تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ).

عَدَنٌ مِقْدَادٌ العَبَّاسِيُّ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.. يُرْجَى تِبْيَانُ تَفْسِيرِ (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ).      عِلْمًا أَنَّ البَعْضَ تَشَابَهَ عَلَيْهِ الأَمْرُ، وَكَمَا مُبَيَّنٌ بِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ عِنْدَ أَغْلَبِ الفِرَقِ؟ وَلَكُمْ جَزِيلُ الشُّكْرِ.      فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الشَّنْقِيطِي فِي الأَضْوَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) {الإسْرَاءُ ص 21:71}.       قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: المُرَادُ "بِإِمَامِهِمْ" هُنَا كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ.      وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [36 12]، وَقَوْلُهُ: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [45 28]، وَقَوْلُهُ) :وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) الآيَةُ [18 49]، وَقَوْلُهُ: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا) [17 13]، وَاخْتَارَ هَذَا القَوْلَ ابْنُ كَثِيرٍ لِدِلَالَةِ آيَةِ "يس" المَذْكُورَةِ عَلَيْهِ. وَهَذَا القَوْلُ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَعَزَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي العَالِيَةِ وَالضَّحَّاكِ وَالحَسَنِ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ المُرَادَ بِ "بِإِمَامِهِمْ" نَبِيُّهُمْ.      وَيَدُلُّ لِهَذَا القَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [10 47]، وَقَوْلُهُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) الآيَةُ [4 41]، وَقَوْلُهُ: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) الآيَةُ [16 89]، وَقَوْلُهُ: (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ) الآيَةُ [39 69].       قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: وَفِي هَذَا أَكْبَرُ شَرَفٍ لِأَصْحَابِ الحَدِيثِ; لِأَنَّ إِمَامَهُمُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).      وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ :بِإِمَامِهِمْ; أَيْ بِكِتَابِهِمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِمْ مِنَ التَّشْرِيعِ; وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: ابْنُ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.      وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) [17 71]، أَيْ نَدْعُو كُلَّ قَوْمٍ بِمَنْ يَأْتَمُّونَ بِهِ، فَأَهْلُ الإِيمَانِ أَئِمَّتُهُمُ الأَنْبِيَاءُ (صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ)، وَأَهْلُ الكُفْرِ أَئِمَّتُهُمْ سَادَتُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الكَفَرَةِ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) الآيَةُ [28 41]، وَهَذَا الأَخِيرُ أَظْهَرُ الأَقْوَالِ عِنْدِي، وَالعِلْمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. انْتَهَى مَا أَفَادَهُ الشَّنْقِيطِيُّ.

: اللجنة العلمية

     الأَخُ عَدَنٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     نَقَلَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ تَفْسِيرَ هَذِهِ الآيَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِأَنَّ المُرَادَ بِهَا هُوَ إِمَامُ الزَّمَانِ.

     رَوَى السُّيُوطِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ "الدُّرِّ المَنْثُورِ"، قَالَ: (أَخْرَجَ ابْنُ مُرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) قَالَ: يُدْعَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِمَامِ زَمَانِهِمْ وَكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ. [الدُّرُّ المَنْثُورُ 4: 194].

     وَهَذَا هُوَ المَرْوِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا يَنْقُلُ ذَلِكَ البغوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِلآيَةِ الكَرِيمَةِ، قَالَ: (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: بِإِمَامِ زَمَانِهِمُ الَّذِي دَعَاهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى ضَلَالَةٍ أَوْ هُدًى; قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾، وَقَالَ :﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ [تَفْسِيرُ البغوِيِّ 3: 126]. 

     نَقُولُ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ المُوَافِقُ لِلدِّلَالَةِ المُطَابِقِيَّةِ لِلأَلْفَاظِ وَالمُوَافِقُ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ المُتَظَافِرَةُ عِنْدَ الفَرِيقَيْنِ، وَالَّتِي مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) [صَحِيحُ مُسْلِمٍ 6: 22]، وَمَا وَرَدَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: (مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) [مُسْنَدُ أَحْمَدَ 4: 96].

     هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ الأَيْجيُّ مِنْ تَوَاتُرِ وُجُودِ إِمَامٍ لِكُلِّ زَمَانٍ، جَاءَ فِي "المَوَاقِفِ": (تَوَاتَرَ إِجْمَاعُ المُسْلِمِينَ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ (ص) عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الوَقْتِ عَنْ إِمَامٍ). [المَوَاقِفُ 3: 575].

     وَجَاءَ فِي "الفَصْلِ بَيْنَ المِلَلِ وَالنِّحَلِ" لِابْنِ حَزْمٍ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص)  نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَحُلُّ بَقَاءُ لَيْلَةٍ دُونَ بَيْعَةٍ). [الفَصْلُ بَيْنَ المَلَلِ وَالنِّحَلِ 4: 84].

     وَعَلَيْهِ، فَوُجُودُ إِمَامٍ لِكُلِّ زَمَانٍ هُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَثَابِتٌ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص)، وَبِهَذَا المَعْنَى أَيْضًا، أَيْ مِنْ تَفْسِيرِ الآيَةِ بِإِمَامِ الزَّمَانِ، جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَئِمَّةِ العِتْرَةِ الطَّاهِرَةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، فَقَدْ رَوَى البَرْقِيُّ فِي "المَحَاسِنِ" بِسَنَدِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ:

     قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) فَقَالَ: نَدْعُو كُلَّ قَرْنٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِإِمَامِهِمْ،. قُلْتُ: فَيَجِيءُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي قَرْنِهِ، وَعَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَرْنِهِ، وَالحَسَنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَرْنِهِ، وَالحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَرْنِهِ، وَكُلُّ إِمَامٍ فِي قَرْنِهِ الَّذِي هَلَكَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. [المَحَاسِنُ 1: 143].

     وَجَاءَ فِي "الكَافِي" فِي بَابِ: أَنَّ الأَئِمَّةَ فِي كِتَابِ اللهِ إِمَامَانِ، إِمَامٌ يَدْعُو إِلَى اللهِ وَإِمَامٌ يَدْعُو إِلَى النَّارِ، بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) قَالَ المُسْلِمُونَ :يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْتَ إِمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَكِنْ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ عَلَى النَّاسِ مِنَ اللهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَقُومُونَ فِي النَّاسِ فَيُكَذَّبُونَ وَيَظْلِمُهُمْ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَأَشْيَاعُهُمْ، فَمَنْ وَالَاهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَهُوَ مِنِّي وَمَعِي وَسَيَلْقَانِي، أَلَا وَمَنْ ظَلَمَهُمْ وَكَذَّبَهُمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا مَعِي وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ. [الكَافِي - لِلكُلَيْنِي - 1: 215].

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.