هل رؤية الله ممكنة؟

سؤال: داعية سني يقول: أحد الشيعة كان يرتاب في مسألة الرؤية وأنّها تستلزم التجسيم، فحرّرت له معنى الرؤية فقلت له: أغمض عينيك وتخيّل الهاتف أمامك، ثمّ ارجع وافتح عينيك وانظر إلى الهاتف أمامك. قلت: ما الفرق بين إدراكك للهاتف قبل إغلاق العين وبعد فتحها، هل هو جسمية الهاتف؟ قال: لا. قلت: هل هو لون الهاتف و تحيّزه؟ قال: لا. قلت: هناك مزيد إدراك حاصل بعد فتح العين، لا علاقة له من حيث المفهوم بالجهة والحيّز واللون، هذا الإدراك عينه نقول يتعلق بذات الله يوم القيامة. وهو هذا تحرير الغزاليّ والرازيّ والأصفهانيّ في شرحه على تجريد المحقّق الطوسيّ.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

لا يخلو ما طرحه الداعية السنيّ في مسألة رؤية الله من تبسيط وسذاجة؛ لأنّ الذين يمنعون الرؤية إنّما يمنعونها لأنّها تستلزم الحدود والإحاطة والجهة، وكلّ ذلك مستحيل في حقّ الله تعالى.

ولا فرق في ذلك بين الرؤية العقليّة – أي التصوّر الذهنيّ – وبين الرؤية البصريّة، فكلاهما يستلزمان الإحاطة والحدود والجهة، فالعقل لا يتصوّر شيئاً إلّا إذا كان ذلك الشيء له ماهيّة - أي له حدود تميّزه عن غيره -، فعندما نقول: إنّ رؤية الله ممكنة بالعين، ونشبّه ذلك بالتصوّر العقليّ، فإنّ ذلك يعني أنّ لله صورة خاصّة تمتاز عن بقية الصور العقليّة، وإلّا كيف نقول: هذه صورة الله، وتلك صورة غيره؟ وهذا لا يتحقّق إلّا إذا كان له شكل وحدود وماهّية خاصّة به.

ومن هنا لا نجد أنّ هناك فرق بين مَن يعبد صنماً من حجر وبين مَن يتصوّر صنماً في ذهنه ويعبده، فكلاهما عابد للوثن.

وبحسب المثال الذي ذكره هذا الداعية: فإنّ العقل عندما يتصوّر الهاتف لا يتصوّر شيئاً هلاميّاً لا يمكن وصفه، وإنّما يتصوّر شيئاً له شكل محدّد، وله كيفيّة معيّنة، وله أبعاده، وحجم ووزن ولون، وغير ذلك ممّا يميّز بين صورة الهاتف وصورة غيره من الأشياء.

وحتّى تكتمل الفائدة نذكر بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الشأن، كما نشير إلى أهمّ ما اعتمده الأشاعرة من أدلّة عقليّة على جواز رؤية الله تعالى.

[بعض الروايات في عدم إمكان رؤية الله تعالى]

جاء في الخبر: أنّ أحمد بن إسحاق كتب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن الرؤية، وما فيه الناس، فكتب (عليه السلام): « لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئيّ هواء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء وعُدم الضياء بين الرائي والمرئيّ لم تصحّ الرؤية وكان في ذلك الاشتباه، لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ في السبب الموجِب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان في ذلك التشبيه، لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات » (التوحيد للصدوق ص108 ح5)

وفي رواية أخرى: كتب محمّد بن عبيدة إلى الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام): يسأله عن الرؤية، وما ترويه العامّة والخاصّة، فكتب (عليه السلام) بخطّه: « اتّفق الجميع، فلا تمانع بينهم أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فإذا جاز أن يُرى الله عزّ وجلّ بالعين وقعت المعرفة ضرورة، ثمّ لم تخلُ تلك المعرفة من أن تكون إيماناً أو ليست بإيمان، فإنْ كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيماناً فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان؛ لأنّها ضدّه، فلا يكون في الدنيا أحد مؤمناً لأنّهم لم يروا الله عزّ ذكره، وإنْ لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيماناً لم تخلُ هذه المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد، فهذا دليل على أنّ الله عزّ ذكره لا يُرى بالعين، إذ العين تؤدّي إلى ما وصفنا » (التوحيد للصدوق ص109 ح8).

[أهم الأدلة العقليّة على جواز الرؤية]

وإليك أهم الأدلّة العقليّة التي اعتمدها الاشاعرة على جواز الرؤية:

عدم الممانعة العقليّة في إمكان الرؤية البصريّة؛ لأنّ هذا الإمكان لا يقتضي إثبات محذور أو محال عقليّ على الله تعالى :

فأوّلاً: ليس في جواز الرؤية إثبات حدوثه؛ لأنّ المرئيّ لا يكون مرئيّاً لأنّه مُحدَث، وإلّا لكان من اللازم أن يُرَى كلّ مُحدَث.

وثانياً: ليس في الرؤية إثبات حدوث معنىً في المرئيّ؛ لأنّ الألوان مرئيّات، ولا يجوز حدوث معنىً فيها؛ لأنّها أعراض.

وثالثاً: ليس في إثبات الرؤية لله تعالى تشبيه الباري تعالى، ولا تجنيسه، ولا قلبه عن حقيقته؛ لأنّ السواد والبياض فلا يتجانسان ولا يشتبهان بوقوع الرؤية عليهما.

وهذا ما ذكره الباقلاني بقوله: (والحجّة على ذلك: أنّه تعالى موجود، والشيء إنّما يصحّ أن يُرَى من حيث كان موجوداً إذا كان لا يُرَى لجنسه، لأنّا لا نرى الأجناس المختلفة ولا يُرى لحدوثه، إذ إنّا نرى الشيء في حال لا يصحّ أن يحدث فيها، ولا لحدوث معنىً فيه إذا قد ترى الأعراض التي لا تحدث المعاني) (مذاهب الإسلاميين للبدوي ج1 ص316).

[مناقشة الدليل العقليّ على جواز الرؤية]

ونلاحظ على هذا الادّعاء الآتي:

أوّلاً: صحيح ّأن الحدوث ليس شرطاً كافياً في الرؤية، بل لابدّ من انضمام شروط أخر، كالمسافة المناسبة، والكثافة التي تسمح بانعكاس الضوء، وعدم توفّرها في بعض المحدثات لا يسمح برؤيتها. ولكنّ الرؤية بنفسها تستلزم الجهة (للمقابلة)، والجسميّة (للكثافة)، وبالتالي تستلزم الحدوث حتماً، وعليه: فكلّ مرئيّ مُحدَث، لا العكس.

ثانياً: قوله: (ليس في الرؤية إثبات حدوث معنى...): إنّ المعنى يحدث باتّصال الضوء والمقابلة، وإنْ لم يكن اتّصال ضوء ولا مقابلة لم تكن رؤية بصريّة.

ثالثاً: قوله: (ليس في إثبات الرؤية لله تعالى تشبيه الباري تعالى): أنّها مجرّد دعوى كسوابقها؛ فالتشبيه متحقّق لا مفرّ منه، فإنّ حقيقة الرؤية قائمة بالمقابلة، والمقابلة لا تنفكّ عن كون المرئيّ في جهة ومكان، وليس أظهر من هكذا تشبيه، حيث الجهة والجسميّة، وتعالى ليس كمثله شيء.

ونعدكم إن شاء الله بكتابة مقال مفصّل حول رؤية الله يوم القيامة.