هل فعلاً الالحاد يهدف إلى تحرير المؤمنين؟

سؤال: الغرض من نقد الدين ليس هو سلب المؤمنين إيمانهم الذي يغذي أرواحهم وحياتهم القاحلة، بقدر ما هو محاولة لنزع الأغلال التي كبّلهم بها رجالات الدين على مر العصور، وتمكينهم من الحركة بدون أغلال؛ حتّى يستطيعوا قطف الأزهار الحقيقية بدل الزهور الاصطناعية التي يقدمها لهم رجالات الدين في شكل صكوك غفران أو وعد بدخول جنةٍ لحمها وسداها الممارسات الجنسية مع الحور العين. دوكنز وهم الاله ص١٣.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

أوّلاً: هذا الكلام مقتطع من مقال لكامل النجار، نشره في موقع الحوار المتمدن تحت عنوان (نقض الدين) سنة 2009م، ولا ندري ما هو الدافع لنسبة هذه الكلام لدوكنز.

ثانياً: بالرجوع إلى المقال بتمامه نجد أنّ الكاتب لم يكن صادقاً في هدفه وهو نزع الأغلال عن المؤمنين، وإنّما كان هدفه الحقيقيّ هو القضاء على الدين ونزعه تماماً من النفوس، فالكلام عن نزع الأغلال وتحرير الإنسان المؤمن ليس إلّا خداعاً واستعطافاً البعض الدهماء.

ثالثاً: لم يكن لكاتب المقال في الواقع مشكلة مع رجال الدين، وإنّما كانت مشكلته مع الله ومع أصل الإيمان بوجود الخالق، حيث بدأ مقاله بالقول: (إنّ الأديان من صنع الإنسان، والإنسان هو الذي خلق الآلهة التي تطورت بتطوره).

رابعاً: لم يسلّم الكاتب من التناقض بقوله: (والغرض من نقد الدين ليس هو سلب المؤمنين إيمانهم)، وهنا نسأل: هل سلب الإيمان شيئاً آخر غير سلب الدين؟ فإذا تمّ نقض الدين وثبت كونه خرافةً، فأيّ شيء يبقى للمؤمن حتّى يؤمن به؟

خامساً: يتحدّث عن الإيمان الذي لا ينوي سلبه من نفوس المؤمنين لأنّه بحسب وصفه (يغذي أرواحهم وحياتهم القاحلة)، والسؤال هنا: هل هذه الأرواح والحياة القاحلة بسبب إيمانهم بالدين أو بسبب شيء آخر غيره؟

إذا كان بسبب إيمانهم فمن باب أولى أن يكون هدفه سلب هذا الإيمان الذي تسبّب في جعل حياتهم قاحلة، وهذا خلاف ما صرّح به؛ إذ أكّد أنّ هدفه من نقض الدين لم يكن سلب إيمان المؤمنين.

وأمّا إذا كان المتسبّب في هذه الحياة القاحلة هو شيء آخر غير الدين، فلماذا يستهدف الدين بالنقض طالماً لم يكن متسبّباً في حدوث ذلك؟ الأمر الذي يؤكّد من جديد أنّ قوله: (والغرض من نقد الدين ليس هو سلب المؤمنين إيمانهم) لا يعدو كونه مجموعة من الكلمات التي اصطفت خلف بعضها دون أن يكون لها معنى منطقيّ واضح.

سادساً: يدّعي أنّ الهدف الذي يحرّكه هو إنقاذ المؤمنين من الأغلال التي كبّلهم بها رجالات الدين على مرّ العصور، وهنا نسأل أيضاً: إنْ كان صادقاً فيما يقول، لماذا لا يدافع عن الدين ويهاجم الرجال الذين حوّلوه بفهمهم المغلوط إلى مجموعة من الغلال؟

فإمّا أن يكون الدين بنفسه هو مجموعة من الأغلال، وحينها لا يكون رجال الدين هم الذين كبّلوا المؤمنين بالأغلال، وإنّما يكون المؤمنون بأنفسهم هم الذين اختاروا بمحض إرادتهم التقيّد بهذه الأغلال.

وإمّا أن يكون الدين بريئاً من هذه الأغلال، ورجال الدين - بتفسيراتهم الخاطئة - هم الذين أضافوا إليه هذه الأغلال، فحينها يكون الواجب هو الدفاع عن الدين ومهاجمة رجالاته، بعكس ما صرح به بقوله: (الغرض من نقض الدين هو نزع الأغلال التي كبّلهم بها رجالات الدين على مرّ العصور).

سابعاً: يقول: (..حتّى يستطيعوا قطف الأزهار الحقيقيّة بدل الزهور الاصطناعيّة التي يقدّمها لهم رجالات الدين في شكل صكوك غفران أو وعد بدخول جنّةٍ لحمها وسداها الممارسات الجنسيّة مع الحور العين)، يبدو أنّ قصده من الزهور الحقيقيّة هي متعة الحياة الدنيا، وبالزهور الاصطناعية متعة الجنّة، وهنا يضع الكاتب نفسه في موضع الناصح الذي يرغب المؤمنين في الدنيا بوصفها (زهرة حقيقيّة)، ويأمرهم بترك الآخرة بصوفها (زهرة اصطناعيّة).

ويكفي في بطلان هذا الكلام: أنّ الدين ورجال الدين لا يمنعون الناس من متع الحياة، ولا يقرّون بوجود تناقض حتّى يكون الإنسان مضطراً لاختيار أحدهما، يقول تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

ومن ثَمَّ إنّ الدنيا مهما طال أمدها لن تكون متعها (أزهار حقيقيّة)، وكيف تكون حقيقيّة وهادم اللذات يترصّد كلّ مَن فيها؟

من أهمّ الفروق بين الحقيقيّ والاصطناعيّ: هو أنّ الاصطناعيّ زائف لا حقيقة فيه، وهذا ما يجده كلّ عاقل في حقيقة الحياة الدنيا، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): « إنّ الدنيا عيشها قصير، وخيرها يسير، وإقبالها خديعة، وإدبارها فجيعة، ولذّاتها فانية، وتبعاتها باقية »، ويقول: « يا أهل الغرور، ما ألهجكم بدارٍ خيرها زهيد، وشرّها عتيد، ونعيمها مسلوب، ومسالمها محروب، ومالكها مملوك، وتراثها متروك ».

والعجيب أنّه تحدّث عن صكوك الغفران كما تحدّث عن الحور العين، فإنْ كان الكاتب ينطلق من خلفيّة مسيحيّة فأين وجد وعود رجالات الكنيسة بالحور العين والمسيحيّة لا تؤمن بوجود حور عين ولا زواج في الجنّة؟ وإنْ كان الكاتب من خلفيّة مسلمة فأين وجد صكوك الغفران التي يوزّعها رجال الدين المسلمين؟

وفي المحصلة، إنّ الكاتب ذكر ادّعاءات خالية من أيّ دليل أو برهان حتّى تتمّ مناقشته، ولذا حصرنا ردّنا على بيان ما وقع فيه من تهافت باستخدام نفس كلماته وعباراته.