هل الدين الاسلامي رسالة عالمية أم رسالة قومية خص الله بها العرب؟

إنّ عالميّة الدين السماوي ترفض التفاوت الطبقي والعرقي والطائفي وغير ذلك, ونستطيع القول: إن الدين الصحيح منذ آدمَ (عليه السلام) إلى محمد (صلى الله عليه آله وسلم) كان دعوةً مفتوحة لكل الناس؛ فمع أن يوسف (عليه السلام) من بني إسرائيل، وهو الابن الأعز لدى يعقوب (عليه السلام) إلا أنّه استغلَّ وجودَه في السجن المصري ودعا المصريين إلى عبادة الله الواحد القهار: )يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)(1). وأيضاً فنوح وابراهيم وموسى، وعيسى، بعثوا بالشريعة العامة المهيمنة على كلّ الديانات.

فكيف يمكن لهذه الرسالات أن تكون لكلّ البشرية، وعلى مختلف لهجاتها وثقافاتها, ومع ذلك تؤمن بالطائفية والقومية والمناطقية والعرقية ووو... 

إنّه محال. لقد صّرح أصحاب الرسالات العامة (أولوا العزم) بانّهم لكافة البشر.

إلى أنّ جاء الإسلام العظيم فقالها بوضوح لا لبس فيه، ولا يقبل التأويل حيث قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(2).

وقال عَزَّ مِنْ قائل: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)(3).

فرسالة الإسلام عالميّة وليست خاصة بالعرب، أو الشيعة، أو أهل مكة، أو قريش أو... الخ. 

على هذا فإذا كانت الرسالة عالميّة كان عليها لزاماً أن تذيب كلّ ما من شأنه أن يقف حاجزاً أمام عالميّتُها, من قبيل النزعة القوميّة، والتعصب الطائفي والاصطفافات المناطقيّة والعرقيّة, الّتي تشكّل معول هدم في المجتمعات الانسانية.

ويكون هدف الرسالة بناء الإنسان بما هو إنسان, كي تتوحد الطاقات، والقابليات، وتتوجّه وجهة واحدة صوب الهدف الذي يحدده صاحب الرسالة.

والعجيب مما نسمعه اليوم من الصيحات الطائشة غير المتعقلة، والبعيدة كلّ البعد عن روح الإسلام وتعاليمه, صيحات تدعوا إلى طائفيّة الدين، أو قوميته.

فنسمع من بعض المغرضين أنّ الشيعي لا يمكن أن يكون قائداً للمجتمع السني.

ونسمع العكس تماماً, بل ونسمع من نفس المكوّن الواحد هذه الصيحات المحزنة, فيقول البعض نحن نريد مرجعاً عربياً، أو عراقياً، أو حجازياً، أو يمنياً، أو ... الخ.

إنّها صيحات الجاهلين والمندسين, ولو أنّهم رجعوا إلى أنفسهم قليلاً وسألوها كيف كان المجتمع الاسلامي أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ألم يكن مؤذن رسول الله( صلى الله عليه وآله) حبشيا؟

ألم يكن أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من الحجاز, واليمن, والكوفة, ومصر, وبلاد الشام, وغيرها من الأصقاع الإسلامية, وقد تسنم أولائك مناصب شتّى، كالقضاء وقيادة الجيش، وغيرها من المناصب الخطيرة. 

إنّ الدّين الذي جعل المعيار في التفاضل هو التقوى لحري بأبنائه أن يشمئزوا من تلك الصيحات المقرفة.

قال تعالى: (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ)(4).

قال تعالى  : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يوسف/39.

(2) الانبياء / 107

(3) الفرقان / 1.

(4) البقرة / 221 .

(5) الحجرات / 13 .