هل الأخذ بالأسباب يتعارض مع الدعاء؟

السؤال: بالعلم والطب ستُشفَى الأمراض وليس بالدعاء والصلاة، فلن يشفيك الإله من مرض طالما هو من أصابك به منذ البداية. (فريدريك دوغلاس).

: الشيخ معتصم السيد احمد

‏الجواب:

ليس هناك تعارض بين الدعاء وبين الاستعانة بالأسباب الطبيعة حتّى نجري بينهما هذه المقابلة، ففي اللّحظة التي يستعين فيها الإنسان بالأسباب الطبيعة لا يستغني عن الدعاء، وفي اللحظة التي يتوجّه فيها بالدعاء إلى الله تعالى لا يهمل الأسباب الطبيعية، فالله سبحانه وتعالى أقام الكون على الأسباب والمسبّبات، ففي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب فجعل لكلِّ شيء سببا" (الكافي، ج1، ص 183).

وهنا يجب أن نلفت الانتباه إلى أنّ إقامة الكون على الأسباب والمسبّبات لا يعني خروج الكون عن إرادة الله وسلطانه؛ بل يظلُّ الكون خاضع لله تعالى في أصل وجوده وفي بقائه واستمراره وفي النظام المتحكّم فيه، فالله سبحانه هو الذي يجعل الأسباب مؤثّرة أو غير مؤثّرة، أي أنّ قبضها وبسطها بيد الله تعالى وحده، ومن هنا كان الأخذ بالأسباب من صميم العبادة، وفي نفس الوقت الاعتماد عليها وحدها والثقة فيها بحيث لا يرجى ولا يخاف إلّا منها يعدُّ شركاً بالله تعالى، وعليه فإنّ على العبد الاستعانة بالأسباب الطبيعيّة مع التوكّل على الله تعالى وطلب عونه وتوفيقه.

فلا الذين اقتصروا على الأسباب الطبيعيّة وتركوا الدعاء، ولا الذين اقتصروا على الدعاء وتركوا الأسباب الطبيعية أصابوا الحقيقة، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنّ نبيّاً من الأنبياء مرض، فقال: لا أتداوى حتّى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله تعالى إليه: لا أشفيك حتّى تتداوى، فإنّ الشفاء منّي" (ميزان الحِكمة ج2 ص 940).

وقد ورد عن النبيّ وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) الكثير من الروايات التي تتحدّث عن أنواع الأدوية، كما كانوا يوصون بالحمية أو ببعض الأعشاب للتخلّص من بعض الأمراض، كلُّ ذلك يدلُّ على ضرورة الأخذ بالأسباب مع تأكيدهم على أنّ الشافي هو الله تعالى، ومن ذلك ما روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: "يا أيّها الناس تداووا، فإنّ الله تعالى لم يخلق داءً إلّا خلق له شفاء، إلّا السام، والسام الموت" (ميزان الحِكمة ج2 ص 940).

والذي يبدو لنا أنّ القول المنسوب لفريدريك دوغلاس الذي أشار إليه صاحب السؤال، إنْ صحّت نسبته، فإنّه يجب أنْ لا يُفهم في إطار الإلحاد أو إنكار تأثير الدعاء والصلاة، وذلك لأنّ فريدريك دوغلاس لم يكن ملحداً وقد جاء في سيرته أنّه كان يشرف على تعليم العبيد في أميركا القراءة والكتابة من خلال قراءة الإنجيل، وعليه يجب فهم هذا الكلام في إطار المشروع الذي سخّر نفسه من أجله وهو المطالبة بتحرير العبيد في أمريكا من الاستعباد والرقِّ، فقد عانى هو نفسه من ذلك حيث ولد كعبد في مزرعة في مقاطعة تالبوت في ولاية ماريلاند.

وعليه، فإنّ السياق الذي كان يتحرك فيه فريدريك دوغلاس يجعلنا نحمل المقصود من هذه العبارة إلى ضرورة الأخذ بالأسباب وعدم الاستسلام للمعنى السلبيّ للقدر. فالمعاملة الصعبة التي تعرّض لها العبيد وكثرة القيود التي تحكم تحركاتهم قد تجعل البعض منهم في حالة اليأس والاستسلام، وقد تستخدم الصلاة والدعاء في هذه الحالة كنوع من التخدير والهروب من تحمّل المسؤوليّة، ولعلّ ما جاء في هذه العبارات يكون المقصود منه دفع العبيد إلى تحمّل مسؤولياتهم والأخذ بالأسباب الطبيعيّة لينالوا حرّيتهم. والله تعالى أعلم.