موقف الشيعة الإماميّة من حسّان بن ثابت (ت 54 هـ)
سؤال: ما رأي الشيعة بشخصيّة بالصحابي حسّان بن ثابت؟ وكيف صار شاعر الرسول (صلى الله عليه وآله). فهل النبي مَن اختاره؟ ولماذا تم اختياره من بين جملة من أكابر الشعراء المسلمين في عهده ممّن يفوقونه شعراً؟
الجواب:
قال ابن حجر: (حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاريّ الخزرجيّ، ثم النجّاريّ، شاعر رسول الله...) [الإصابة ج2 ص55].
اشتهر حسّان بكونه شاعر الرسول؛ لمنافحته عن النبيّ في شعره، وهجائه المشركين، ونظمه بعض الأحداث في تاريخ الإسلام بصورة شعريّة.
روى أبو داود بسنده عن عائشة، قالت: كان رسول الله (ص) يضع لحسّان منبراً في المسجد، فيقوم عليه يهجو مَن قال في رسول الله (ص)، فقال رسول الله (ص): « إنّ روح القدس مع حسّان ما نافح عن رسول الله (ص) ». [سنن أبي داود ج2 ص480].
قال ابن الأثير: (يُكنّى أبا الوليد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل أبو الحسام؛ لمناضلته عن رسول الله (ص)، ولتقطيعه أعراض المشركين...) [أسد الغابة ج2 ص4].
أمّا كونه شاعر الرسول (صلى الله عليه وآله):
فلا يوجد دليل واحد على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لقّبه بهذا اللقب، أو اختاره ليكون شاعره الخاصّ، حيث كان هناك شعراء آخرين ينافحون عن العقيدة، لكن اشتهر حسّان من بينهم، ربّما لقوّة شعره، وربّما ساعده على ذلك كبر سنّه وكثرة خبرته، حيث إنّ عمره كان حوالي ستين سنة حين التقى بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) في المدينة، ولا يبعد رفع الأمويّين لاسمه؛ لأنّه كان عثمانيّاً - كما سيأتي -، فاشتهر اسمه دون سائر أقرانه.
إنّ كون حسّان شاعر النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يعني ذلك عدالته، فقد كانت له هفوة كبيرة في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، حيث اتّهم إحدى زوجاته بالزنا في قضية الإفك المشهورة لدى الجمهور.
جاء في صحيح البخاري: (وكان الذي تولّى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول. قال عروة: أُخبرت أنّه كان يُشاع ويُتحدّث به عنده، فيقرّه ويستمعه ويستوشيه. وقال عروة أيضاً: لم يُسمَّ من أهل الإفك أيضاً إلّا حسّان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين...) [صحيح البخاريّ ج5 ص56].
قال ابن كثير - في تفسير قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ} -: (لكلّ مَن تكلّم في هذه القضيةـ ورمى أمّ المؤمنين عائشة بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب ). {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} قيل: ابتدأ به، وقيل: الذي كان يجمعه، ويستوشيه، ويذيعه، ويشيعه. {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، أي على ذلك. ثمّ الأكثرون على أنّ المراد بذلك إنّما هو عبد الله بن أبي بن سلول - قبّحه الله ولعنه -، وهو الذي تقدّم النصّ عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد وغير واحد، وقيل: بل المراد به حسّان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنّه وقع في صحيح البخاري ما قد يدلّ على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة) [تفسير ابن كثير ج3 ص283].
وقد أقام النبي (صلى الله عليه وآله) حدّ القذف على حسان. [فتح الباري ج13 ص285، الاستيعاب ج4 ص1472].
اشتهر حسان بالجبن، وعدم مشاركته المسلمين في حروبهم. قال ابن حجر: (قال ابن سعد: كان قديم الإسلام، ولم يشهد مع النبيّ (ص) مشهداً، كان يجبن) [تهذيب التهذيب ج2 ص216].
رأي الشيعة بحسان:
فقد كان حسّان مستقيماً، مجاهداً بلسانه وشعره، في الذود عن حمى الإسلام ومقدّساته في فترة حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
روى الشيخ الصدوق عن أبي سعيد، قال: « لمّا كان يوم غدير خم، أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) منادياً، فنادى الصلاة جامعةً، فأخذ بيد عليّ (عليه السلام)، وقال: اللهمّ مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ مَن عاداه. فقال حسّان بن ثابت: يا رسول الله، أقول في عليّ شعراً؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): افعل. فقال:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم * * بخمّ وأكرم بالنبيّ منادياً
يقول فمَن مولاكم ووليّكم * * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت وليّنا * * ولن تجدنّ منّا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا عليّ فإنّني * * رضيتُك من بعدي إماماً وهاديا
فقام عليّ أرمد العين يبتغي * * لعينيه ممّا يشتكيه مداويا
فداواه خير الناس منه بريقه * * فبورك مرقيا وبورك راقيا » [الأمالي ص670].
وقال الشيخ المفيد: (حسّان بن ثابت، شاعر النبيّ، الذي أعلن في شعره، في نفس يوم الغدير، وبمحضر النبيّ صلى الله عليه وآله، فدلّ على إمامة الإمام علي عليه السلام ناظماً لقول الرسول فيه...) [أقسام المولى ص6].
قال الكشيّ: حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثني عليّ بن الحسن، عن العبّاس بن عامر القصبانيّ وجعفر بن محمّد بن حكيم، قال: حدّثنا أبان بن عثمان، عن عقبة بن بشير الأسديّ، عن كميت بن زيد الأسديّ، قال: « دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: والله يا كميت، لو أنّ عندنا مالاً أعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لحسان: لا يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا » [اختيار معرفة الرجال ج2 ص50].
وإلى يوم السقيفة كان يهتف بإمامة عليّ (عليه السلام) ومحبّته ونصرته، حيث قال يوم السقيفة:
جزى الله خيراً والجزاء بكفّه * أبا حسن عنا ومَن كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
تمنّت رجال من قريش أعزّة * مكانك هيهات الهزال من السمن
وكنتَ المرجى من لؤي بن غالب * لما كان منهم والذي بعد لم يكن
حفظتَ رسول الله فينا وعهده * إليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاه في الهدى ووصيّه * وأعلم منهم بالكتاب والسنن [تاريخ اليعقوبي ج2 ص128]
ثمّ كان من الناكصين الكارهين للإمام عليّ (عليه السلام) بعد أن أنشد الشعر فيه ومدحه.
روى الطبري بسنده عن عبد الله بن الحسن، قال: (لمّا قتل عثمان بايعت الأنصار عليّاً إلّا نفيراً يسيراً، منهم حسّان بن ثابت... كانوا عثمانيّة... أمّا حسان فكان شاعراً لا يبالي ما يصنع) [تاريخ الطبري ج3 ص452].
وروى الطبري أنّ قيس بن سعد خرج من مصر: (مقبلاً إلى المدينة فقدمها، فجاء حسّان بن ثابت شامتاً به، وكان حسّان عثمانيّاً، فقال له: نزعك عليّ بن أبي طالب وقد قتلت عثمان، فبقي عليك الإثم، ولم يحسن لك الشكر، فقال له قيس بن سعد: يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك، اخرج عنّي) [تاريخ الطبري ج3 ص555، والغارات ج1 ص221].
قال الشيخ المفيد: (وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت الأنصاريّ:
وكان عليّ أرمد العين يبتغي * دواء فلمّا لم يحس مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلةٍ * فبورك مرقيا وبورك راقيا
وقال سأعطي الراية اليوم صارماً * كميّاً محبّاً للإله مواليا
يحبّ إلهي والإله يحبّه * به يفتح الله الحصون الأوابيا
فأصفى بها دون البريّة كلّها * عليّاً وسمّاه الوزير المواخيا) [الإرشاد ج1 ص84].
وقال رحمه الله: (وأمّا شعر حسان بن ثابت، وما تضمنه من التعريض على أمير المؤمنين (ع):
وليت شعري فليت الطير تخبرني * ما كان بين عليّ وابن عفّانا
ليسمعن وشيكاً في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا
فهو - لعمري - قُذف بدم عثمان، فلم يكن قوله حجّة لنصغي إليه، ولا كان عدلاً فتُقبل شهادته، وقد نصّ التنزيل على ردّ شهادته فقال الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}، ولا خلاف أنّ حسّان كان ممّن قذف عائشة، وجلده النبيّ (صلى الله عليه وآله) على قذفه، وإذا كان القرآن حاصراً على المسلمين قبول شهادة الفاسقين فوجب ردّ شهادة حسان، وأن لا يقبل منه على حال، مع أنّه لا خلاف بين أهل العراق من أنّ القاذف مردود الشهادة وإنْ تاب...) [الجمل ص123].
وقال: (وأمّا قول حسان فإنّه ليس بحجّة من قبل أنّ حساناً كان شاعراً، وقصد الدولة والسلطان، وقد كان منه بعد رسول الله انحراف شديد عن أمير المؤمنين عليه السلام، وكان عثمانيّاً، وحرّض الناس على أمير المؤمنين عليه السلام، وكان يدعو إلى نصرة معاوية، وذلك مشهور عنه في نثره ونظمه، ألا ترى إلى قوله:
يا ليت شعري وليت الطير * تخبرني ما كان بين عليّ وابن عفانا
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
ليسمعنّ وشيكا في ديارهم * الله أكبر يا ثارات عثمانا) [الفصول المختارة ص258].
وقال السيد محسن الأمين حول موقف حسّان من الإمام علي (عليه السلام): (وحال حسّان بن ثابت معه واضحة، حتّى رماه بقتل عثمان في أبياته المشهورة) [أعيان الشيعة ج1 ص334].
وقال: (ليس هو من شرط كتابنا، فإنّه كان عثمانيّاً مجاهراً بذلك... وإنّما ذكرناه لأنّه في أوّل أمره كان يمدح أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، وكان شاعر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لا زلتَ مؤيّداً بروح القدس ما دمتَ ناصرنا. وفي التقييد بذلك معجزة) [أعيان الشيعة ج4 ص621 ـ 622].
وقال الشيخ عبد الله المامقانيّ: (فإنّ الرجل بعد أن كان موالياً لأهل بيت النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم)، قائلاً في مدحهم الأشعار، مرغماً أنوف الكفرة الفجار، استماله القوم، وغرّته الأطماع الدنيّة، والزخارف الدنيويّة، فرجع القهقرى، وخالف النصّ، حتى إنّه - على ما قيل - سبّه وهجاه، وصار دعاؤه على نفسه بقوله في قصيدته الأولى: وكن للذي عادى عليّا معاديا.. إلى آخره) [تنقيح المقال في علم الرجال ج18 ص243 ـ 247].
اترك تعليق