لماذا خاف يعقوب على يوسف أن يأكله الذئب؟!

السؤال: نقرأ في قصة نبي الله يوسف عليه السلام: أن النبي يعقوب عليه السلام خاف عليه من الذئب، ونقرأ أيضا: أن أجساد أهل البيت عليهم السلام محرمة على السباع، أليس الأنبياء كالأئمة من هذه الناحية، وكيف نفسر خوف النبي يعقوب وهو العارف بهكذا أمور ، أفيدونا أفادكم الله

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

للشيخ المفيد (رضي الله عنه) جواب عن مثل هذا السؤال، في جملة المسائل الواردة عليه من الحاجب أبي الليث ابن السرّاج، وهذه المسائل مطبوعة، وتُعرَف بـ: « المسائل الحاجبيّة » نسبة للسائل، وتُعرَف بـ: « المسائل العكبريّة » نسبة للمسؤول.

ورد في الكتاب ص31-32:

(المسألة الثالثة: وسأل السائل أيضاً عن قول يعقوب (عليه السلام) لـمّا رأى يوسف (عليه السلام) المنام، فقال: « وكذلك يجتبيك ربّك ويعلّمك من تأويل الأحاديث ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمّها على أبويك من قبلُ »، وقوله بعد ذلك لإخوته: « وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون »، وقد علم أنه يكون نبيّاً، وأنّه لا يجوز أن يأكله الذئب، مع إجماعنا على أنّ لحوم الأنبياء محرّمة على الوحش.

الجواب - وبالله التوفيق - أنّ يعقوب (عليه السلام) تأوّل رؤيا يوسف (عليه السلام) على حكم رؤيا البشر التي يصحّ منها ويبطل، ويكون التأويل لها مشترطاً بالمشيئة، ولم يكن يوسف (عليه السلام) في تلك الحال نبيّاً يُوحَى إليه في المنام فيكون تأويلها على القطع والثبات. فلذلك لَـم يجزم على ما اقتضته من التأويل، وخاف عليه أكل الذئب عند إخراجه مع إخوته في الوجه الذي التمسوا إخراجه معهم فيه.

وليس ذلك بأعجب من رؤيا إبراهيم (عليه السلام) في المنام - وهو نبيّ مرسل، وخليل للرحمن، مصطفى، مفضَّل - أنّه يذبح ابنَه، ثمّ صرفه الله تعالى عن ذبحه وفداه منه بنصّ التنزيل.

مع أنّ رؤيا المنام أيضاً على شرط صحّة تأويلها ووقوعه لا محالة ليس بخاصّ لا يحتمل الوجوه، بل هو جارٍ مجرى القول الظاهر المصروف بالدليل عن حقيقة إلى المجاز، وكالعموم الذي يُصرَف عن ظاهره إلى الخصوص بقرائنه من البرهان.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه، أمكن أن يخاف يعقوب (عليه السلام) على يوسف (عليه السلام) من العَطَب قبل البلوغ، وإنْ كانت رؤياه تقتضي على ظاهر حكمها بلوغَه ونيلَه النبوّة وسلامته من الآفات. وهذا بيّنٌ لمن تأمّله، والله الموفّق للصواب).