مصطلح الإمامة

: اللجنة العلمية

الإمامة لغة:

الإمامة من الأمّ، وهو القصد المستقيم والتوجه نحو المقصود، ومنه قوله تعالى: ((ولا آمين البيت الحرام))(1).

وتأتي بمعنى التقدم، فيقال: أمّ القوم وأمّ بهم، إذا تقدّمهم وصار لهم إماماَ(2)، وجمعه أئمة(3).

الإمامة اصطلاحاً:

تطلق الإمامة في اصطلاح الفقهاء على ثلاثة معانٍ:

1ـ الإمامة المنصوصة من قبل الله تعالى، بمعنى خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) ووصايته من قبل الله سبحانه وتعالى، وهم خصوص الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

2ـ الإمامة العامة، بمعنى الحاكمية وولاية الأمر.

3ـ الإمامة في الصلاة (إمامة الجمعة والجماعة).

وإذا أُطلق مصطلح الإمامة بلا قيد فإنّه ينصرف إلى الإمامة العظمى والولاية الكبرى، وهو الإمام المعصوم (عليه السلام) الذي جعل من قبل الله تعالى إماماً، وقدوة للناس، ومفترض الطاعة على العباد(4).

الإمامة في الاستعمال:

وفي الاستعمال توسّع في معناها حتى شمل كلّ من صار قدوة في فنٍ من فنون العلم؛ ولذا شاع استعماله بمفهومه العام في الكتاب والسنة. قال تعالى: ((يوم ندعوا كل أُناسٍ بإمامهم))، أي بالذي يقتدون به، محقاً كان أو مبطلاً(5). وبذلك يتوضح لنا مدى التوسّع في الاستخدام الذي تجاوز الإمام المعصوم (عليه السلام)، وتجاوز حكم الرعية، وتجاوز إدارة أمور الدين.

تعريف المتكلمين للإمامة:

لقد عرف المتكلمون الإمامة بوجوه منها:

1ـ الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا(6).

2ـ الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة(7).

3ـ الإمامة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا(8).

4ـ الإمامة رئاسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنيوية، وزجرهم عما يضرهم بحسبها(9).

الإمامة والألفاظ ذات الصلة:

هناك بعض الألفاظ ذات الصلة بالإمامة، لا بدّ لنا من توضيحها وهي:

1ـ الولاية:

وهي ـ لغة ـ مصدر بمعنى القيام بأمر شيء والتسلط عليه، تقول: ولي الشيء ولاية، أي ملك أمره وقام به(10).

وتقع في الاصطلاح مرادفة للإمامة إذا استعملت في التولي لأمور المسلمين بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، حيث صرحت الأخبار بإمامتهم. 

وقد استعملها الفقهاء في أصناف متفرقة من الولايات، كولاية الأب في تزويج البنت، وولاية القضاء والجائر، فتكون الولاية ـ بهذا المعنى ـ أعم من الإمامة.

2ـ الخلافة: 

الخِلافة ـ بالكسر ـ تأتي بمعنى الإمارة(11). ويقال: خلف فلان مكان أبيه، إذا جاء بعده فصار مكانه، فهو خليفة(12)، وتأتي أيضاً بمعنى الإمامة(13). والفرق بينهما أنّ الإمامة مأخوذة من التقدّم، فهو المتقدّم فيما يقتضي وجوب الاقتداء بغيره، وفرض طاعته فيما تقدم فيه(14).

نعم، إنّ الخلافة الكبرى والرئاسة العظمى مرادفة لزعامة الأئمة وإمامتهم (عليهم السلام)، وفي الحقيقة هذه خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين والدنيا(15).

3ـ الاقتداء:

الاقتداء: بمعنى الاتباع، تقول اقتدى به: فعل مثل فعله؛ تشبهاً به(16).

وفي التنزيل العزيز: ((فبهداهم اقتده))، سواء كان ذلك في صلاة أم غيرها، فالمأموم يقتدي بالإمام ويتأسى به، فيعمل مثل عمله. ويطلق على المقتدى به أنه قدوة وأسوة(17). كما يطلق عليه إمام الجماعة؛ لأنّه قدوة للناس(18).

4ـ الإمارة:

الإمارة لغة: الولاية، فإذا كانت عامة ساوقت الخلافة والولاية، ومنه تظهر نسبتها مع الإمامة، وأمّا إذا كانت خاصة كإمارة الحج أو الجيش أو ناحية خاصة من بلاد المسلمين فتكون أخصّ من الإمامة بمعناها العام، ومباينة بمعنى إمامة الصلاة.

أنواع الإمامة:

تقع الإمامة على أنواع هي:

الأول: الإمامة المنصوصة من قبل الله تعالى:

فالإمامة هي رئاسة دينية عامة، مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنيوية، وزجرهم عمّا يضرهم(19). وهي ثابتة من قبل الله تعالى للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وقد ثبت بالأدلة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) نص بأمر الله تعالى على إمامتهم(20)، وأنّ لهم مقام السلطنة والرئاسة والسياسة من قبل الله تعالى.

فالإمامة ـ بهذا النوع الأول ـ هي امتداد للنبوة، وهي حصن الدين وسوره ودعامته التي لا يستقيم إلا بها، ومن البديهي أنّ هذا المنصب من أعظم المناصب.

الثاني: الإمامة العامة:

أي الولاية العامة، ويعبّر عنها بولاية الأمر. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الإمامة العامة تثبت في عصر غيبة الإمام (عليه السلام) للفقيه الجامع للشرائط؛ حيث انّ العلة لجعل الإمامة تقتضي امتداد الولاية والإمامة لعصر الغيبة. 

الثالث: الإمامة في الصلاة:

يقصد بالإمامة في الصلاة الإمامة في صلاتي الجمعة والجماعة، ولهذا المورد شروطه وشرائطه التي محلها كتب الفقه.

شروط الإمامة الحقة:

لقد أورد العلماء جملة شروط لا بدّ من تحققها في الإمام، ليكون إماماً حقاً يهدي إلى الحق كما في الآية }35{ من سورة يونس المباركة، وهذه الشروط هي(21):

1ـ إنّ الإمامة مجعولة.

2ـ إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً بعصمة إلهية.

3ـ إنّ الأرض وفيها الناس، لا تخلو عن إمام حق.

4ـ إنّ الإمام يجب أن يكون مؤيداً من عند الله تعالى.

5ـ إنّ أعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام.

6ـ إنّه يجب أن يكون عالماً بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم ومعادهم.

7ـ إنّه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس.

مقدمات مهمة لفهم الإمامة:

1ـ النبي (صلى الله عليه وآله)، هو خاتم النبيين وأنّ الخلافة هي سنَّة مستمرة بين الأنبياء (عليهم السلام) حتى لا تخلو الأرض من حجة.

2ـ جاءت الإمامة لحفظ ما أنجزه الأنبياء (عليهم السلام) وإتمام دورهم في هداية الناس إلى كمالهم الروحي والأخلاقي وكل ما يرتبط في حياتهم وآخرتهم ويكون ذلك على يدي إنسان يتمتع بنفس مواصفات النبي من الكفاءة والمؤهلات ويمتلك كل مناصب النبي إلا النبوّة والرسالة. 

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم للَّه بحجة، إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج اللَّه وبيناته))(22).

3ـ في قضية من يختار الإمام، فإنّ مسألة الإمامة ليست مسألة سهلة، بل لها من الأهمية والخطورة بحيث لا يمكن أن يقوم بها وبمهامها إلا من اختصه اللَّه تعالى بصفات خاصة، لذلك لم يترك أمر اختيار أصحابها إلى الناس، بل كانوا يعيّنون من قبل اللَّه تعالى على لسان من سبقهم من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام).

4ـ الإمام يجب أن يتمتع بصفات ومؤهلات كثيرة كالعصمة تماماً كما كانت شرطاً في النبوة.

5ـ قال تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))(23)، فاللَّه تعالى أراد لأهل البيت (عليهم السلام)، باعتبار أنّهم أصحاب المنصب الإلهي أن يكونوا مطهَّرين من الأنجاس والأرجاس.

6ـ قد اشتهر بين الشيعة الإمامية أنّ دليل (اللطف) هو أحد الأدلة والبراهين التي تثبت وجوب الإمامة عقلياً، فقاعدة اللطف تقتضي أن يبعث الله الأنبياء والائمة (عليهم السلام) ليقربوا الناس من طاعة الله تعالى ويبعدونهم عن معصيته.

7ـ لقد اتفقت كلمة علماء أهل السنة بأكثرهم على أنّ الإمامة من فروع الدين، وليست من الأصول، كالغزالي(24)، والآمدي(25)، والأيجي(26)، والتفتازاني(27)، وابن خلدون(28).

8ـ أما الشيعة الإمامية فهم يرون بأنّ الإمامة التي هي (لطف) مسألة أصولية كلامية، حالها حال النبوة، سوى تلقي الوحي التشريعي، والإتيان بالشريعة (الرسالة)، وبذلك تكون مسألة الإمامة من المسائل الأصيلة في أصول الدين والعقائد(29).

أسس الإمامة:

لا بدّ انّ نتطرق لأهم الأسس في الإمامة، وهي:

1ـ إنّ الإمامة جعل إلهي: فالنصوص القرآنية المباركة قد وضّحت ذلك، ومنها النص الجلي الواضح في قضية نبي الله إبراهيم (عليه السلام).

قال تعالى: ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))(30).

وهذه الآية المباركة تؤكد على أنّ الإمامة هي عهد وجعل واختيار واصطفاء إلهي لشخصٍ معين تتوفر فيه الصفات المطلوبة ليكون محل أهلية ذلك المنصب الإلهي.

2ـ الإمامة غير النبوة: إنّ الآية (124) من سورة البقرة المباركة ـ المتقدمة ـ تكشف كون الإمامة غير النبوة، قال تعالى ((إِنِّي جَاعِلُكَ))؛ ذلك أنّ (اسم الفاعل في ـ الآية المباركة ـ (جاعل) لا يعمل في المفعول (إماماً) إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، ولا يعمل في الماضي، وحيث أنّ النبوة كانت ثابتة مسبقاً لإبراهيم (عليه السلام)، فلا بدّ ان يكون إعطاء الإمامة لإبراهيم (عليه السلام) في الحال أو الاستقبال، أي بعد نبوته)(31).

3ـ الإمامة مكملة لمشروع النبوة: فإنّ الإمامة الإلهية الحقيقية المجعولة من الله تعالى هي امتداد لمهام الأنبياء، وإكمال لرسالات السماء.

قال تعالى: ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ))(32).

قال السيوطي في تفسير الآية (7) من سورة الرعد في تفسير الدر المنثور: (أخرج ابن مردويه عن برزة الأسلمي، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ)، ووضع يده على صدر نفسه، ثم وضعها على صدر علي ويقول (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)...)(33).

4ـ لا بدّ أن يكون الإمام معصوماً: فلقد كشفت الآية (124) من سورة البقرة بأنّ العهد والجعل لا يناله الظالم، في إشارة إلى أنّ من ينال العهد له شروطه الخاصة.

قال تعالى: ((لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))(34).

فيتضح بأنّ الإمام المجعول والمنصوص عليه من الله سبحانه وتعالى؛ لا بدّ أن يكون معصوماً، وشرط العصمة قد أكدته الآية المباركة، وأكدته كذلك آية التطهير، ونص عليه حديث الثقلين، وغير ذلك من الأدلة الكثيرة، والتي دلت على عصمة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

5ـ القيادة الدنيوية غير القيادة الدينية: فإنّ اللبس قد أصاب عقولاً كثيرة، بأن قرنوا ما بين كرسي الحكم والإمامة الإلهية، وهذه مقارنة غير صحيحة، فالإمام إمام سوى استلم كرسي الحكم أم لا، والإمام إمام سوى كان قائداً أو فرداً من أفراد الأمة، فالإمامة الإلهية شيء، والمناصب الدنيوية شيء آخر.

إنّ دور الإمام المعصوم المنصب من قبل الله تعالى والمنصوص عليه لا ينحصر في الحكومة الدنيوية أو السياسية، وهذه النقطة بالتحديد محل التباس عند أهل السنة عموماً وعند طوائف وجماعات من الشيعة بشكلٍ خاص. 

إنّ الإمامة هداية للأمة في جميع مجالات الحياة، وهداية الأمة يقتضي نوعاً من القيادة أو الإرشاد، فلا بدّ أن يكون هناك مرشد يرشد الباقين، بل إنّ القيادة ضرورة عقلية، فلو كان هناك مائة نبي في نفس الوقت لتحتم أن يكون فيهم قائد ومرشد للباقين، وتلك سنة إلهية لا يمكن انكارها. 

وأكبر دليل على ما تقدم هو: أن إقصاء أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن موقع القيادة لم يؤثّر على إمامتهم، ذلك أنّ إمامتهم قد ثبتت بالجعل الإلهي، كما وأنّه لن يؤثّر عليهم قبول الأمة بذلك من عدمه، فالجعل الإلهي والنص النبوي قد بيّن مكانتهم، وهذا ما يؤمن به المؤمنون حقاً.

حدود الإمام المستحق للإمامة:

في هذا الصدد يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حول حدود الإمام المستحق للإمامة: ((وأما حدود الإمام المستحق للإمامة؛

فمنها: أن يعلم الإمام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في الفُتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا.

والثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وضروب أحكامه وأمره ونهيه، وجميع ما يحتاج إليه الناس، فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم.

والثالث: يجب أن يكون أشجع الناس؛ لأنّه فئة المؤمنين التي يرجعون إليها، إن انهزم من الزحف انهزم الناس لانهزامه.

و الرابع: يجب أن يكون أسخى الناس، وإن بخل أهل الأرض كلهم؛ لأنه إن استولى الشح عليه شح على ما في يديه من أموال المسلمين.

والعصمة: من جميع الذنوب، وبذلك يتميّز عن المأمومين الذين هم غير معصومين؛ لأنّه لو لم يكن معصوماً لم يؤمن عليه أن يدخل فيما يدخل الناس من موبقات الذنوب المهلكات، الشهوات واللذات. ولو دخل في هذه الأشياء لاحتاج إلى من يقيم عليه الحدود، فيكون حينئذ إماماً مأموماً، ولا يجوز أن يكون الإمام بهذه الصفة... ))(35).

صفات الإمام:

وعن صفات الإمام يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (( فثبت أنّه لا بد من إمام عارف بجميع ما جاء به محمد النبي من كتاب الله تعالى بإقامة المقدم ذكرها؛ يجيب عنها و عن جميع المشكلات، وينفي عن الأمة مواقع الشبهات، لا يزال في حكمه، عارف بدقيق الأشياء وجليلها ، يكون فيه ثمان خصال يتميز بها عن المأمومين، أربع منها في نعت نفسه ونسبه، وأربع في صفات ذاته وحالاته.

فأمّا التي في نعت نفسه، فإنه ينبغي أن يكون معروف البيت، معروف النسب، منصوصاً عليه من النبي (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله سبحانه، بمثله تزول دعوى من يدّعي منزلته بغير نص من الله سبحانه ورسوله، حتى إذا قدم الطالب من البلد القريب والبعيد أشارت إليه الأمة بالكمال والبيان.

وأمّا اللواتي في صفات ذاته، فإنّه يجب أن يكون أزهد الناس، و أعلم الناس، و أشجع الناس، و أكرم الناس، و ما يتبع ذلك لعلل تقتضيه...))(36).

علم الإمام:

إن الأحاديث التي نصت على علم الإمام وعلى حقيقته وعلى اختصاصه بالعلم دون غيره، بل انحصار العلم به فقط كثيرة سنورد جملة منها والتي منها:

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (( يا سلمان، الويل كل الويل لمن لا يعرفنا حق معرفتنا و أنكر فضلنا.

يا سلمان، أيما أفضل: محمد (صلى الله عليه وآله)، أم سليمان بن داود؟

فقال سلمان: بل محمد (صلى الله عليه وآله).

قال (عليه السلام): فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من مكانه إلى سليمان في طرفة عين؛ إذ كان عنده علم من الكتاب، وكيف لا أفعل أنا أضعاف ذلك وعندي علم ألف كتاب. أنزل الله على شيث بن آدم خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة، وعلم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

فقال: صدقت يا سيدي.

قال: أعلم ـ يا سليمان ـ إن الشاك في أمرنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا، وقد فرض ولايتنا في كتابه في غير موضع، وبيّن فيه ما وجب العمل به، وهو غير مكشوف ))(37). 

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لهشام: ((ويك يا هشام لا يحتج الله تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه))(38).

مصادر علم الأئمة (عليهم السلام):

إنّ من الأمور المهمة والواجب معرفتها هي مصادر علم الأئمة ومن أين يحصل لهم هذا الاطلاع الواسع على أمور الدين والدنيا، إنّ هذه المصادر متنوعة وكثيرة منها(39):

1ـ العلم الكامل بكتاب الله تعالى:

وذلك بنحو كونهم يلّمون فيه، بمعرفة تفسيره وتأويله وباطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه.

2ـ الوراثة من النبي (صلى الله عليه وآله):

فالمصدر الثاني من مصادر علوم الأئمة (عليهم السلام) هو الوراثة من النبي (صلى الله عليه وآله) بمعنى ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد علم علياً (عليه السلام) جميع العلوم وشرائع الإسلام، ثم انتقل هذا العلم إلى أولاده من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) نسلاً بعد نسل.

3ـ إلقاء روح القدس:

ويفهم من روايات أهل البيت (عليهم السلام) بأنّ روح القدس هي الروح التي كانت مع الرسل والأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) دائماً، وكانت تنقل إليهم الامدادات الغيبية في مختلف الحالات.

4ـ الاتصال بالملائكة:

فمن مصادر علم الأئمة (عليهم السلام) اتصالهم بالملائمة، لا بمعنى أنّهم كانوا من الأنبياء والرسل، فإنّنا نعلم أنّ نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) كان خاتم الأنبياء والرسل، وبوفاته انقطع الوحي، بل المراد أنّهم كانوا كـ(الخضر)، و(ذي القرنين)، و(مريم) حيث كانوا على اتصال بالملائكة بناءً على ظاهر آيات القرآن، وكانت الحقائق تلقى في قلوبهم من خلال عالم الغيب.

5ـ النور الإلهي:

والذي جاء في جملة من الروايات بـ(منار من نور)(40)، وفي أخرى بـ(عمود من نور)(41)، وهو نور إلهي يلقى إليهم، له خصوصيته كونهم أئمة معصومين منصبين منه تعالى.

أفضلية الإمام:

إنّ الإمامة عند الشيعة هي أصل من أُصول الدين، وأنّ الاعتقاد بإمامة (عليهم السلام) الأئمة تعد من لوازم الإيمان الصحيح عندهم، وأنّ منكرها كافر؛ لأنّ الإسلام مبني على الولاية، فلا يمكن أن يخلوا كل عصر من إمام هاد يخلف النبي (صلى الله عليه وآله) في أداء وظائفه ومسؤولياته، بغية إرشاد البشر لما فيه اصلاحهم وسعادتهم في النشأتين، وإقامة العدل، ورفع الظلم والعدوان بينهم، وعلى هذا فالإمامة استمرار لنبوة (النبي صلى الله عليه وآله)، وهي واجبة على الله تعالى، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل والأنبياء هو نفسه يوجب نصب الإمام بعد النبي (صلوات الله وسلامه عليه)(42).

تعيين الإمام:

ذهبت الإمامية كافة إلى أنّ الطريق إلى تعيين الإمام يتم بالنص من الله تعالى، أو نبيه، أو إمام ثبتت إمامته بالنص عليه، أو ظهور المعجزات على يده(43)، وليست هي بالاختيار أو الانتخاب من الناس، وقد أجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة والمتسمون بأصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأجازوا الإمامة في من لا نص عليه ولا توقيف(44). وبما أنّ الإمام يكون باختيار الله تعالى، فهذا يقتضي عصمته من الذنوب؛ باعتبار أنّ صدور المعصية منه يلزم نقض الغرض من نصبه؛ لأنّ الغرض هو انقياد الأمة له وامتثال أوامره واتباعه فيما يفعله، فلو وقعت المعصية منه لم يجب شيء من ذلك وهو مناف لنصبه(45)، وهذا ما أكده العلامة الحلي حين قال: (وامتناع التسلسل يوجب عصمته، ولأنّه حافظ للشرع، لوجوب الانكار عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة، ويفوت الغرض من نصبه، ولانحطاط درجته عن أقل العوام)(46).

وظائف الإمام وصلاحياته:

إنّ الإمامة ـ في حقيقتها ـ استمرار لوظائف النبوة، وفي كافة مجالاتها. وأنّ المسؤوليات التي تقع على عاتق النبي، هي نفسها الواقعة على عاتق الإمام. وبالتالي فالصلاحيات التي يتمتع بها النبي، والمجالات التي يحق له فيها إعمال أمره ونهيه، وعلى البشر إطاعته، وهي نفسها للإمام.

نعم، يمتاز النبي عن الإمام بأنّ النبي يقول ما يقوله، ويفعل ما يفعله بوحي وإرشاد مباشر من الله تعالى. بينما الإمام يقول ويفعل بتعليمٍ مسبق من النبي.

ويمكن للمتتبع في سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يستكشف المسؤوليات التي كان يتولاها، والصلاحيات التي كان يتمتع بها، وبالإمكان تلخيصها في الأمور التالية:

1ـ تفسير كتاب الله العزيز، وشرح مقاصده، وبيان متشابهاته، وتقرير قصصه وحكمه وأخلاقه وعقائده وبراهينه.

2ـ بيان حكم الله تعالى في الموضوعات التي كانت تحدث وتستجد ولم يكن قد نزل فيها حكم مسبق.

3ـ صيانة الدين في عقائده وشرائعه ومفاهيمه عن الشبهات المضلة والتشكيكات الباطلة التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين.

4ـ صيانة المسلمين عن الانحراف في عقائد الدين وشرائعه ومفاهيمه، بمراقبتهم المستمرة على جميع هذه الأصعدة وتصحيح أية أخطاء تظهر في أفكارهم وأفعالهم.

5ـ حفظ الوحدة بين أبناء المجتمع الإسلامي المتعدد الطوائف، حيث كانت تظهر بين الفينة والأخرى من بعض الأفراد بعض النزعات القبلية والأهواء الجاهلية الموروثة.

6ـ إدارة أمور الدولة الإسلامية التي أوجد (صلى الله عليه وآله) نواتها، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، في جميع آفاقها وأبعادها.

وبناءً على ما قدمناه لك، يكون الإمام مسؤولاً عن هذه الوظائف، ومتمتعاً بنفس هذه الصلاحيات الإجرائية(47).

ما هي مؤهلات الإمام؟

من اليقين أن تكون لشخص الإمام المعصوم مؤهلات خاصة يتمتع بها، ويتميز بها عن غيره، ومن تلك المؤهلات:

أولاًـ الاصطفاء: 

أي الاصطفاء الإلهي منه تعالى لشخص الإمام (عليه السلام) دون غيره من سائر البشر.

فكما يصطفي تعالى الأنبياء من عنده، فإنّه تعالى يصطفي لهم الأوصياء من بعدهم ليتقلدوا تلك المناصب، فهو تعالى قد اصطفى النبي (صلى الله عليه وآله) وكذلك قد اصطفى له أئمة من بعده أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ))(48).

وقال تعالى: ((قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))(49). وآيات قرآنية أخرى(50).

ثانياً ـ العصمة: 

فتلك صفة وشرط لا بد للإمام والوصي على الناس أن يتمتع بها. وعن هذه الصفة يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أن يعلم الإمام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في الفُتيا، ولا يخطئ في الجواب، ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا))(51).

وعن علي بن الحسين (عليه السلام): ((الإمام منا لا يكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك ما يكون إلا منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟

فقال (عليه السلام): المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام...))(52).

أما آراء علمائنا في هذه (العصمة) فهي كثيرة وواضحة في بيانها، ومن هذه الآراء:

1ـ يقول الشيخ المفيد :(العصمة لطف يفعله الله سبحانه بالمكلف؛ بحيث يمتنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة، مع قدرته عليها)(53).

2ـ و قال الخواجة نصير الدين الطوسي:(العصمة هي: كون المكلف بحيث لا يمكن أن يصدر عنه المعاصي، من غير إجبار له على ذلك)(54).

3ـ و قال العلامة الحلي في كتابه الباب الحادي عشر: (العصمة لطف خفي يفعل الله تعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة، وارتكاب المعصية، مع قدرته على ذلك )(55).

فأي فضل سيكون لشخص غير معصوم على الناس، وأي مائز سيكون له، وأي سمة للاصطفاء بلا صفة مائزة وبلا تشريف إلهي كصفة ومائز (العصمة)؟!  

ثالثاً ـ المنصب (منصب الإمامة الإلهية):

وتختلف حقيقة الإمامة عند أهل السنة من المسلمين، عما هي عليه عند الشيعة. فقد فسّرها السنة بما اعتقدوه في الإمامة من الخلافة الظاهرية والإمارة. وقالوا: إنّ الإمامة عند الأشاعرة، هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة، بحيث يجب إتباعه في كافة الأمور(56).

إنّ الإمامة عند الشيعة، أعم من الخلافة الظاهرية، بل يمكن للإمام أن يكون إماماً من دون أن يكون خليفة، فيما لو منعه مانع من استلام زمام الخلافة (الحكم).

يقول الشيخ مرتضى المطهري في المقام: (...لزم علينا أن لا نخلط مسألة الإمامة مع مسألة الحكومة، ونقول: إنّ العامة ماذا تقول؟ ونحن ماذا نقول؟ بل مسألة الإمامة مسألة أخرى، ومفهوم نظير مفهوم النبوة، بما لها من درجاتها العالية. وعليه فنحن معاشر الشيعة نقول بالإمامة، والعامة لا تقول بها أصلاً، لا أنّهم قائلون بها و لكن اشترطوا فيها شرائط أخرى )(57).

خصائص الأئمة (عليهم السلام):

1ـ الصدق: فلو لم تتوفر لديهم هذه الصفة لم يحصل الاطمئنان والثقة اللازم توفرها من أجل اقامة العلاقات المعنوية بين الأتباع والقادة.

2ـ الالتزام بالعهود والمواثيق: لأنّ جانباً عظيماً من دعوتهم يقوم على أساس الوعود التي يمنحونها للناس، فإن لم يكونوا صادقي الوعد تنهار ركائز ثقة العامة بهم.

3ـ الأمانة في المحافظة على الودائع والأحكام الإلهية وابلاغها: حيث إنّها تمثّل إحدى دعائم الثقة والإعتماد.

4ـ المحبة والحرص الفائق تجاه الناس: فلو لم تتوفر هذه الميزة من المستحيل أن يبدي الناس تحمّلاً للعناء والمشقات في قيادة المجتمع، لا سيما الجهلة والمعاندون بالخصوص.

5ـ الاخلاص والتجرد التام وقطع الأمل بكل أجر مادي: وإلا ستفقد الدعوة والقيادة جاذبيتها.

6ـ الاحسان والتفضل بحق الأصدقاء بل وحتى الأعداء: وهي من مظاهر رحمانية الله تعالى ورحيميته، وسبب في إقامة الارتباط المعنوي بين القيادة والقاعدة.

7ـ الشجاعة الفائقة وعدم الخشية إلا من الله تعالى: والتي تعد ميزة أساسية للذين (يبلغون رسالات الله) في القرآن الكريم، لأنّها السر الحقيقي وراء النجاح، وبدونها لا يتقدم العمل في مجال القيادة.

8ـ التوكل المطلق على الله تعالى: فغالباً ما يبقى القائد الرباني وحيداً فريداً ويعزله عن الآخرين الفساد الذي يسود البيئة، فلو لم يكن متوكلاً على الله تعالى فمن المتعذر عليه مواصلة طريقه.

9ـ الرفق وحسن الخلق: فلا بدّ لكل قائد إلهي (سواء كان نبياً أو إماماً) أن يتمتع بالرفق وحسن الخلق، وإلا فإنّ الخشونة والغلظة ستؤدي إلى تفرق الناس وعقم أهداف القائد الإلهي.

10ـ النجاح في الامتحانات القاسية: حيث يعتبر القرآن إعطاء منصب الإمامة لإبراهيم (عليه السلام) كان بسبب نجاحه في اجتياز الامتحان والإبتلاء وتحمله المشاق. فعلى الأئمة المعصومين أن يخرجوا من الامتحانات القاسية ظافرين ليكونوا مؤهلين لقيادة المؤمنين جسماً وروحاً وظاهراً وباطناً. فذلك أَدعى للإتباع، وأسمى للمتَبَع، وهو ما سيميزه وما سيجعله قدوة.

ما بين الإمامة والخلافة:

إنّ موضوع الإمامة والخلافة يعد من المواضيع المتشابكة، والتي كثر فيها الخلط والتي تحتاج إلى توضيح وفرز، فالبعض لا يميز ما بين الإثنين فعنده كلاهما واحد فيعتبرهما مترادفان، والبعض الآخر يخلط ما بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ولا يميز ما بينهما، والبعض يساوي كل معاني (الخلافة) في القرآن الكريم فيظنها واحدة، والبعض يسقط عليها فهمه الخاص أو فهم طائفته ومذهبه، وهنا لا بدّ لنا من توضيح ذلك بأبسط الصور الممكنة.

لقد (ورد مصطلح "خليفة الله في الأرض" في المصطلح الإسلامي بمعنى من اصطفاه الله من البشر وجعله إماماً للناس وحاكماً... وقد جعل الله تعالى خلفاء في الأرض أئمة للناس وآتاهم الكتاب والنبوة...فإنّ من جعله الله خليفة في الأرض يحكم بين الناس، جعله ـ أيضاً ـ إماماً لهم يهديهم بكتاب الله ويبلّغهم شريعته. وبناءً على ذلك يكون أهم وظائف خلفاء الله التبليغ...)(58). ولا بدّ هنا من تبيين أمور مهمة:

أولاً: الخلافة في القرآن الكريم:

إنّ الخلافة في القرآن الكريم قد ذكرت لتعبّر عن مفهوم الاصطفاء والنيابة، سواء أكان من خلال استخلاف النوع الإنساني لتمييزه عن باقي المخلوقات، أو من خلال استخلاف جماعة بشرية معينة من بين الجماعات البشرية الآخرى، أو استخلاف قائد رباني عن بقية أبناء قومه ليكون خليفة لله تعالى عليهم، هذه المعاني الثلاثة موجودة في آيات القرآن الكريم، لذلك نقول: إنّ من الآيات التي ذكرت (خليفة) و(خلافة) و(خلفاء) و(خلائف) هي:

1ـ قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ))(59).

2ـ قال تعالى: ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ))(60).

3ـ قال تعالى: ((أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(61).

4ـ قال تعالى: ((وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ))(62).

5ـ قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ إلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ))(63). وآيات قرآنية كثيرة.

ثانياً: معاني (خليفة) في القرآن الكريم فهي(64):

أ ـ الخليفة بعينه: قال تعالى: ((إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)).

ب ـ الذي يخلف: قال تعالى: ((اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)).

جـ ـ السكّان: قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ)).

د ـ البدل: قال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً)).

ثالثاً: الخلافة في الأحاديث:

أ ـ قال رسول الله (ص): ((لا يزال أمر الناس ماضياً، ما وليهم أثنا عشر خليفة، كلهم من قريش))(65).

ب ـ وقال (ص): ((لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش))(66).

جـ ـ جملة من الأحاديث الأخرى الدالة على نفس الألفاظ وهي(67):

1ـ لا يزال الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة.

2ـ لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة.

3ـ لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة.

4ـ لا يزال الدين ظاهراً على من ناوأه حتى يمضي من أمتي اثنا عشر خليفة.

5ـ لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً.

6ـ لا يزال الناس بخير إلى اثني عشر خليفة.

رابعاً: الإمامة والخلافة عند أهل السنة:

إن الغالب على تعريفات الإمامة والخلافة عند علماء أهل السنة ـ قديمهم وحديثهم ـ إعطاء الطابع السلطوي والتنفيذي والرئاسي للخليفة(68)، فلا ينفك اطلاقه عن التمكين السلطوي، ومع عدم وجود تمكين سلطوي لا يصح إطلاق الخليفة أو الإمام عليه، وبذلك فإن دور (الخليفة) أو (الإمام) يشمل دور: إقامة الحدود، وتدبير أمور الأمة، وتنظيم الجيوش، وسد الثغور، وردع الظالم، وحماية المظلوم، وقيادة المسلمين في حجهم وغزوهم، وتقسيم الفيء بينهم(69).

على الرغم من خطورة الأمر عندهم، وأهميته إلا أنّهم يرون بأنّ هذا الأمر قد أوكل إلى الصحابة ابتداءً، وإلى الناس في كل عصر ليختاروا أولياء أمورهم، ولا ندري كيف يمكن الجمع بين ما تقدم وبين إيكاله إلى عامة الناس؟!

خامساً: الإمامة والخلافة عند الشيعة:

إنّ منصب الإمامة أو الخلافة عند الشيعة الإمامية هو (ديني) بالأصل، وما قضايا السياسة أو السلطة أو الحكومة إلا اضافات قد تضاف إليه، فهو منصب مستقل بحد ذاته يتعلق بالأمور (الدينية) بالدرجة الأولى، فمهمة الإمام عند الشيعة هي استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله) في وظائفه من هداية البشر، وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، فهو يبين لهم الأحكام، ويفسّر لهم القرآن، ويوضّح لهم المعارف، ويشرح لهم المقاصد، ويصون الدين من التحريف والدس.

فالإمامة عند الشيعة هي منصب إلهي، وهي امتداد واستمرار للنبوة باستثناء الوحي التشريعي، ولابدّ أن يكون تنصيب أو اختيار أو اصطفاء الإمام من الله سبحانه وتعالى على لسان النبي (ص).

إمّا عن الخلافة الحقيقية عند الشيعة الإمامية فهي (كالإمامة شأن ديني، نابع من صميم الفرد وامكانياته الذاتية، سواء مارس الخلافة وتحققت له الغلبة أم لا. أنّها شأن يقاس بالنبوة في معنى الاختصاص، من حيث أنّ النبوة ما دامت أنّها اختيار مولوي لا شأن للبشر فيه، فهي تثبت مع الغلبة ودونها. فالنبي (صلى الله عليه وآله) لا يلغي نبوته افتقاده للعصبية والغلبة. فهو نبي سواء احتضنه قومه أو رفضوه. والإمامة على ذلك النحو أمر لا يلغيه افتقاد العصبية)(70).

نعم، (لا ينحصر دور الإمام في الحكومة السياسية فقط، وهذه نقطة مهمة كانت وما زالت محل التباس في الوعي الإسلامي عند أهل السنة؛ ظناً منهم أنّ الشيعة تقول بانحصار دور الإمام في الحكم السياسي فحسب، فإذا لم يكن حاكماً لم يكن إماماً، مع أنّ الأمر ليس كذلك، بل الإمامة قيادة وهداية للأمة في كل مجالات الحياة وعلى جميع الأصعدة، فأهل البيت (عليهم السلام) الذين ثبتت عصمتهم وشرافة علمهم هم الأجدر والأحق في تسنم تلك المناصب، ولذلك نصب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) من بعده للإمامة بكافة أبعادها. ومن ذلك كله يتضح أنّ إقصاء أهل البيت (عليهم السلام) عن موقعهم، وهو القيادة والحكومة السياسية ـ التي تعتبر أحد أبعاد الإمامة ـ لا يعني زوال إمامتهم التي ثبتت بجعلٍ إلهي وتنصيبٍ نبوي، بل على الأمة تقديمهم واتباعهم والإقتداء بهم...)(71).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المفردات، الاصفهاني، ص87.

(2) العين، ج8، ص 429، لسان العرب، ج1، ص 213.

(3) مجمع البحرين، ج1، ص 77.

(4) مجمع البحرين، ج1، ص 77.

(5) ينظر: المفردات، ص 87، وجامع البيان، ج15، ص159.

(6) المواقف، الأيجي، ص211.

(7) المواقف، ص211.

(8) المقدمة، ابن خلدون، ص 191.

(9) قواعد العقائد، الخواجة نصير الدين الطوسي، ص 108.

(10) المعجم الوسيط، ج2، ص 1057، النهاية، ابن الأثير، ج5، ص 228 ـ 229.

(11) تاج العروس، ج6، ص100.

(12) لسان العرب، ج4، ص 184.

(13) المعجم الوسيط، ج1، ص251.

(14) معجم الفروق اللغوية، ص 222.

(15) مقدمة ابن خلدون، ص 191.

(16) المعجم الوسيط، ج2، ص720.

(17) الصحاح، ج6، ص 2459.

(18) معاني الأخبار، ص 64، مجمع البحرين، ج1، ص77.

(19) رسالة في قواعد العقائد، ص83 ، الألفين، ص12، خلاصة عبقات الأنوار، ج9، ص325.

(20) المقنعة، ص 32، وص810، التذكرة، ج9، ص396.

(21) ينظر: الجواهر النورانية، ص 169.

(22) نهج البلاغة، حكمة 147.

(23) سورة الأحزاب، الآية (33).

(34) الاقتصاد في الاعتقاد، الغزالي، ص 234.

(25) غاية المرام في علم الكلام، الآمدي، ص 363.

(26) المواقف، الأيجي، ص 344.

(27) شرح المقاصد، التفتازاني، ج 5،ص 232.

(28) المقدمة، ابن خلدون، ص 465.

(29) محاضرات في الإلهيات، جعفر سبحاني، ص 326ـ 327.

(30) سورة البقرة، الآية (124).

(31) شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الاسترابادي، ج3، ص 415.

(32) سورة الرعد، الآية (7).

(33) الدر المنثور، السيوطي، ج4، ص 608، وايضاً في: شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، ج1، ص 386، وجامع البيان، الطبري، ج13، ص 142، وفتح القدير، الشوكاني، ج3، ص 70.

(34) سورة البقرة، الآية (124).

(35) رسالة المحكم والمتشابه، الشريف المرتضى، ص 138 ـ 140.

(36) رسالة المحكم و المتشابه ، ص 112 ـ 114 .

(37) نوادر المعجزات، محمد بن جرير الطبري، ص 18 .

(38) الكافي ، ج 1 ، ص 262 .

(39) ينظر: نفحات القرآن، ناصر مكارم الشيرازي، ج9، ص 85ـ 96.

(40) اصول الكافي، ج1، ص387، ح3.

(41) اصول الكافي، ج1، ص 387، ح4.

(42) تلخيص الشافي، الطوسي، ص ٦٩ ,  الألفين، العلامة الحلي, ص 40.

(43) نهج الحق، العلامة الحلي, ص 168.

(44) أوائل المقالات، الشيخ المفيد , ص 40.

(45) كشف المراد، العلامة الحلي , ص 493.

(46) كشف المراد ، ص 292.

(47) بداية المعرفة، حسن مكي العاملي، ص 243 ـ 244.

(48) سورة آل عمران، الآية (33).

(49) سورة الأعراف، الآية (144).

(50) كـ: الآية (130) والآية (247) من سورة البقرة، والآية (59) من سورة النمل، والآية (32) من سورة فاطر.

(51) رسالة المحكم و المتشابه، الشريف المرتضى، ص 138 ـ 140 .

(52) معاني الأخبار، الصدوق، ص 132، وبحار الأنوار، ج25، ص 194، وتفسير الصافي، ج1، ص 365.

(53) النكت الاعتقادية ، المفيد ، ص 3 .

(54) قواعد العقائد، نصير الدين الطوسي، ص 455 .

(55) الباب الحادي عشر، العلامة الحلي، ص 37 .

(56) دلائل الصدق، محمد حسين المظفر، ج2 ، ص 4 .

(57) الإمامة و القيادة، مرتضى المطهري، ص 163 .

(58) المصطلحات الإسلامية، مرتضى العسكري، ص 68 ـ 69.

(59) سورة البقرة، الآية (30).

(60) سورة ص ، الآية (26).

(61) سورة الأعراف، الآية (69).

(62) سورة الأعراف، الآية (74).

(63) سورة النمل، الآية (62).

(64) وجوه القرآن، النيسابوري، ص 227 ـ 228.

(65) ينابيع المودة، القندوزي، ص 307 ـ 308، وفرائد السمطين، ج2، ص 148.

(66) صحيح البخاري، ج6، ص 2640، ح6796، وصحيح مسلم، ج4، ص 100، ح1821، والصواعق المحرقة،  189.

(67) ينظر: صحيح البخاري، ج6، ص 2640، ح6796، وصحيح مسلم، ج4، ص 100، ح1821، مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص 86 ـ 108، مستدر الحاكم النيسابوري، ج3، ص 618.

(68) في النظام السياسي للدولة الإسلامية، محمد سليم العوا، ص 126.

(69) الأحكام السلطانية، الماوردي، ص 15 ـ 16.

(70) الخلافة المغتصبة، إدريس هاني، ص 65.

(71) الأجوبة الوافية، لجنة تأليف، ج1، ص 22 ـ 23.