المنافقون بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم

السؤال: كان صحابة رسول الله المخلصين يقولون: ما كنّا نعرف المنافقين الّا ببغضهم لعليّ بن أبي طالب، فَمَنْ هُمْ المنافقون في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأين ذهبوا بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

ينبغي الإشارة أوّلاً إلى أنّ الآيات القرآنيّة التي تحدّثت عن المنافقين كثيرة، وقد جمع الأستاذ إبراهيم عليّ سالم المصريّ الآيات الخاصّة بالمنافقين، فبلغت عُشر القرآن، وذلك في كتابه: النفاق والمنافقون.

ومن باب خوف الإطالة سوف لا نذكر الآيات الخاصّة بهم، فَمَنْ أرادها فليرجع إلى سور التوبة، والأحزاب، والنساء، والأنفال، والحشر، والمنافقين، والبقرة، وآل عمران، والمجادلة.

إنّ القارئ للسيرة النبويّة وأحاديثه صلّى الله عليه وآله وسّلم يلحظ وجود تلك الفئة وتأثيرها على المجتمع الإسلاميّ آنذاك، ففي غزوة أُحُدٍ انسحب ثُلث جيش المسلمين مع عبد الله بن أبي سلول، الذي كان يعدّ زعيماً للمنافقين، انسحب حوالي ثلاثمائة منهم وتركوا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عُرضةً للقتل في المعركة، فثلث المجتمع الإسلاميّ تقريبا تشكّل من المنافقين!

إذْ روى البخاريّ: ( ... عن زيد بن ثابت قال لـمّا خرج النبّي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى أحد رجع ناس مِـمّنْ خرج معه وكان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فرقتين فرقة تقول نقاتلهم وفرقة تقول لا نقاتلهم، فنزلت: فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) صحيح البخاريّ، (ج 5 /ص 31 ).

قال ابن حجر: (قوله: رجع ناس مـمّن خرج معه، يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأنّ عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على الإقامة بالمدينة فلمّا أشار غيره بالخروج وأجابهم النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فخرج قال عبد الله بن أبي لأصحابه: أطاعهم وعصاني؛ عَلَامَ نقتل أنفسنا، فرجع بثلث الناس). فتح الباري، (ج 7 /ص 275).

وأخرج البخاريّ: أنّ عمر بن الخطاب طلب من النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أن يضرب عنق عبد الله بن أبي، فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: دعه، لا يتحدّث الناس بأنّ محمّداً يقتل أصحابه) [صحيح البخاريّ، كتاب تفسير القرآن، حديث رقم: 4525].

ومرّة أشار الصحابة على النبيّ بقتل ابن أبي، فقال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: (فلعمري، لَنُحسِنَنَّ صحبته ما دام بين أظهرنا). قال النوويّ: " ولم يقتل - النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم - المنافقين لهذا المعنى ولإظهارهم الإسلام ، وقد أمر بالحكم بالظاهر ، والله يتولّى السرائر ، ولأنّهم كانوا معدودين في أصحابه). [صحيح مسلم بشرح النوويّ: ج16 ص 139].

وروى أحمد بن حنبل بسنده عن أبي مسعود قال خطبنا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم خطبة، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: إنّ فيكم منافقين، فمن سمّيت، فليقمْ، ثمّ قال: قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان، حتّى سمّى ستّة وثلاثين رجلاً). [مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج5 ص 273].

أما سؤال الأخ: فَمَنْ هم المنافقون في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأين ذهبوا بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؟

فيتّضح جزء من جوابه من خلال الحديث الصحيح الذي أشار إليه السائل: (ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغضهم عليّاً).

وهذا الحديث رواه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة.

وروى الحاكم وصحّحه: (عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: ما كنّا نعرف المنافقين الّا بتكذيبهم الله ورسوله والتخّلف عن الصلوات والبغض لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ) [المستدرك، ج 3 ص 129].

ولو تجرّأ وتكلّم البعض في أسانيد هذا الحديث، فيكفي لصحّته ما رواه مسلم عن الإمام عليّ (عليه السلام) قوله: (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأميّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إليّ ألّا يحبّني الّا مؤمن ولا يبغضني الّا منافق). [صحيح مسلم، (ج 1 /ص 61].

وقال الهيثميّ: (وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلى عليّ فقال: لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك الّا منافق، مَن أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبي حبيب الله وبغيضي بغيض الله ويل لمن أبغضك بعدي. رواه الطبرانيّ في الأوسط ورجاله ثقات). [مجمع الزوائد، ج 9 /ص 133].

فحبّ الإمام عليّ (عليه السلام) علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، فلينظر السائل إلى مبغضي الإمام عليّ (عليه السلام) في حياة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعد مماته.

نعم، ذكر الجمهور مجموعة من أسماء للمنافقين نزلت فيهم آيات قرآنيّة قد يصلون إلى عشرين أو أكثر قليلاً، لكن هذه الأسماء لا تشمل كلّ المنافقين، فهم كانوا يشكّلون ثلث المجتمع الإسلاميّ في السنة الثالثة من الهجرة.

وتذكر بعض الروايات أسماء صحابة كبار شاركوا في مؤامرة قتل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أثناء الرجوع من تبوك، وقد ذكر ابن حزم في كتابه المحلّى (ج12 /ص 160) أسماءهم في رواية، لكنّه ناور ليدفع التهمة عنهم، زاعماً أنّ الرواية مكذوبة، فضعّف الوليد بن جميع أحد رجال سند حادثة العقبة التي حاولوا فيها اغتيال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، لكنّ الرجل ثقة، فهو من رجال مسلم، ووثّقه ابن معين، والعجليّ، وابن سعد، وقال أحمد وأبو زرعة: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. راجع ترجمته في : تهذيب التهذيب لابن حجر، (ج11 /ص 122).

أمّا بعد وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلا يذكر التاريخ لنا شيئاً عن المنافقين، وهذا يدلّ على رضاهم بالوضع السياسيّ القائم آنذاك.

ومن أراد معرفتهم بأسمائهم فليقرأ سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) وموقفه من الخلفاء، وليستحضر خبر أوس بن الحدثان في صحيح مسلم صحيح مسلم، (ج5 /ص 151ـ 153)، ومحاورة الخليفة الثاني له وللعباس!

وليراجع موقف الصحابة من الإمام عليّ (عليه السلام) ومحاربتهم له كما فعل معاوية وابن العاص ومن قبلهما.

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.