المشاركات في مراسم غسل وتكفين الزهراء (ع)
سؤال: مَن هم الذين حضروا مراسم تغسيل وتكفين فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟
الجواب:
في البدء لا بدّ من بيان أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي غسّل سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، كما ورد في الروايات الكثيرة، وتشير بعض الأخبار إلى أنّ أسماء بنت عميس شاركت أمير المؤمنين (عليه السلام) في التغسيل، وأنّ ذلك كان بوصيّة من الزهراء (عليها السلام).
ولكن، ليس المراد من هذه الروايات أنّها شاركت بعمليّة الغسل، وهي صبّ الماء على البدن، فإنّ هذه الوظيفة مختصّة بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فلم يكن دور أسماء في الغسل مباشرة، لأنّ الزهراء (عليها السلام) صدّيقة لا يغسّلها إلا صدّيق، كما جاء في الرواية التي رواها الكلينيّ والصدوق والطوسيّ بأسانيدهم عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم، عن المفضّل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: « قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): مَن غسّل فاطمة؟ قال: ذاك أمير المؤمنين - وكأنّي استعظمت ذلك من قوله - فقال: كأنّك ضقتَ بما أخبرتك به؟ قال: فقلت: قد كان ذاك جعلت فداك، قال: فقال: لا تضيقن، فإنّها صدّيقة، ولم يكن يغسلها إلّا صدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها إلّا عيسى ». [الكافي 1/459، علل الشرائع: 1/184، تهذيب الأحكام: 1/440].
فكانت أسماء بنت عميس من اللواتي كان لهنّ دور في غسل الزهراء (عليها السلام)، وتكفينها، ولكنّها لم تباشر بعملية غسل البدن، فهذه المهمّة محصورة بأمير المؤمنين (عليه السلام). نعم، لقد شرّفها الله تعالى بأن كانت من اللاتي حضرن مراسيم غسلها وكفنها، ومعاونة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الغسل، كما أوصت بذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فيكون دورها محصوراً بتهيئة ما يحتاجه الإمام للغسل، كتهيئة الماء، وإحضار الكافور والسدر، وخلطهما بالماء، ومعاونته في تكفينها، وما شاكل هذه الأمور، لا المباشرة بعمليّة نفس الغسل.
ويشهد له العديد من الروايات: فعن عليّ (صلوات الله عليه) أنّه قال: « أوصت إليّ فاطمة (عليها السلام) أن لا يغسلها غيري، وسكبت علي الماء أسماء بنت عميس ». [دعائم الإسلام: 1/228]، فهي كانت تسكب الماء لعلي (عليه السلام)، وتحضره إليه، ليقوم (عليه السلام) بغسل البدن الطاهر لمولاتنا الزهراء (عليها السلام).
وروى الحميريّ عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): « أنّ عليّاً (عليه السلام) غسل امرأته فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). [قرب الإسناد: 88].
وقال الإربليّ: روى ابن بابويه مرفوعاً إلى الحسن بن عليّ (عليه السلام): « أنّ عليّاً غسل فاطمة (عليها السلام) ». [كشف الغمة: 2/125].
وروى القاضي النعمان عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: « غسل عليّ فاطمة (صلوات الله عليهما)، وكانت قد أوصت بذلك ». [دعائم الإسلام: 1/228].
وقال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن محمّد بن موسى: « أنّ عليّ بن أبي طالب غسل فاطمة ». [الطبقات الكبرى: 8/28].
مصباح الأنوار: عن أبي جعفر عليه السلام قال: قالت فاطمة لعلي عليهما السلام إني أوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إلي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنامت فغسلني بيدك، وحنطني وكفني وادفني ليلاً، ولا يشهدني فلان وفلان، واستودعتك الله تعالى حتى ألقاك، جمع الله بيني وبينك في داره وقرب جواره. (بحار الانوار: 78 / 390) فنلاحظ تأكيد الزهراء (ع) أن يباشر عليّ (ع) بتغسيلها بيده.
ونقل ابن شهر اشوب: وقالت أسماء بنت عميس: « أوصت إليّ فاطمة ألّا يغسلها إذا ماتت إلّا انا وعليّ، فأعنتُ علياً على غسلها ». [مناقب آل أبي طالب: 3/138].
فدورها منصبّ في مساعدة عليّ (عليه السلام) بتهيئة المقدّمات، لا مشاركته في الغسل، وعلى هذا تحمل جميع الروايات التي تنص أنّ أسماء شاركت أمير المؤمنين (عليه السلام) في غسل الزهراء (عليها السلام).
وغيرها من الروايات الكثيرة.
الحاضرون مراسم غسل الزهراء (ع) وتكفينها:
ذكر المؤرّخون حضور أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، هؤلاء من البيت العلويّ، وفضّة خادمة الزهراء (عليها السلام)، وأسماء بنت عميس.
قال الطبري الصغير: قال أبو عليّ محمّد بن همام بن سهيل (رضي الله عنه): « وروي: أنّها قُبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة، وخمسة وثمانين يوماً بعد وفاة أبيها، فغسّلها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يحضرها غيره، والحسن، والحسين، وزينب، وأمّ كلثوم، وفضّة جاريتها، وأسماء بنت عميس ». [دلائل الإمامة: 136].
ويحتمل حضور أم سلمة، وأمّ أيمن أيضاً، كما يُشعر به رواية الطبري في الدلائل المرويّة عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في خبر يذكر فيه وفاة فاطمة (عليها السلام)-: « أنّها طلبت من أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا توفيت لا أعلم أحداً إلّا أمّ سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمّ أيمن، وفضّة، ومن الرجال ابنيها، وعبد الله بن عبّاس، وسلمان الفارسيّ، وعمّار بن ياسر، والمقداد، وأبا ذر، وحذيفة. وقالت: إنّي قد أحللتك من أن تراني بعد موتي، فكن مع النسوة فيمَن يغسلني، ولا تدفني إلّا ليلاً، ولا تعلم أحداً قبري ». [دلائل الإمامة: 135].
فيظهر من هذا الحديث أنّ هناك مجموعة صغيرة من النسوة ممّن شهدنَ تغسيل السيّدة فاطمة (سلام الله عليها)، وصدر الحديث يشعر بإعلام أمّ أيمن وأمّ سلمة وفضّة، ويبعد عدم حضورهنّ مراسم تغسيلها.
وقيل: بحضور سلمى زوجة أبي رافع، خادمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).[الإستيعاب لابن عبد البر: 4 / 1862].
وفي رواية عماد الدين الطبري أنّ الزهراء (ع) أوصت: وينبغي أن تحضر أسماء وفلانة وفلانة إلى أربع نسوة، غسلي. (كامل البهائي: 1 / 395)
وعليه: فيحتمل قوياً أنّ الأربعة هنّ: أسماء وأمّ أيمن وأم سلمة وفضة.
ولم يحضر تغسيلها غير هؤلاء.
منع عائشة من حضور مراسيم الغسل والتكفين:
لمّا باشر أمير المؤمنين بتغسيل السيّدة الزهراء (عليهما السلام)، علمت عائشة بنت أبي بكر بمباشرتهم بتغسيلها، فطلبت المشاركة، فأخبروها بوصيّتها، ومنعوها من الدخول عليها.
روى محدّثو العامّة بسندهم عن أمّ جعفر: « أنّ فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إنّي أستقبح ما يُصنَع بالنساء، يُطرَح على المرأة الثوب، فيصفها. قالت: يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيتُه بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثمّ طرحت عليها ثوباً. فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! إذا متّ فغسليني أنت وعليّ، ولا يدخلنّ أحدٌ عليّ.
فلمّا توفيت، جاءت عائشة لتدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر. فجاء، فوقف على الباب، فكلّم أسماء. فقالت: هي أمرتني. قال: فاصنعي ما أمرتك، ثمّ انصرف ». [الاستيعاب: 4/1897، السنن الكبرى للبيهقيّ: 4/34، الذريّة الطاهرة: 153، أسد الغابة: 5/524، سير أعلام النبلاء: 2/128، تاريخ الإسلام: 3/48].
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وسيعلم الذين ظلموا آل محمد أيّ منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين
اترك تعليق