بين إله آينشتاين والإله الشخصي

سؤال: يركز دوكنز على آينشتاين بشكل خاصّ، ويجرّده من إيمانه التقليديّ لصالح نوع آخر من الإيمان، وهو الإيمان بدين آينشتاينيّ كما وصفه، أو إيمان وحدة الوجود بأنّ كلّ ما في الكون هو الله، وأمّا الله الشخصيّ والموجود وراء الطبيعة فلا يؤمن به!

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

  لم يكن آينشتاين ملحداً بالمعنى الذي ينكر فيه وجود الإله، فعند سؤاله إن كان يؤمن بوجود إله أجاب آينشتاين: (لست ملحداً، فالمسألة المطروحة أكبر من أن تستوعبها عقولنا، نحن نقف في موقف الطفل الصغير الذي يدخل مكتبة ضخمة مملوءة بكتب مكتوبة بلغات عديدة، يعرف الطفل أنّ لابدّ أنّ شخصاً ما كتب هذه الكتب، ولكنّه لا يعرف كيف). [المسألة الدينية عند آينشتاين لعبد اللطيف صديقي ص38].

  فقد كان آينشتاين يتصوّر الإله كقوّة أو روح عليا تسري في الكون، وأنّ العالم بأكمله هو إلهيّ، والإله حاضر فيه وغير منفصل، وبذلك يظهر آينشتاين تأثّره الكبير بالفيلسوف الهولنديّ سبينوزا، وقد صرح بذلك بقوله: (أنا مفتون بوجهة نظر سبينوزا المتعلّقة بوحدة الوجود) [المسألة الدينية عند آينشتاين ص19].

  ويبدو أنّ آينشتاين قد توصّل إلى حقيقة مفادها: أنّ الإله لا يمكن تصوّره ذهنيّاً، فالعقل عاجز عن تقديم أيّ وصف أو تفسير للإله، فيقول في ذلك: (إنّني أرى الساعة لكنّي لا أستطيع أن أتخيّل صانع الساعة، وإنّ عقل الإنسان لا يستطيع تصوُّر أربعة أبعاد، فكيف يستطيع أن يتصوَّر الله؟).

ويقول: (إنّ تديّني يحتوي على إعجاب متواضع بروح عليا لا نهائية تفصح عن نفسها بالشأن اليسير الذي بوسعنا إدراكه عن العالم) [المسألة الدينية عند آينشتاين ص46].

  وقد ذكرنا في إجابة سابقة: أنّ الإلحاد يتوهّم بأنّ الإله الذي يؤمن به المؤمن هو إله شخصانيّ، بمعنى أنّ المؤمن يصدّق بوجود حقيقة، لها صورة محدّدة ومشخّصة في الأذهان، وهذه الصورة المتخيّلة عند المؤمن أشبه بالحقيقة المثاليّة للإنسان الكامل، وحاول الإلحاد التأكيد على هذا المعنى من خلال التأكيد على طبيعة الإدراك عند الإنسان، فعندما تواجه الطبيعة الإدراكيّة للإنسان بالسؤال عن مَن أوجد هذا الكون؟ فإنّ تلك الطبيعة تقوم بافتراض وجود شخص خارق هو الذي أوجد الكون، وعليه يصبح الله في تصوّر المؤمن وبحسب هذا الوصف هو الإنسان الكامل والمعجز والمطلق، كما يقول أحدهم: بما أنّ الكائن الشخصانيّ "الإنسان" يخلق نظاماً "آلة بناء معماري ..الخ".. إذاً فكلّ نظام - كالكون مثلاً - لابدّ أن ينتجه كائن شخصانيّ، وهو ما يُدعى بالإله الذي هو كملك بشريّ خارق عند الكثرة من المتديّنين التقليديّين.

  ويبدو أنّ هذه الشبهة استحكمت في ظلّ الغرب المسيحيّ الذي تعامل مع السيّد المسيح على أنّه إله وربّ، وعليه: فإنّ كلّ كلمات الفلاسفة والعلماء الغربيين عن الله تنطلق من هذا التصوّر الكنسيّ لله، وهو الإله الشخصانيّ.

   ونحن بدورنا نؤكّد على وجود هذه الإشكاليّة بشكل عام بين الأديان، بل حتّى في الدائرة الإسلاميّة هناك مَن وقع في هذا النوع من الاعتقاد، فبعض المذاهب روّجت للإيمان بإله شخصيّ في صورة شاب أمرد، وله من الصفات الجسميّة كما للإنسان.

كلّ ذلك يؤكّد على أنّ الإنسان قد انحرف عن الطريق الموصل للمعرفة الحقّة بالله، حتّى أصبحت الأديان السماويّة كلّ واحد منها يدعو إلى إله يختلف عن الآخر، كلّ ذلك بسبب التشبيه والمقايسة بين الله وبين الإنسان، يقول تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.

  ومن هذه الزاوية نحن لا ننازع آينشتاين فيما يقول؛ لأنّ الله الذي يمكن تصوّره بالعقل لا يمكن الإيمان به، وفي نفس الوقت لا يمكن لعاقل أن ينكر وجوده كما فعل آينشتاين، وقد عالجنا هذا الأمر في كثير منإاجاباتنا السابقة.

  وبكلمة مختصرة: إنّ معرفة الله في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) تقوم على إثبات وجوده دون تشبيه وتعطيل، كما تؤكّد تلك المعرفة على عجز العقل عن إدراكه وتصوّره، فكلّ ما يُتصوّر هو دون الله تعالى، فلا يمكن قبول أيّ معرفة متصوّرة أو متوهّمة لله تعالى.

  وفي المحصلة: فإنّ الإله الشخصانيّ إله متوهّم، لا يعبّر عن الله خالق السماوات والأرض حتّى لو تبنّاه بعض أتباع الأديان السماويّة، يقول الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السلام) - كما جاء في بحار الانوار - : « كلُّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوقٌ مصنوعٌ مثلكم مردودٌ إليكم ».