فَسَادُ الرَّأْيِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ كَاذِبًا. 

جَبَّارٌ:      السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.       الشَّيْخُ الجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الطُّوسِيُّ يَذْكُرُ كَلَامًا فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ الفِهْرَس ص24 - أَنْقُلُ جُزْءًا مِنْهُ.      (إِنَّ كَثِيرًا مِنْ مُصَنِّفِي أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الأُصُولِ يَنْتَحِلُونَ المَذَاهِبَ الفَاسِدَةَ وَإِنْ كَانَتْ كُتُبُهُمْ مُعْتَمَدَةً).      1 - كَيْفَ نَتَصَوَّرُ أَنْ نَقَلَةَ العِلْمَ وَالحَدِيثِ عَنِ العِتْرَةِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ) هُمْ أَصْحَابُ مَذَاهِبَ فَاسِدَةٍ وَهُمْ أَصْحَابُ أُصُولٍ؟      2 - وَمَا الَّذِي يُجْبِرُنَا أَوْ مَا وَجْهُ الإِطْمِئْنَانِ عَلَى الأَخْذِ أَو الثِّقَةِ بِمَنْ دِينُهُ وَتَفْكِيرُهُ فَاسِدٌ عَلَى أَنْ لَا يَكْذِبَ وَيُحَرِّفَ تُرَاثًا عَلَى أَهْلِ البَيْتِ (سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِمْ)؟

: اللجنة العلمية

     الأَخُ جَبَّارٌ المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

     هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ فَسَادِ العَقِيدَةِ وَوَثَاقَةِ النَّقْلِ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّخْصُ فَاسِدَ العَقِيدَةِ وَيَنْتَحِلُ رَأْيًا لَا دَلِيلَ صَحِيحٌ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ وَنَقْلِهِ، وَمِنْ هُنَا وَرَدَ عَنِ الإِمَامِ العَسْكَرِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَوْلُهُ فِي بَنِي فَضَّالٍ الَّذِينَ كَانُوا فَطَحِيَّةً، أَيْ يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ عَبْدِ اللهِ الأَفْطَحِ ابْنِ الإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَلَا يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ الإِمَامِ الكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ كُتُبِهِمْ: كَيْفَ نَعْمَلُ بِكُتُبِهِمْ وَبُيُوتُنَا مِنْهَا مَلَاءٌ؟

     فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): خُذُوا مَا رَوَوْا وَذَرُوا مَا رَأَوْا [الغَيْبَةُ - لِلطُّوسِيِّ 239].

     وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ العُلَمَاءُ لِلأَخْذِ بِأَقْوَالِ الثُّقَاتِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ وَثَاقَةُ نَقْلِهِمْ وَصِدْقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ الإِمَامِيَّةِ، وَيُسَمَّى الحَدِيثُ الَّذِي يَكُونُ فِي سَنَدِهِ رَاوٍ ثِقَةٌ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِ الإِمَامِيَّةِ بِالمُوَثَّقِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنْ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَكُونُ كُلُّ رُوَاتِهِ ثُقَاتٌ إِمَامِيَّةٌ.

     وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الحُرُّ العَامِلِيُّ فِي خَاتِمَةِ الوَسَائِلِ، فِي تَعْقِيبِهِ عَلَى العِبَارَةِ المُتَقَدِّمَةِ مِنَ الشَّيْخِ الطُّوسِيِّ: (ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي أَوَّلِ الفَهْرَسَت أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المُصَنِّفِينَ وَأَصْحَابِ الأُصُولِ كَانُوا يَنْتَحِلُونَ المَذَاهِبَ الفَاسِدَةَ وَإِنْ كَانَتْ كُتُبُهُمْ مُعْتَمَدَةً. انْتَهَى.

     وَأَنَا أَذْكُرُ هُنَا نُبْذَةً يَسِيرَةً مِنَ الكُتُبِ المُعْتَمَدَةِ وَأَهْلِهَا لِأَنَّ وَجُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي سَنَدٍ قَرِينَةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّقْلِ، فَإِنَّ النَّقْلَ إِمَّا مِنْ كِتَابِهِ وَهُوَ مُعْتَمَدٌ، أَوْ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ مُعْتَمَدٍ وَهُوَ طَرِيقٌ إِلَى رِوَايَةِ ذَلِكَ الكِتَابِ بِالإِجَازَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالإِعْتِمَادِ.

     قَالَ الشَّيْخُ فِي الفَهْرَسَت:

     إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَحْمَرِيُّ، كَانَ ضَعِيفًا فِي حَدِيثِهِ مُتَّهَمًا فِي دِينِهِ، وَصَنَّفَ كُتُبَ جَمَاعَةٍ قَرِيبِةٍ مِنَ السَّدَادِ.

     إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ السَّابَاطِيُّ، كَانَ فَطَحِيًّا إِلَّا أَنَّهُ ثِقَةٌ وَأَصْلُهُ مُعْتَمَدٌ عَلَيْهِ.

     أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ القُمِّيُّ، ثِقَةٌ حَسَنُ التَّصْنِيفِ، صَحِيحُ الحَدِيثِ.

     الحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ، شَارَكَ أَخَاهُ الحُسَيْنَ فِي الكُتُبِ الثَّلَاثِينَ، وَكُتُبُ ابْنَيْ سَعِيدٍ كُتُبٌ حَسَنَةٌ مَعْمُولٌ عَلَيْهَا.

     الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُمَاعَةَ، وَاقِفِيُّ المَذْهَبِ إِلَّا أَنَّهُ جَيِّدُ التَّصَانِيفِ، نَقَّى الفِقْهَ حَسَنَ الإِنْتِقَاءِ، لَهُ ثَلَاثُونَ كِتَابًا.

     حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ القَاضِي، عَامِّيُّ المَذْهَبِ لَهُ كِتَابٌ مُعْتَمَدٌ. 

     طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَامِّيُّ المَذْهَبِ إِلَّا أَنَّ كِتَابَهُ مُعْتَمَدٌ... إلخ). انْتَهَى [وَسَائِلُ الشِّيعَةِ 20: 81].

     وَهَذِهِ الضَّابِطَةُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ وَثَاقَةِ النَّقْلِ وَطَبِيعَةِ المَذْهَبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الشِّيعَةُ فَقَطْ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ بَقِيَّةِ المَذَاهِبِ.

     قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ فِي "سِلْسِلَةِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ" 5: 262: (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: رَاوِي هَذَا الشَّاهِدِ شِيعِيٌّ، وَكَذَلِكَ فِي سَنَدِ المَشْهُودِ لَهُ شِيعِيٌّ آخَرُ، وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ; أَفَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ طَعْنًا فِي الحَدِيثِ، وَعِلَّةً فِيهِ؟!

     فَأَقُولُ: كَلَّا; لِأَنَّ العِبْرَةَ فِي رِوَايَةِ الحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ الصِّدْقُ وَالحِفْظُ، وَأَمَّا المَذْهَبُ فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَهُوَ حَسِيبُهُ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ صَاحِبَيْ "الصَّحِيحَيْنِ" وَغَيْرَهُمَا قَدْ أَخْرَجُوا لِكَثِيرٍ مِنَ الثُّقَاتِ المُخَالِفِينَ، كَالخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ). انْتَهَى. 

     وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.