فضائل عبد المطلب

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنّ لعبد المطلب بن هاشم (عليهما السلام) فضائل جّمة ومناقب كثيرة، كيف لا؟ وهو من الأصلاب الطاهرة الطيّبة التي انتقل فيها نور النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وافتخر به النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وقد نزلت سورة الفيل لتأكيد جلالة قدره وعظمة شأنه، وكان معروفاً عند قريش والعرب أنّه صاحب كرامات باهرة، وقد قنّن في زمن الجاهليّة قوانين أمضاها الله في الإسلام وجعلها أحكاماً شرعيّة، فهو من الحجج الإلهيّين المغمورين الذين يكتمون إيمانهم، وسيُحشر يوم القيامة وعليه بهاء الملوك وهيبتها وسيماء الأنبياء وصفاتها، وآنذاك تظهر المقامات المعنويّة والفضائل الحقيقيّة لرجال الله.

قال الشيخ الصدوق: (ولعبد المطلب عشرة أسماء، تعرفه بها العرب وملوك القياصرة وملوك العجم وملوك الحبشة، فمن أسمائه: عامر، وشيبة الحمد، وسيد البطحاء، وساقي الحجيج، وساقي الغيث، وغيث الورى في العام الجدب، وأبو السادة العشرة، وعبد المطلب، وحافر زمزم، وليس ذلك لمَن تقدمه) [الخصال ص62].

وسنذكر في المقام نزراً من الفضائل والمقامات التي وردت في الأخبار والأحاديث:

الأول: الإيمان بالتوحيد والإسلام:

روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال في وصيته له : « يا عليّ، إنّ عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم - عليه السلام - » [الخصال ص313، من لا يحضره الفقيه ج4 ص366].

وروى أيضاً بالإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: « سمعت أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - يقول: والله، ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قطّ، قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم - عليه السلام - متمسّكين به » [كمال الدين ص175]. ونقله عنه الراواندي في [الخرائج والجرائح ج3 ص1075].

قال الشيخ الصدوق: (اعتقادنا في آباء النبيّ أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، وأمّه آمنة بنت وهب كانت مسلمة... وروي أنّ عبد المطلب كان حجّة، وأبا طالب كان وصيّه) [الاعتقادات ص110].

وقال الشيخ المفيد – تعليقاً على كلام الصدوق -: (آباء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى آدم – عليه السلام - كانوا موحّدين على الإيمان بالله، حسب ما ذكره أبو جعفر [يعني الصدوق] – رحمه الله -، وعليه إجماع عصابة الحق. قال الله تعالى: {الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين} يريد به: تنقله في أصلاب الموحدين. وقال نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -: « ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني الله تعالى في عالمكم هذا » فدلّ على أنّ آباءه كلهم كانوا مؤمنين؛ إذ لو كان فيهم كافر لما استحق الوصف بالطهارة؛ لقول الله تعالى: {إنما المشركون نجس}، فحكم على الكفار بالنجاسة، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بطهارة آبائه كلهم ووصفهم بذلك، دل على أنهم كانوا مؤمنين) [تصحيح الاعتقاد ص139].

وقال العلامة المجلسيّ: (الأخبار الدالّة على إسلام آباء النبيّ - صلوات الله عليهم - من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة) [بحار الأنوار ج12 ص49].

الثاني: كتمان الإيمان وإظهار الكفر:

وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عبد الله بن العبّاس – في رواية طويلة -: أنّ عبد المطلب أوصى أبا طالب بالنبيّ (صلى الله عليه وآله)، وفيها: « يا أبا طالب، إنْ أدركتَ أيّامه فاعلم أنّي كنتُ من أبصر الناس وأعلم الناس به، فإنْ استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك، فإنّه - والله - سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي » [كمال الدين ص172].

نقل الفتال النيسابوريّ: « قال جابر: فقلت: يا رسول الله، أكثر الناس يقولون: إنّ أبا طالب مات كافراً، قال: يا جابر، ربّك أعلم بالغيب، إنّه لمّا كانت الليلة التي أسري بي فيها إلى السماء، انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار، فقلت: إلهي، ما هذه الأنوار؟ فقال: يا محمّد، هذا عبد المطلب، وهذا عمّك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب، فقلت: إلهي وسيّدي، فبماذا نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر، وصبرهم على ذلك حتّى ماتوا عليه - سلام الله عليهم أجمعين - » [روضة الواعظين ص80-81].

قال الشيخ الصدوق: (وكان عبد المطلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبيّ - صلى الله عليه وآله -، وكانا يكتمان ذلك عن الجهّال وأهل الكفر والضلال) [كمال الدين ص171].

الثالث: الأصلاب الطاهرة:

وردت روايات كثيرة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) انتقل من الأصلاب الطاهرة الطيبة إلى الأرحام الطاهرة الطيبة، نذكر بعضها:

روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن يحيى بن أبي إسحاق، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه (عليهم السلام)، قال: « سُئل النبيّ (صلى الله عليه وآله) أين كنت وآدم في الجنّة؟ قال: كنت في صلبه، وهبط بي إلى الأرض في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في النار في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق لي أبوان على سفاح قط، ولم يزل الله عزّ وجلّ ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة هادياً مهدياً حتى أخذ الله بالنبوة عهدي، وبالإسلام ميثاقي، وبين كل شيء من صفتي، وأثبت في التوراة والإنجيل ذكري.. » [الأمالي ص723].

ورواه أيضاً بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) [معاني الأخبار ص55].

وروى أيضاً بالإسناد عن أبي ذر (رحمة الله عليه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: « خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد، نسبّح الله يمنة العرش قبل أن خلق آدم بألفي عام، فلما أن خلق الله آدم - عليه السلام - جعل ذلك النور في صلبه، ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه، ولقد هم بالخطيئة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح - عليه السلام - السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم - عليه السلام - في النار ونحن في صلبه، فلم يزل ينقلنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فقسمنا بنصفين، فجعلني في صلب عبد الله، وجعل عليا في صلب أبي طالب، وجعل في النبوة والبركة، وجعل في علي الفصاحة والفروسية، وشق لنا اسمين من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمد، والله الاعلى وهذا علي » [معاني الأخبار ص21].

وروى الشيخ الطوسيّ بالإسناد عن نصر بن مالك، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: « كنت أنا وعليّ عن يمين العرش، نسبّح الله قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما خلق آدم جعلنا في صلبه، ثم نقلنا من صلب إلى صلب في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهرات حتى انتهينا إلى صلب عبد المطلب، فقسمنا قسمين: فجعل في عبد الله نصفا، وفي أبي طالب نصفا، وجعل النبوة والرسالة في، وجعل الوصية والقضية في علي، ثم اختار لنا اسمين اشتقهما من أسمائه، فالله المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، فأنا للنبوة والرسالة، وعلي للوصية والقضية » [الأمالي ص183].

الرابع: افتخار النبيّ بعبد المطلب:

نقل السيّد ابن طاوس الحليّ زيارةً للنبي (صلى الله عليه وآله)، وجاء فيها: « السلام على جدك عبد المطلب وعلى أبيك عبد الله، السلام على أمك آمنة بنت وهب، السلام على عمك حمزة سيد الشهداء... » [إقبال الأعمال ج3 ص124]. ونقلها الشهيد الأول في [المزار ص11].

روى الشيخ الطوسيّ خبراً بخصوص يوم حنين، ومما جاء فيها: «.. ورسول الله - صلى الله عليه وآله - مصلت سيفه في المجتلد، وهو على بغلته الدلدل، وهو يقول: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب » [الأمالي ص574].

ونقل الشيخ المفيد – بخصوص غزوة حنين -: « فلما رآهم النبي - عليه وآله السلام - قام في ركابي سرجه حتى أشرف على جماعتهم وقال: الآن حمي الوطيس، أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب » [الإرشاد ج1 ص143]. ونقله ابن شهر آشوب في [المناقب ج1 ص181].

وروى محمد بن سليمان الكوفي بالإسناد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال: لم يمر على الناس يوم مثل يوم أحد أشد منه، جرح النبي - صلى الله عليه وآله -، وقتل حمزة، وانكشف الناس عن النبي - صلى الله عليه وآله - فتركوه وهو يقول: أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب.. » [المناقب ج1 ص466].

وقول النبي (صلى الله عليه وآله) هذا معروف مشهور، رواه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وعامة المحدثين والمؤرخين.

الخامس: الطواف عنه يوجب استجابة الدعاء:

روى الشيخان الكلينيّ والصدوق عن داود الرقي قال: « دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ولي على رجل مال قد خفت تواه فشكوت إليه ذلك فقال لي: إذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافا وصل ركعتين عنه وطف عن أبي طالب طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن آمنة طوافا وصل عنها ركعتين وطف عن فاطمة بنت أسد طوافا وصل عنها ركعتين ثم ادع أن يرد عليك مالك، قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال أقبض مالك » [الكافي ج4 ص544، من لا يحضره الفقيه ج2 ص521]

السادس: كانت له خمس سنن أجراها الله في الإسلام:

روى الشيخ الصدوق بطريق معتبر عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: « وكانت لعبد المطّلب خمس سنن أجراها الله عزّ وجلّ في الاسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، وسن الدية في القتل مائة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمّى زمزم لمّا حفرها سقاية الحاجّ » [الخصال ص57، عيون أخبار الرضا ج1 ص190].

وروى بالإسناد عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال في وصيته له : « يا عليّ، إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها الله له في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، فأنزل الله عز وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به، فأنزل الله عزّ وجلّ: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه - الآية}، ولمّا حفر زمزم سمّاها سقاية الحاج ، فأنزل الله: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمَن آمن بالله واليوم الآخر – الآية}، وسنّ في القتل مائة من الإبل فأجرى الله عزّ وجلّ ذلك في الإسلام، ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسنّ فيهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى الله ذلك في الإسلام » [الخصال ص312، من لا يحضره الفقيه ج4 ص365].

السابع: كرامات عبد المطلب

كان عبد المطلب (عليه السلام) معروفاً عند قريش والعرب والمسلمين بالكرامة والمعجزة، وقد كان الكافرون والمنافقون حسداً وبغضاً يعدّونها سحراً وشعبذة!! وهذه بعض النصوص الدالة على رسوخ ظهور الكرامات من عبد المطلب:

روى الطبريّ الإماميّ عن محمّد بن ثابت، قال: « كنت جالساً في مجلس سيدنا أبي الحسن عليّ بن الحسين زين العابدين - صلوات الله عليه -، إذ وقف به عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له: يا عليّ، بن الحسين، بلغني أنك تدّعي أن يونس بن متى عرضت عليه ولاية أبيك فلم يقبلها... [فأراه الإمام كرامة باهرة] فقلت له: يا سيدي، لقد رأيت في يومي عجباً، فآمنت به، فترى عبد الله بن عمر يؤمن بما آمنت به؟ فقال لي: لا، أتحب أن تعرف ذلك؟ فقلت: نعم، قال: قم فاتبعه وماشيه واسمع ما يقول لك. فتبعته في الطريق ومشيت معه، فقال لي: إنك لو عرفت سحر عبد المطلب لما كان هذا بشئ في نفسك، هؤلاء قوم يتوارثون السحر كابرا عن كابر، فعند ذلك علمت أن الإمام لا يقول إلا حقا » [دلائل الإمامة ص212، نوادر المعجزات ص117].

ونقل ابن شهر آشوب: « وأخذ العدويّ من بيت المال ألف دينار، فجاء سلمان على لسان أمير المؤمنين - عليه السلام -، فقال له: ردّ المال إلى بيت المال، فقد قال الله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة }، فقال العدوي: وما أكثر سحر أولاد عبد المطلب، ما عرف هذا قط أحد، واعجب من هذا أنّي رأيته يوماً، وفي يده قوس محمّد، فسحرت منه، فرماها من يده، وقال: خذ عدو الله، فإذا هي ثعبان مبين، يقصد إليّ، فحلّفته حتى أخذها وصارت قوساً » [مناقب آل أبي طالب ج2 ص154].

روى ابن عساكر بالإسناد عن المفضل بن عمر الجعفيّ، قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: حدّثني أبي محمّد بن علي، حدّثني أبي عليّ بن الحسين قال: « لمّا قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه وتمرغ، ثمّ طار فوقع في المدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن عليّ - وهي الصغرى – ونعب، فرفعت رأسها إليه، فنظرت إليه، فبكت بكاء شديدا، وأنشأت تقول: (نعب الغراب فقلت من * تنعاه ويلك يا غراب) (قال الإمام فقلت من؟ * قال الموفق للصواب) (قلت الحسين فقال لي * حقا لقد سكن التراب) (إن الحسين بكربلا * بين الأسنة والضراب)... قال محمّد بن علي بن الحسين: قال أبي علي بن الحسين: فنعته لأهل المدينة، فقالوا: قد جاءتنا بسحر عبد المطلب. فما كان بأسرع من أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي » [تاريخ دمشق ج70 ص24].

وروى الشيخ الصفار بالإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: « لقى أمير المؤمنين - عليه السلام - أبا بكر في بعض سكك المدينة، فقال له: ظلمت وفعلت، فقال له: ومن يعلم ذلك؟ قال: يعلمه رسول الله - صلى الله عليه وآله -، قال: وكيف لي برسول الله - صلى الله عليه وآله - حتّى يعلم ذلك، لو أتاني في المنام فأخبرني لقبلت ذلك، قال عليّ - عليه السلام -: فأنا أدخلك على رسول الله - صلى الله عليه وآله - في مسجد قبا، قال: فأدخله مسجد قبا، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وآله - في مسجد قبا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وآله -: اعتزل عن ظلم أمير المؤمنين - عليه السلام -، فخرج من عنده، فلقيه عمر فأخبره بذلك، فقال له: اسكت، أما عرفت سحر بنى عبد المطلب » [بصائر الدرجات ص296].

ومن جملة كراماته: تكليمه مع الفيل الذي كان في جيش أبرهة الحبشي:

روى الشيخ الكليني بالإسناد عن عبد الرحمن بن الحجاج والمفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أنّ جيش أبرهة لمّا أخذوا إبل عبد المطلب « فبلغ ذلك عبد المطلب، فأتى صاحب الحبشة فدخل الاذن، فقال: هذا عبد المطلب بن هاشم قال: وما يشاء؟ قال الترجمان: جاء في إبل له ساقوها، يسألك ردها فقال ملك الحبشة لأصحابه: هذا رئيس قوم وزعيمهم جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه وهو يسألني إطلاق إبله، أما لو سألني الامساك عن هدمه لفعلت، ردوا عليه إبله، فقال عبد المطلب لترجمانه: ما قال لك الملك؟ فأخبره، فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل و لهذا البيت رب يمنعه، فردت إليه إبله وانصرف عبد المطلب نحو منزله، فمر بالفيل في منصرفه، فقال للفيل: يا محمود فحرك الفيل رأسه، فقال له: أتدري لم جاؤوا بك؟ فقال الفيل برأسه: لا، فقال عبد المطلب: جاؤوا بك لتهدم بيت ربك أفتراك فاعل ذلك؟ فقال برأسه: لا، فانصرف عبد المطلب إلى منزله فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم فأبى وامتنع عليهم.. » [الكافي ج1 ص447].

الثامن: يُحشر يوم القيامة أمة واحدة، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء:

روى الشيخ الكلينيّ بإسناد صحيح عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « يُحشَر عبد المطّلب يوم القيامة أمة واحدة، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك » [الكافي ج1 ص446-447].

وروى أيضاً بالإسناد عن مقرن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « إنّ عبد المطّلب أوّل مَن قال بالبداء، يبعث يوم القيامة أمّة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء » [الكافي ج1 ص447].

وروى أيضاً بالإسناد عن عبد الرحمن بن الحجاج والمفضّل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: « يُبعث عبد المطّلب أمّة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء، وذلك أنّه أوّل مَن قال بالبداء » [الكافي ج1 ص447].

قال المجلسيّ: (يحشر وحده لأنّه كان متفرّداً في زمانه بدين الحق من بين قومه.. يحشر بنور مثل نور الأنبياء، وجلالة مثل جلالة الملوك في الدنيا أو حاله في الدنيا فإنه كان تابعا للأنبياء، ومن أوصيائهم ومستنّا بسنتهم وكان ألقى الله مهابته في قلوب الناس) [مرآة العقول ج5 ص236].

التاسع: نور عبد المطلب عند العرش:

نقل الفتال النيسابوريّ: « قال جابر: فقلت: يا رسول الله، أكثر الناس يقولون: إنّ أبا طالب مات كافراً، قال: يا جابر، ربّك أعلم بالغيب، إنّه لمّا كانت الليلة التي أسري بي فيها إلى السماء، انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار، فقلت: إلهي، ما هذه الأنوار؟ فقال: يا محمّد، هذا عبد المطلب، وهذا عمّك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب، فقلت: إلهي وسيّدي، فبماذا نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر، وصبرهم على ذلك حتّى ماتوا عليه - سلام الله عليهم أجمعين - » [روضة الواعظين ص80-81].

العاشر: كان عبد المطلب حجة:

روى الشيخ الصدوق بطريق معتبر عن الإمام علي الرضا (عليه السلام) قال: « ولولا أنّ عبد المطلب كان حجّة وأنّ عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لَمَا افتخر النبيّ - صلى الله عليه وآله - بالانتساب إليهما لأجل أنّهما الذبيحان في قوله - عليه السلام -: أنا ابن الذبيحين » [الخصال ص57، عيون أخبار الرضا ج1 ص190]

وروى أيضاً بالإسناد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال في وصيّته له: « يا عليّ، إن عبد المطلب - عليه السلام - سن في الجاهلية خمس سنن، أجراها الله عز وجل في الاسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء، فأنزل الله عز وجل: { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء }، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل الله عز وجل: { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول.. الآية }، ولما حفر بئر زمزم سمّاها سقاية الحاج، فأنزل الله تبارك وتعالى: { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر.. الآية }، وسنن في القتل مائة من الإبل، فأجرى الله عزّ وجلّ ذلك في الاسلام، ولم يكن للطواف عددٌ عند قريش فسنّ لهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى الله عز وجل ذلك في الإسلام » [الخصال ص313، من لا يحضره الفقيه ج4 ص365].

قال العلامة المجلسيّ: (أمّا والدا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد اتفقت الإمامية على إسلامهما وإسلام جميع أجداده إلى آدم - عليهم السلام -، بل كانوا من الصديقين، إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين، ولعلّ بعضهم لم يظهر الإسلام للتقية أو لغيرها من المصالح الدينيّة) [مرآة العقول ج5 ص233].

الحادي عشر: وتقلبك في الساجدين:

يقول الله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}، وردت روايات كثيرة في مصادر المسلمين في تفسير الآية الكريمة: تقلّبك في أصلاب النبيّين، من نبيّ إلى نبيّ حتى أخرجك نبيّاً. ولنذكر في المقام بعض الروايات من كتب الفريقين:

روى الشيخ القميّ عن محمّد بن الفرات، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: « {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} في النبوة، {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} قال: في أصلاب النبيين » [تفسير القميّ ج2 ص125].

وروى فرات الكوفيّ عن أبي جعفر (عليه السلام) – في قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} قال: « يراك حين تقوم بأمره، وتقلّبك في أصلاب الأنبياء، نبيّ بعد نبيّ » [تفسير فرات ص304].

وروى الشيخ الطبرسيّ في تفسير الآية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (صلوات الله عليهما)، قالا: « في أصلاب النبيين، نبي بعد نبي، حتى أخرجه من صلب أبيه، من نكاح غير سفاح، من لدن آدم عليه السلام » [مجمع البيان ج7 ص357-358].

وفي مصادر المخالفين: روى ابن أبي حاتم والطبرانيّ وابن سعد وابن الصوّاف وابن عساكر والثعلبيّ بالإسناد عن عكرمة عن ابن عبّاس، {وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} قال: « من نبيّ إلى نبيّ حتى أخرجك نبيّاً » [تفسير القرآن ج9 ص2828، المعجم الكبير ج11 ص287، الطبقات الكبرى ج1 ص25، أجزاء ابن الصوّاف ص38، تاريخ دمشق ج3 ص401، الكشف والبيان ج7 ص184].

قال ابن حجر: (إسناده حسن) [مختصر زوائد مسند البزاز ج2 ص98]. وقال الهيثميّ: (رواه البزّاز والطبرانيّ ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة) [مجمع الزوائد ج7 ص86]، وقال: (رواه البزّاز ورجاله ثقات) [مجمع الزوائد ج8 ص214].

والحمد لله رب العالمين