هل الإسلام منقسم على ذاته، وعقائده هشة؟

إشكال: الإسلام منذ ظهوره وهو منقسم على ذاته، ولأنه عقيدة هشة ابتدع مؤسسوه الصرامة في تطبيقه، والعقاب الشديد لمن يغادره فيما يعد خوفاً من الاندثار، ومثال على ذلك: يمنع التبشير بالمسيحية بالبلاد الإسلامية وبناء الكنائس ونشر كتب المخالفين للإسلام؟!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا يحتوي هذا الكلام على إشكالية محددة يمكن مناقشتها، فهو مجرد ادعاء أجوف ليس له أي مقومات موضوعية، ففي العادة لا تمثل المواقف النفسية والانطباعات الذاتية إلا أصحابها، فمن يكره الإسلام لسبب نفسي أو لموقف شخصي كيف يمكن مناقشته؟

كذلك الحال ينطبق على من يطلق ادعاءات كبيرة بشواهد بسيطة لا تناسب حجم الادعاء، أو من يحكم على موضوع خطير من خلال قرائن ليس بينها وبين حكمه أي روابط منطقية وعقلانية.

فمثلاً: قول هذا المدعي بأن (الإسلام منقسم على ذاته منذ ظهوره)، قول لا يتبناه عاقل يحترم نفسه وعقله إذا لم يدعم قوله بأدلة واضحة تكشف بالفعل عن وجود هذا الانقسام، وهذا ما لا نجد له أثر في كلامه، فكل ما قام به هو دعم الادعاء بادعاء اخر وهو قوله: (لأنه عقيدة هشة) دون أن يبيّن أيضاً الأدلة التي تؤكد هشاشة العقيدة الإسلامية، الأمر الذي يكشف بوضوح أنه لم يكن في مقام البحث العلمي والنقاش المنطقي، وإنما كان في مقام الإفصاح عما في داخله من حقد وكراهية للإسلام ليس إلا.

ومما يدلل على ضعف منطقه: هو الاستشهاد بصرامة القوانين على هشاشة العقيدة الإسلامية، وقد غفل بذلك عن نوع العلاقة بين العقيدة والقانون، وما هو معلوم بالضرورة أن العلاقة بينهما هي علاقة الأصل بالفرع، فالعقيدة هي الأصل الذي يشكل المبرر المعرفي لوجود القانون؛ وذلك لأن العقيدة تمثل الأساس المعرفي لكل القيم والاهداف، الذي يسعى المشرع فيما بعد إلى انزالها إلى أرض الواقع، من خلال سن القوانين والتشريعات، وعليه لا يمكن أن تكون القوانين سابقة للعقيدة، وإنما تابعة لها وقائمة عليها، ومن هنا نفهم لماذا اهتم الإسلام في بداية الدعوة ببيان العقيدة قبل بيان التشريعات؟ فإذا كان عمر الرسالة 23 سنة، فإن 13 سنة منها كانت مركزة على بيان عقائده، فكيف بعد ذلك لعاقل أن يقول: إن القوانين والتشريعات التي جاءت في العشرة الأخيرة من عمر الدعوة قد وجدت لحماية عقائده الهشة؟ والمعلوم بالضرورة أن هذه التشريعات لم تأت إلا في مرحلة المدينة وبعد انتصار الإسلام وتوسعه، وقد تحققت هذه الانتصارات بتضحيات المسلمين وما قدموه من دماء وشهداء في حروب الإسلام الأولى، فهل قدموا كل تلك التضحيات خوفاً من القوانين الصارمة ولم تكن هناك قوانين؟ أم للخوف من الحكم بقتل المرتد والذي لم يكن قد شرع بعد؟

كما أن القوانين الصارمة يمكن أن تحمي الأمور الحسية والسلوك الظاهري ولكنها لا يمكن أن تحمي الأمور القلبية، والعقيدة كما هو معلوم شأن قلبي وعقد داخلي، فكيف بعد ذلك يمكن حمايتها بالقانون؟ فالعقيدة التي تحتمي بالقانون لا تنتج إلا منافقين يظهرون شيء ويبطنون شيء آخر، وقد ذم الإسلام النفاق ووعد المنافقين بالدرك الأسفل في نار جهنم، يقول تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)

وفي المحصلة لم يكره الإسلام أحد على الالتزام بعقائده؛ بل دعاه إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ويقول تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، كما اشترط الإسلام أن يكون الانتماء إليه عن طريق البينية واليقين لا عن طريق الخوف الاكراه، يقول تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).

فالإسلام يطالب بضرورة حصول العلم واليقين الجازم بأنه حق، ومتى تحقق ذلك لأي إنسان لا يجوز له بعد ذلك الارتداد عنه؛ لأنه يكون في هذه الحالة استبدال الحق بالباطل، ولا يجوز بحكم جميع العقلاء أن يستبدل الحق بالباطل والخير بالشر والفضيلة بالرذيلة..

ولذا ميز الإسلام بين المرتد المستهتر وبين المرتد عن شبهة، فحكم على المستهتر بالقتل ولم يحكم بقتل صاحب الشبهة، وكذلك لا يجوز التغرير بأهل الحق وإضلالهم بعد الهدى بنشر الأفكار الضالة والمنحرفة في أوساطهم.