تنزيهُ اللهِ عن مُشابهةِ المخلوقات

هل صحيح ان الله يجلس جلوسا على كرسي وسع السموات والارض وهذا يعني انه يقوم ويتكىء ويمشي وينام ويقلب على ظهره ووو وهل يجلس على مكتب ام يجلس القرفصاء على ارض واين يضع القلم واشياءه الخاصة ؟

الجوابُ: 

في البدءِ لا بدَّ منَ التأكيدِ على أنَّ اللهَ مُنزّهٌ عن مُشابهةِ خلقِه، فكلُّ ما يجوزُ في الخلقِ لا يجوزُ في الخالِق، وتوحيدُ اللهِ ليسَ شيئاً آخرَ غيرَ تنزيهِه عن مُشاكلةِ خلقِه، فهوَ الواحدُ الأحدُ الذي لا مثيلَ له، قالَ تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُمْ أَزوَاجًا وَمِنَ الْأَنعَامِ أَزوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُم فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).

 فمَن ادّعى معرفتَهُ تعالى وألحدَ في توحيدِه، فما عرفَ اللهَ بالضرورة، فالمُرادُ مِن معرفةِ التوحيدِ معرفتهُ تعالى متوحّداً بالألوهيّة.

وإذا كانَ التوحيدُ هوَ معرفتهُ، فلا سبيلَ إلى معرفتِه إلّا بتعريفِه نفسِه إلى العباد، فيعرفونَهُ تعالى بتعريفِه.

ولا سبيلَ لمعرفتِه عبرَ التصوّرِ والتوهّم؛ لأنَّ ذاتَه تعالى تتقدّسُ عن المعلوميّةِ والمفهوميّة، فاللهُ سُبحانَه وتعالى لا يُعرَفُ بالعقولِ ولا تدركهُ الأبصار، ولا تحيطهُ الأوهام، بل لم يجعَل طريقاً إلى معرفتِه إلّا بالعجزِ عن معرفتِه، فهوَ الدالُّ على ذاتِه بذاته، ومُنزَّهٌ عن مُجانسةِ مخلوقاتِه، وهوَ المُتفضّلُ على العبادِ بتعريفِ نفسِه، معرفةً تخرجهُ عن الحدّين: حدّ التعطيلِ وحدّ التشبيه، بمعنى إثباتُه دونَ إدراكِ كُنهِه وذاتِه؛ لأنّه أعظمُ مِن أن تنالَهُ خطراتُ القلوبِ ودقائن يقُ الأوهام، وليسَ بمقدورِ الإنسانِ إذا أرادَ أن يعرفَ أعرف، فأيُّ شيءٍ يمكنُ أن يكونَ طريقاً إلى معرفتِه وهوَ خارجٌ عن هيمنتِه وقُدرتِه؟

وعليهِ إنَّ أساسَ التوحيدِ هو تمييزُ اللهِ عن خلقِه، بحيثُ يكونُ بايناً عنهم بينونةً في الصّفةِ لا في العُزلة، فلا شيءَ يجمعُ بينَ الله وبينَ خلقِه، فهوَ المُتفرّدُ في وحدانيّتِه، لا يشبهُه شيءٌ مِن خلقِه بأيّ وجهٍ منَ الوجوه، فهوَ ممتازٌ عن خلقِه وباينٌ عنهم بينونةً حقيقيّةً في جميعِ شؤونِه، يقولُ الإمامُ عليّ عليهِ السلام: (دليلُه آياتُه.. ووجودُه إثباتُه.. ومعرفتُه توحيده.. وتوحيدُه تميّزُه مِن خلقه.. وحكمُ التمييزِ بينونةُ صفةٍ لا بينونةُ عُزلة.. إنّه ربٌّ خالقٌ غيرُ مربوبٍ مخلوق، كلُّ ما تُصُوِّرَ فهوَ بخلافِه)، ويقولُ الإمامُ الرّضا عليهِ السلام: (مباينتُه إيّاهُم مفارقتُه إنيّتَهم.. كنهُه تفريقُ بينِه وبينَ خلقِه.. مباينٌ لا بمسافة، فكلُّ ما في الخلقِ لا يوجدُ في خالقِه، وكلُّ ما يمكنُ فيه يمتنعُ عن صانعِه)، وعن الإمامِ الصادقِ عليهِ السلام: (إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى خلوٌّ مِن خَلقِه، وخَلقُه خلوٌ منه).

وهذهِ المعارفُ مِن مُختصّاتِ علومِ أهلِ البيت (عليهم السلام) ليسَ لها مثيلٌ في المذاهبِ الأخرى، فقد تورّطَ مَن فارقَ أهلَ البيت في التشبيهِ والتجسيمِ فوصفوا اللهَ بما لا يليقُ به سبحانَه وتعالى.

ويبدو أنَّ هذهِ الشُّبهَ المنسوبةَ للدّكتور نضال نعيسة ناظرةٌ إلى عقائدِ الحنابلةِ والحشويّة، حيثُ احتوَت كتبُهم على عقائدَ مُخالفةٍ للعقلِ والفطرةِ السليمة، واشتملَت رواياتُهم على الأخبارِ التي تنسبُ للهِ التشبيهَ والتجسيم، فقبلوها كما هيَ دونَ تدقيقٍ في أسانيدِها ومعانيها.

ينقلُ محمود أبو ريّة في كتابِه (أضواءٌ على السنّةِ المُحمّدية) كلاماً لرشيد رضا يقولُ فيه: (فبلغَ بهم التقليدُ إلى حدِّ أن صاروا يأخذونَ بظواهرِ كلِّ ما رواهُ الرواةُ منَ الأخبارِ والآثارِ الموقوفةِ والمرفوعةِ والموضوعةِ والمصنوعة، وإن كانَت شاذّةً أو مُنكرةً أو غريبةً أو منَ الاسرائيليّات مثلما رويَ عن كعبٍ ووهبٍ و.. أو معارضةً بالقطعيّاتِ التي تعدُّ مِن نصوصِ الشرعِ ومُدركاتِ الحسِّ ويقينيّاتِ العقل، ويكفّرونَ مَن أنكرَها ويفسّقونَ مَن خالفها...).

وإذا كانَ التعاملُ مع الأحاديثِ بهذهِ الصّورة، فلا محالَ أن تكونَ العقائدُ الإسلاميّةُ أسيرةً للأحاديثِ الموضوعةِ والاسرائيليّات التي قامَ اليهودُ بدسّها في المُعتقداتِ الإسلاميّة.

ولذلكَ لا بدَّ أن تخضعَ دراسةُ الحديثِ إلى الأساليبِ العلميّةِ والمنطقيّة، وليسَ كما قالَ إبنُ حنبل في رسالتِه: (فنروي الحديثَ كما جاءَ على ما رويَ، نصدّقُ به ونعلمُ أنّه كما جاء)

فبتصديقِهم لهذهِ الأحاديثِ وقعوا في التشبيهِ والتجسيم، قالَ الشهرستانيّ: (أمّا مُشبّهةُ الحشويّةِ فقد أجازوا على ربّهم المُلامسةَ والمُصافحة، وأنَّ المُسلمينَ المُخلصينَ يعانقونَهُ سبحانَه في الدّنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضةِ إلى حدِّ الإخلاص)

ونذكرُ هُنا بعضَ النماذجِ لتلكَ الأحاديثِ التي نُسبَت زوراً وكذباً لرسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهيَ مِن كتابِ السنّةِ لعبدِ الله أحمد بنِ حنبل، وكتابِ التوحيدِ لابنِ خزيمة وهما مِن أهمِّ مصادرِهم العقائديّة، وسوفَ يرى السّائلُ مصدرَ هذهِ الشبهةِ التي يثيرُها أعداءُ الدين، وهيَ عندنا أحاديثُ مكذوبةٌ لا يمكنُ التصديقُ بها لأنّها تؤدّي إلى الكفرِ باللهِ تعالى.

روى عبدُ الله بنُ أحمد قالُ: حدّثني أبي.. بإسنادِه عن أبي عطاف قالَ: (كتبَ اللهُ التوراةَ لموسى بيدِه وهوَ مُسنِدٌ ظهرَه إلى الصّخرةِ في ألواحٍ مِن دُر، يسمعُ صريفَ القلمِ ليسَ بينَه وبينَه إلّا الحجاب).

وفي كتابِ التوحيدِ لابنِ خُزيمة بإسنادِه عن أنس بنِ مالك، قالَ: قالَ رسولُ الله (ص): لمّا تجلّى ربُّه للجبلِ رفعَ خُنصرَه وقبضَ على مفصلٍ مِنها فانساخَ الجبل، فقالَ له حميد: أتحدّثُ بهذا؟ فقالَ: حدّثنا أنسٌ عن النبي (ص) وتقولُ لا تحدِّث به؟) وبذلكَ يكونونَ قد أثبتوا للهِ اليدَ، ومنَ اليدِ الاِصبع، ومنَ الاصبعِ الخُنصر، ومنُ الخُنصر المِفصل.!!!

كما أثبتوا أنَّ له ذراعينِ وصدراً، حيثُ قالَ عبدُ الله حدّثني أبي.. وذكرَ الإسنادَ عن عبدِ الله بنِ عمرو قالَ: خُلقَت الملائكةُ مِن نورِ الذراعين والصّدر). وقالَ بإسنادِه عن أبي هُريرة عن رسولِ الله (ص): (إنَّ غلظَ جلدِ الكافرِ إثنانِ وسبعونَ ذراعاً بذراعِ الجبّار، وضرسُه مثلَ ذلك).

وعن عبدِ الله بنِ أحمد بنِ حنبل بإسنادِه عن أنسِ بنِ مالك قالَ: قالَ رسولُ الله (ص): (يُلقى في النارِ فتقولُ هل مِن مزيد حتّى يضعَ قدمَهُ أو رجلَهُ عليها فتقول: قط قط)، وروى ابنُ خزيمة عن أبي هُريرة عن رسولِ الله (ص) قالَ: (وأمّا النارُ فلا تمتلئُ حتّى يضعَ اللهُ رجلهُ فيها، فتقول قط قط، فهنالكَ تمتلئ).

وعن عبدِ الله بنِ أحمد بسندِه: (إذا تكلّمَ اللهُ بالوحي سمعَ أهلُ السّماءِ صلصلةً كصلصلةِ الحديدِ على الصّفا).

وعن عبدِ الله بنِ أحمد بنِ حنبل بإسنادِه عن عُمر قال: (إذا جلسَ على الكُرسي سُمِعَ له أطيطٌ كأطيط الرّحلِ الجديد) أي كصوتِ سرجِ الناقةِ بالرّاكبِ الثقيل.

وقالَ بإسنادِه إلى عبدِ الله بنِ خليفة قالَ: (جاءَت امرأةٌ إلى النبيّ (ص) فقالَت: ادعُ اللهَ أن يُدخلني الجنّة، قالَ: فعظّمَ الرّب، وقالَ: وسعَ كُرسيُّه السّماواتِ والأرض، إنّه ليقعدُ عليه فما يفضلُ مِنه إلّا قيدُ أربعِ اصابع وإنَّ له أطيطاً كأطيطِ الرّحلِ إذا رُكب) وزادَ ابنُ خزيمة: (مِن ثقلِه).

وغيرُ ذلكَ منَ الأحاديثِ المكذوبةِ على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

 وقد وقفَ أئمّةُ الحقِّ مِن أهلِ البيت (عليهم السّلام) في وجهِ هذا الانحرافِ وبيّنوا الاعتقادَ الصّحيحَ في اللهِ تعالى، فحينَما سُئلَ الإمامُ الصّادقُ (عليهِ السلام) أينَ كانَ ربُّنا قبلَ أن يخلقَ سماءً أو أرضاً؟ فقالَ (عليهِ السلام): "أينَ سؤالٌ عن مكان، وكانَ اللهُ ولا مكان"، وسُئلَ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام) بمَ عرفتَ ربّك؟ فقالَ: "بما عرّفني به. قيلَ: وكيفَ عرّفك؟ قالَ: لا تشبهُهُ صورةٌ، ولا يحسُّ بالحواس، ولا يقاسُ بقياسِ الناس".

 والرّواياتُ في هذا البابِ لا تُحصى ونكتفي هُنا بنقلِ روايةٍ واحدةٍ عن أميرِ المؤمنينَ ففيها التوحيدُ الصّافي الذي ينزّهُ اللهَ عن كلِّ تشبيهٍ بخلقه، قالَ عليه السلام: (الحمدُ للهِ الذي لا يبلغُ مِدحتَهُ القائلون، ولا يُحصي نعمَهُ العادّون، ولا يؤدّي حقَّه المُجتهدون، الذي لا يُدركهُ بُعدُ الهِمم، ولا ينالهُ غَوصُ الفِطَن، الذي ليسَ لصفتِه حدٌّ محدود، ولا نعتٌ موجود، ولا وقتٌ معدود، ولا أجلٌ ممدود، فطرَ الخلائقَ بقُدرته، ونشرَ الرياحَ برحمتِه، ووتَّدَ بالصّخورِ مَيَدانَ أرضِه، أوّلُ الدينِ معرفتُه، وكمالُ معرفتِه التصديقُ به، وكمالُ تصديقِه توحيدُه، وكمالُ توحيدِه الإخلاصُ له، وكمالُ الإخلاصِ له نفيُ الصّفاتِ عنه، لشهادةِ كلِّ صفةٍ أنّها غيرُ الموصوف، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنّه غيرُ الصّفة، فمَن وصفَ اللهَ سُبحانه فقَد قرنَه، ومَن قرنَه فقد ثنّاه، ومَن ثنّاهُ فقد جزّأه، ومَن جزّأه، فقَد جهلَه، ومَن أشارَ إليه فقَد حدَّه، ومَن حدَّه فقَد عدَّه، ومَن قالَ فيمَ؟ فقَد ضمَّنَه، ومَن قالَ علامَ؟ فقد أخلى مِنه، كائنٌ لا عَن حدث، موجودٌ لا عَن عدم....) 

وفي المُحصّلةِ هذهِ الشبهةُ لا تنطبقُ على توحيدِ مدرسةِ أهلِ البيت (عليهم السلام)، وإذا كانَت تنطبقُ على توحيدِ الحنابلةِ والحشويّة فعليهم هُم التصدّي لها.