أقوال المراجع العظام طريقٌ إلى سنّة المعصومين (عليهم السلام)

هل يجوز الاخذ من النبي مباشرة، أي نأخذ سنته أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام ونترك أقوال غيره؟؟ فلو كان الجواب بنعم، فأين نجدها في كتب الشيعة؟؟ ولو كان الجواب ،لا، أي لابد من أن ينقل الدين إمام معصوم، فممن نأخذ الدين الان؟؟!! من المعصوم؟ أو من المراجع الغير معصومه؟ كما أني آخذ ديني منكم الان!!

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

اعلم أخي السائل أنّك بسؤالك هذا تحوم حول شبهة طرحها الوهابيّة ودندنوا بها كثيراً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وقنواتهم المضلّلة، محاولةً منهم لتضليل عوامّ الشيعة بمثل هذه الأسئلة الموهومة التي يرومون بها التهويش على أحقّيّة مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ولمعرفة الجواب عن هذا السؤال نسوق لك عدّة وجوه سيتّضح من خلالها حقيقة هذا الأمر.

1- لا إشكال عند جميع أهل العلم - بقطع النظر عن مذاهبهم المختلفة - أنّهم يذهبون إلى أنّ سنّة النبيّ (ص) إذا ثبتت عنه وفق الشروط المعتبرة التي بيّنها أهل العلم في كتب الحديث والدراية، ككتاب الدراية والرعاية للشهيد الثاني، أو كتاب تدريب الراوي للسيوطيّ أو غيرها من الكتب.

أنّ هذه السنّة إذا ثبتت عنه (ص)، فلا بُدَّ من الأخذ بها والعضّ عليها بالنواجذ، عملاً بقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر : 7]، وغيرها من الآيات التي هي بهذا الصدد والتي تحثُّ المسلمين وتوجب عليهم التمسّك بسنته الشريفة.

ولكنْ العبرة في ذلك هو كيف نثبتُ أنّ هذه السنّة هي فعلاً وحقّاً سنّة النبيّ (ص) وصادرة عنه، ونحن لم نرَ النبيّ (ص) ولم نعاشره؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الصحابة الذين سمعوا من النبيّ (ص) - وإنْ كانوا كثيرين - اختلفوا فيما بينهم من جهة ما سمعوه من النبيّ (ص) ومن جهة تفسير القرآن العظيم.

وهذا الاختلاف لا شكّ في أنّه سبّبَ كثيراً من التناحر والتنازع فيما بين المسلمين إلى يومنا هذا، حتّى أصبحت الأمة الإسلاميّة مذاهبَ وفرقاً، كلُّ مذهبٍ بما لديهم فرحون. [ينظر عن اختلاف الصحابة كتاب «إعلام الموقّعين» لابن قيّم الجوزيّة (ج1/ص91)، بتحقيق مشهور حسن آل سلمان، وكتاب «صفة صلاة النبيّ» للألبانيّ، (ص35)]، وغيرهما.

2- من المعلوم أنّ السنّة النبويّة يستعان بها لمعرفة أحكام القرآن العظيم، وكان رسول الله (ص) يتولّى بنفسه رفع الخلافات التي كانت تحصل في زمنه (ص)، فيرشد أصحابه إلى الصواب، وهذا الأمر مورد وفاق بين أهل العلم.

لكنّ الإشكال وقع بعد وفاته (ص)، إذْ مع وجود القرآن الكريم والسنّة الشريفة اختلف الصحابة في كثيرٍ من المسائل، ومِنَ البدهيّ ألّا نرجع إليهم ما داموا مختلفين، فحينئذٍ مَنِ الذي يجب أنْ يرجع إليه الناس لمعرفة ما هو الحقّ الذي يُراد من الكتاب العزيز والسُّـنّة الشريفة؟

أيمكن أن يهمل الشارع المقدّس هذا الأمر مع ضرورته الملحّة وشدّة احتياج الناس إليه، خصوصاً مع ظهور الخلافات واتّساعها بعد وفاة رسول الله (ص) جيلاً من بعد جيل؟

أم إنّ الشارع المقدّس لم يهمل هذا الأمر الخطير، بل عيّن الجهة التي يجب الرجوع إليها ولاسيّما إنْ حصل تنازع بينهم في أمرٍ ما، ولكنّ الناس ظلموا أنفسهم باتّخاذهم الجهة غير المقرّرة وغير العارفة بكُلِّ ما في الكتاب العزيز والسنّة الشريفة، فلذا ما كان الخلاف يرتفع، وما كان الريب ينتفي؟!

3- إذا تجرد المسلم المنصف من الرواسب التي خلّفها لنا تراث الآباء والأجداد وبحث عن الفرقة التي اتبعت النبيّ (ص) في أهمَّ وصيّةٍ من وصاياه للتخلّص من الاختلاف والضلال، لَبَانَ له أنّ الشيعة الإماميّة وحدهم قد تمسّكوا بهذه الوصيّة الشريفة، ليصلوا إلى برّ الأمان، وذلك من خلال تمسّكهم بحديث الثقلين الثابت من طريق الفريقين والمجمع على صحته واعتباره بين علماء المسلمين المعتدّ بأقوالهم، ولا عبرة بالشاذ منهم، الذي ينصّ على أنّ رسول الله (ص) قال: (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا). ففي هذا الحديث، قد حثَّ الرسول (ص) المسلمين وأوجب عليهم أمرين:

أحدهما: النظريّة، في القرآن الكريم.

والثاني: التنفيذ، عن طريق العترة الطاهرة، حتّى يبقى الواقع المسموع شيئاً واحداً، فمناط الهداية وشرطها ـ إذنْ ـ هو التمسّك بالكتاب والعترة معاً، وهذا معنى قوله (ص) «ما إنْ تمسّكتم بالثقلين لن تضلّوا بعدي أبدا».

4- أنّ السُّـنّة النبويّة الشريفة لَـمّا كانت تُبيّنُ ما نزل من القرآن الكريم من حيثُ العمومُ والخصوصُ والإطلاق والتقييد والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من الأحكام، فاقترانُ كتاب الله العزيز بأهل البيت في هذا الحديث دليلٌ على أنّهم هم الحافظون لسنّته (ص) الشريفة من كُلِّ تحريفٍ وتأويلٍ فاسد، فالمتّبع لأهل البيت إنّما هو مُتّبعٌ للقرآن الكريم، والمخالف لأهل البيت إنّما هو مخالفٌ للقرآن الكريم، ويترتّب على ذلك مخالفة واضحة للجمع بينهما.

5- أضِفْ إلى ذلك أنّه ورد من طرق أهل البيت (ع) أنّ حديثهم هو حديث الرسول (ص)، ففي الكافي لثقة الإسلام الكلينيّ (ره)، في (ج1/ص10١) بإسناده إلى هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحديث رسول الله قول الله عز وجل.

6- وورد أيضاً من طرق أهل البيت (ع) أنّهم فوّضوا إلى أصحابهم من أهل العلم أنْ يُفرّعوا على القواعد الأصوليّة التي تعلّموها منهم عليهم السلام،

فقد روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا.

وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع. [ينظر: مستطرفات السرائر لإبن إدريس الحليّ، (ص1-9)]

ولذا ورد في التوقيع المعروف عن الحجّة (عج) قوله: وأمّا الحوادث الواقعة ، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فانّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة اللّه عليهم."

فقد أخذ مطلق راوي أحاديث أهل البيت موضوعاً للحجّية .

وكذلك التوقيع الشريف الذي ورد على القاسم بن العلاء ، وفيه: فانّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا، قد عرفوا بانّا نفاوضهم سرّنا ونحملهم إيّاه إليهم.

وقد أخذ الوثاقة موضوعاً للحكم وراء كونه راوياً.

وفي رواية علي بن سويد السائي قال : كتب إليّ أبو الحسن (عليه السلام) وهو في السجن: وأمّا ما ذكرت يا علي ممّن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا.[ينظر: إرشاد العقول إلى مباحث الأصول للشيخ السبحاني، (ج ٣/ص ٢٥٩)].

فإذا عرفت ما تقدّم، فاعلم أنّ علماءنا الأعلام ومراجعنا العظام قد تلقّوا سيرة سلفهم الصالح من المتقدّمين والمتأخّرين التي وصلت إليهم بالنقل الصحيح عن الشيوخ الثقات الأجلّاء والعلماء الكبار جيلاً من جيل، وطبقة من بعد طبقة كما هو مبيّن في الإجازات وطرق الأصحاب المذكورة في الفهارس وكتب الرجال.

غاية ما في الأمر أنّهم شرحوا أقوال أهل البيت (ع) وأفعالهم وتقريراتهم التي ثبتت لديهم أنها صادرة عنهم بعبارات تناسب هذا الزمان، فأودعوا ذلك في رسائلهم العمليّة التي هي في متناول الجميع.

فهم - إذنْ - وإنْ لم يكونوا معصومين، يؤدّون وظيفة بيان الأحكام والشرح لـما ورد عن أئمّة أهل البيت (ع)، فلا يفتون برأيهم ، ولا يجيبون عن الأسئلة من كيسهم. وإنّما يجيبون عن ذلك بما ثبت عندهم عن المعصومين (ع). وهذا الأمر معروفٌ لدى الطائفة الشيعية قديماً وحديثاً، ولا ينكره إلا مكابر أو معاند.

ودمتم سالمين