هل الدين يدعو الى الانقسام والكراهية؟

دائماً يروّجُ الملحدونَ لدورِ الدين في زرعِ الانقسامِ والكراهيةِ بينَ الناس، وهُم بذلكَ لا يفرّقونَ بينَ تعاليمِ دينٍ وآخر ففي نظرِهم كلُّ الأديانِ هي المسؤولةُ عمّا يحدثُ مِن انقسامٍ وحروبٍ وكراهية؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

هناكَ فرقٌ بينَ الإشكالِ الذي يستفزُّ العقلَ ويدفعُه إلى مزيدٍ منَ التأمّلِ والتفكير، وبينَ المُغالطاتِ التي تحرّكها الأيدلوجيا المتعصّبةِ ضدَّ الدين.

فالقولُ إنَّ الدينَ يزرعُ الانقسامَ والكراهيةَ ليسَ إلّا دعايةً كاذبةً تهدفُ إلى تصويرِ الإلحاد وكأنّه هوَ الذي يحملُ رسالةَ الوحدةِ والمحبّةِ والسلام، وهذهِ مغالطةٌ مفضوحةٌ تكشفُها أدنى مقارنةٍ بينَ فلسفةِ الأديان وفلسفةِ الإلحاد، كما تكذّبُها النصوصُ الدينيّة التي توجبُ الوحدةَ والتعاونَ وتأمرُ بالمحبّةِ والسلام.

ولا ندري كيفَ يرفضُ الإنسانُ الأديانَ وفي نفسِ الوقت يتحدّثُ عن الوحدةِ والمحبّةِ والتسامحِ والسلامِ كقيمٍ أخلاقيّة؟!

فالملحدُ واللاديني لا يمتلكُ أيَّ أساسٍ موضوعيّ للأخلاق، ولذلكَ نجدُ زعيمَ الإلحاد في العصرِ الحديث ريتشارد دوكنز يتّسقُ مع إلحادِه فيرفضُ صبغَ الوجودِ بأيّ صفةٍ أخلاقيّة، حيثُ يقول: "في هذا العالمِ لا يوجدُ شرٌّ ولا يوجدُ خير، لا يوجدُ سوى لامبالاة عمياء وعديمةِ الرحمة".

ويقولُ أيضاً: "إنّه منَ العسيرِ جدًا الدفاعُ عن الأخلاقِ المُطلقةِ على أسسٍ غيرِ دينيّة".

أمّا الباحثُ الأميركي اللا أدري ديفيد برلنسكي فيوضّحُ مقولةَ دوستويفسكي الذي قال: "إذا كانَ الإلهُ غيرَ موجود فكلّ شيءٍ مباح" فيشرحُ ذلكَ بقوله: "فإذا لم تكُن الواجباتُ الأخلاقيّةُ مأمورةً بإرادةِ الله، ولم تكُن في الوقتِ ذاتِه مُطلقة، فإنّ (ما ينبغي أن يكون) هوَ ببساطةٍ ما يقرّرُه الرّجالُ والنساء. لا يوجدُ مصدرٌ آخرُ للحُكم. هل هذه إلّا طريقةٌ أخرى للقولِ بأنّه طالما أنّ الإلهَ غيرُ موجود، فكلُّ شيءٍ مُباح؟"

وقد أشادُ داروين نفسُه بالدّورِ الفعّالِ للإيمانِ بالمعبودِ حيثُ يقول: "وبالنسبةِ للأعراقِ الأكثرِ تمدّناً، فإنّ الإيمانَ الراسخَ بالوجودِ الخاصِّ بمعبودٍ، مُطّلعٍ على كلِّ شيء قد كانَ له تأثيرٌ فعّال، على التقدّمِ الخاصِّ بالأخلاق"

فمَن يرفضُ الأديانَ لا يحقُّ له أن يتّهمَ الأديانَ بزرعِ الانقسامِ والكراهية، لأنّه لا يمتلكُ أيَّ بديلٍ أخلاقيّ طالما كانَت المادّةُ هيَ القيمةُ الوحيدةُ المُتحكّمةُ في حياةِ الإنسان.

ولذلكَ نجدُ البعضَ صرّحَ بتحميلِ الإلحادِ الداروينيّ مسؤوليّةَ ما وقعَ مِن دمارٍ في الحربِ العالميّة، والسببُ في ذلكَ هوَ الفلسفةُ العنصريّةُ التي أسّسَها تشارلز داروين في كتابِه أصلُ الإنسان، والذي حاولَ فيه البرهنةَ على وجودِ تمايزٍ حقيقيّ بينَ البشر.

والنتيجةُ المُتحصّلةُ مِن هذا التمايزِ العِرقي؛ هوَ منحُ العِرقِ المُتحضّرِ الحقَّ في القضاءِ على العِرقِ الهمجي، ضمنَ قانونِ البقاءِ للأصلحِ والانتقاءِ الطبيعي، يقولُ داروين: "في مرحلةٍ مُستقبليّةٍ مُعيّنة، ليسَت ببعيدة، سوفَ تقومُ الأعراقُ البشريّة المُتحضّرةُ على الأغلبِ بالقضاءِ على الأعراقِ الهمجيّةِ واستبدالِها في شتّى أنحاءِ العالم"

ولهذا النمطِ منَ التفكير نجدُ عالمَ التاريخ الأمريكيّ توماس ناب thomas knapp مِن جامعةِ لويال يقول: "كانَ الناسُ ينتظرونَ الحربَ قبلَ عام 1914م بمُنتهى الشغف، وكانوا يتمنّونَ قيامَ الحرب، وكانَ الدافعُ لسيطرةِ هذا الفرحِ عليهم هوَ سيطرةُ الداروينيّةِ الاجتماعيّة على الناسِ في تلكَ الفترة حيثُ طُبّقَت في مدارسِ أوربـا، فهي ترى الحربَ دافعـاً للرقيّ للأقوى ودافعاً للنشاط"

أمّا مِن جهةِ الدينِ الإسلاميّ فكلُّ مبانيه وتعليماتِه تقومُ على القيمِ الأخلاقيًة، فكيفَ يُتّهم بالتسبّبِ في الانقسامِ والكراهيةِ وهوَ يوجبُ الوحدةَ ويأمرُ بالمحبّةِ ويدعو للسّلام؟

فحتّى لو صدرَ مِن أتباعِه ما يخالفُ ذلك فلا يتحمّلُ مسؤوليّتَها الإسلام، فالسلوكيّاتُ المُتطرّفةُ والعدائيّةُ تُعبّرُ عن شخصيّةِ الإنسانِ المُتطرّفة، والدينُ غيرُ مسؤولٍ عن السلوكِ الذي لم يأمُر به، حتّى لو تحوّلَ هذا السلوكُ لفعلٍ جماعيّ تحتَ مظلّةِ الدين، وبالتالي إن جازَ الدفاعُ عن الدينِ بوصفِه قيماً ساميةً وأخلاقاً نبيلةً، لا يجوزُ الدفاعُ عن السلوكِ اللا أخلاقي مَهما تستّرَ بستارِ الدين.

فالإسلامُ يؤسّسُ لاجتماعٍ إنسانيّ يقومُ على التعارفِ والتعاونِ والتكامل، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ويقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثمِ وَالعُدوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)، بل الإسلامُ ارتقى بالإنسانِ إلى مستوىً حرّمَ عليه السخريةَ والعنصريّةَ والتنابزَ بالألقاب ناهيكَ عن القتلِ والاعتداء، قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيرًا مِّنهُم وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيرًا مِّنهُنَّ ۖ وَلَا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسمُ الْفُسُوقُ بَعدَ الإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّم يَتُب فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

وغير ذلكَ منَ التعليمات.