هل حقائق القرآن لا يدعمها الدليل العقلي؟

يقولُ ريتشارد دوكينز في كتابِه وهمُ الإله: "الحقيقةُ في الكتبِ المُقدّسةِ تُعتبَرُ منَ البديهيّاتِ وليسَت نتيجةَ بُرهانٍ عقلانيّ، لأنّه لا دليلَ واقعيَّ عليها. إنَّ كلَّ قارئٍ يستطيعُ أن يفحصَ الأدلّةَ. عندَما يُخطئُ كتابٌ علميٌّ ما فإنَّ شخصاً ما سيكتشفُ الخطأ ويتمُّ تصحيحُه في الكتبِ التي تليه. لكنَّ شيئاً كهذا لا يحصلُ أبداً معَ الكُتبِ المُقدّسةِ؛ وتلكَ هيَ الكارثة"

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

أوّلاً: هذا الكلامُ وإن كانَ في ظاهرِه يشملُ جميعَ الكتبِ السّماويّة إلّا أنَّ الذي يبدو أنَّ مقصودَ ريتشارد هوَ ما في أيدي اليهودِ والنّصارى مِن كُتبٍ مُقدّسة.

والدّليلُ على ذلكَ اعترافهُ بعدمِ معرفتِه بالقرآنِ الكريم حيثُ قال: "أنا لم أقرأ القرآنَ ولا أستطيعُ ذكرَ رقمِ الجُزءِ ولا رقمَ الآيةِ كما أفعلُ بالإنجيلِ ولكن بالتأكيدِ الإسلامُ اليوم هوَ أكبرُ مصدرٍ للشرّ!!"

وقالَ: "أنا لستُ مُتخصّصاً في القرآن، وبالتأكيدِ ليسَ لديَّ علمٌ بالقرآن كما هوَ الحالُ بالنسبةِ لي بالنسبةِ للإنجيل. إنَّ تقييمي للإسلامِ يستندُ بشكلٍ أساسيّ إلى ما قالَه الدّعاةُ الإسلاميّونَ ومؤيّدُوهم، وما قرأتُه عن الإسلامِ في الصّحفِ والمجلّاتِ والكتبِ والإنترنت، وكذلكَ إلى المُقارنةِ بينَ الأديانِ ودراسةِ التشابهاتِ والاختلافاتِ بينَها. ومعَ ذلكَ، فإنَّ الكثيرَ منَ النّصوصِ المُقدّسةِ المُتعلّقةِ بالإسلامِ والمُعتقداتِ الإسلاميّةِ المُختلفة يمكنُ أن تتحلّلَ بنفسِ الطريقةِ التي نُحلّلُ بها النصوصَ المُقدّسةَ الأخرى، مثلَ الإنجيلِ والتوراةِ والفيدا".

وقالَ أيضاً: "لا يمكنُني أن أدلي بدلوي في المُناظراتِ الدينيّةِ حولَ القرآنِ الكريم، ولستُ مؤهّلاً لتقييمِ جودةِ الترجماتِ الحديثةِ للقرآن. ومعَ ذلك، فإنَّ بعضَ المفاهيمِ الأساسيّةِ للإسلام، مثل التوحيدِ والنبوّةِ والجنّةِ والنار، يمكنُ تحليلُها ومقارنتُها معَ المفاهيمِ المُماثلةِ في الأديانِ الأخرى، وكذلكَ تحليلُ ما يقالُ حولَ الشريعةِ الإسلاميّة وما يُطبّقُ عليها مِن عقوباتٍ وما إلى ذلك".

وعليهِ لا يمكنُ قبولُ رأيهِ أو تقييمِه للقرآنِ الكريم وهوَ جاهلٌ به، أمّا رأيُه في التوراةِ والإنجيل فنحنُ لا نتبرّعُ بالدّفاعِ عَنهما لِما وقعَ فيهما مِن تحريفٍ وتبديل.

ثانياً: منَ الطبيعيّ أن يكونَ رأيُ المُلحدِ الذي لا يعترفُ بوجودِ اللهِ سلبيّاً في كلِّ الأديان بما فيها الإسلام، وعليهِ لا يمكنُ مناقشتُه حولَ الكتبِ السماويّة قبلَ الفراغِ مِن مُناقشةِ وجودِ اللهِ تعالى، فإذا ثبتَ أنَّ لهذا الكونِ إلهاً وإنَّ لهذا الإلهِ أنبياءَ ورُسلاً فحينَها سيكونُ ريتشارد مُضطرّاً للقبولِ بالقرآنِ لعدمِ وجودِ كتابٍ في العالمِ يمكنُ أن يُعبّرَ عن رسالةِ اللهِ للإنسانِ غيرَ القرآنِ الكريم.

ثالثاً: ما ذكرَهُ ريتشارد مُجرّدُ كلماتٍ مُرسلةٍ ليسَ فيها أيُّ دليلٍ يمكنُ الوقوفُ عندَه ومِن ثمَّ مناقشتُه، فالدّعاوى يمكنُ أن تُقابلَ بدعاوى، ومنَ السهلِ جدّاً تحريفُ ما ذكرَه ريتشارد على النحوِ التالي: "الحقيقةُ في الكتبِ المُقدّسةِ وبخاصّةٍ القرآن منَ البديهيّاتِ الواضحةِ فهيَ مُنسجمةٌ معَ الفطرةِ ومُستندةٌ إلى البرهانِ العقليّ، وإذا كانَت الكتبُ البشريّةُ بطبيعتِها يشوبُها الاختلافُ والتناقضُ فتحتاجُ بشكلٍ دائمٍ إلى التصحيحِ والتقويمِ فإنَّ القرآنَ على خلافِ ذلكَ لأنّه الكتابُ الوحيدُ الذي ليسَ فيهِ تناقضٌ واحد، وهذا دليلٌ على أنّه منَ اللهِ تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا)، وهذهِ هيَ ميّزةُ القرآنِ على جميعِ الكتبِ البشريّة"

رابعاً: كلُّ ما في القرآنِ الكريم مِن حقائقَ اعتقاديّةٍ أو آدابٍ سلوكيّةٍ قابلٌ للاستدلالِ العقلي، ابتداءً منَ الإيمانِ بوجودِ اللهِ تعالى إلى آخرِ تفصيلٍ عِبادي، ولذا قيل: كلُّ ما حكمَ به الشرعُ حكمَ به العقلُ وكلُّ ما حكمَ به العقلُ حكمَ به الشرع، وكتبُ الكلامِ والأصولِ مليئةٌ بهذهِ الأمثلة.