الشيخ عباس القمي، ص ٨٦

5- السيد محسن الأمين، في أعيان الشيعة، (ج ١، ص ٦٧٥).

6- الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، ج ٢، المحقق البحراني، ص ٨١

7- مقدمة في أصول الدين، الشيخ وحيد الخراساني، ص ٥٢٣

8- الإمام الصادق ( ع )، ج ٢، الشيخ محمد حسن المظفر، ص ٥٨

9- الأنوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة، ج ٣، الشيخ جواد بن عباس الكربلائي، ص ١٨٠

10- أسرار الملكوت، ج ١، السيد محمد محسن الطهراني، ص ٣٨

11- تزكية النفس، السيد كاظم الحائري، ص ٤٦٩

12- تفسير الصراط المستقيم، ج ١، السيد حسين بن محمدرضا البروجردي، ص ٤٢٦

13- ينابيع الحكمة، ج ٤، عباس الإسماعيلي اليزدي، ص ٢٣١

وغيرهم. ودمتم سالمين.