رواية البداء في إسماعيل بن الإمام الصادق (ع)

السؤال: عن أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه قال: (إني ناجيت الله ونازلته في إسماعيل إبني أن يكون مِن بعدي، فأبى إلا أن يكون موسى إبني). رواية تنقض خبر الاثني عشر برمته، وتؤكد أن معنى البداء هو تبدل قول الله تعالى وتغير رأيه؛ ففي زمنٍ كان النص النبوي يذكر جعفر فموسى فالرضا؛ ثم الصادق وحاشاه- يريد تغيير الرأي الإلهي بإسماعيل بدلا عن موسى؛ فلا جرم أن معاني البداء قد تطور عقائديا عند الإمامية؛ ثم العاملُ في هذا كله هم الفقهاء ورجال الشيعة لا ذات العترة اختلاقاً وتأويلاً.

: الشيخ مروان خليفات

 الجواب:

لقد بنى هذا المشتبه كلامه على رواية ضعيفة، فإذا تبيّن ضعف الرواية سقط كلامه برمّته، فقد وردت الرواية في أصل زيد النرسي [الأصول الستة عشر، عدة محدثين، ص57].

قال الفقيه الشيخ جعفر السبحاني: (ثمّ إنّ هناك روايات موضوعة حول إسماعيل افتعلتها يد الجعل، ورويت بأسناد ضعيفة. فقد روى زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله [الصادق] (عليه السلام): انّه قال: «إنّي ناجيت الله ونازلته في إسماعيل ابني أن يكون من بعدي، فأبى ربّي الّا أن يكون موسى ابني». وقد روي أيضاً عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انّه قال: « ما زلت أبتهل إلى اللّه في إسماعيل ابني ان يحييه لي، ويكون القيّم من بعدي، فأبى ربّي ذلك وانّ هذا شيء ليس إلى الرجل منّا يضعه حيث يشاء، وانّما ذلك عهد من الله عزّ وجل يعهده إلى من يشاء، فشاء اللّه أن يكون ابني موسى وأبى أن يكون إسماعيل. وحكى المحقّق الطوسي في « نقد المحصّل » رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) انّه قال: « جعل إسماعيل القائم مقامه بعده فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه فجعل القائم مقامه موسى، فسئل عن ذلك، فقال: « بدا لله في إسماعيل » وأضاف المحقّق، وهذه رواية، وعندهم أنّ خبر الواحد لا يوجب علماً ولا عملاً.

وهذه الروايات الثلاث الأخيرة لا تصحّ لوجهين:

أوّلاً: انّه قد تواتر عن النبيّ والوصيّ أسماء الذين يتولّون الأمر من بعدهم بخصوصيّاتها، ومع ذلك كيف يمكن أن يخبر الصادق (عليه السلام) بإمامة ولده إسماعيل، ثمّ يخبر بأنّه بدا لله في ولده إسماعيل بداء؟

أضف إلى ذلك: أنّ الإمامة عند أئمّة الشيعة من أوّلهم إلى آخرهم - تبعاً لنبيّهم الأكرم محمّد (صلّى اللّه عليه وآله) - ليست أمراً انتخابياً، بل مقامٌ إلهيّ يتوقّف على التنصيص...

وثانياً: إنّ زيد النرسي لا يعتدّ بنفسه ولا بأصله، أمّا هو فلأنّه مجهول جدّاً، ولم يدلّ على وثاقته غير رواية ابن أبي عمير عنه، وقد اشتهر أنّه لا يروي إلّا عن ثقة، ورواية الحسن بن محبوب عنه وهو من أصحاب الاجماع. غير أنّ الدليلين قاصران؛ لرواية ابن أبي عمير عن الثقة وغير الثقة، والقاعدة المعروفة غير صحيحة، وأمّا رواية الحسن بن محبوب فلا تدلّ على شيء، وكونه من أصحاب الاجماع لا يدلّ إلّا على وثاقة نفسه لا وثاقة المروي) [البداء في ضوء الكتاب والسنة ص103].

وقال الشيخ محمّد هادي معرفة: (كانت الأئمّة الاثنا عشر، مسجّلة أسماؤهم، مضبوطة نعوتهم وألقابهم، محفوظة سماتهم وأشخاصهم، في سجلّ الأزل واحداً بعد واحد، مكتوباً بقلم النور على صفحة اللوح المحفوظ، بما لا تبديل فيه ولا تغيير، الأمر الذي كان يعلمه خواصّ الشيعة الأبرار، بل وخواصّ أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد تعدّدت رواته من الأصحاب والتابعين لهم بإحسان... فكيف يا ترى كان يخفى على مثل الإمام الصادق الخبير البصير، حتّى يسأل ربّه أن يجعله الإمام بعده، فأبى اللّه ذلك؟!

وثانياً: كيف يسأل مثلُ الإمام المعصوم ربّه تعالى أن يغيّر من عزيمته بشأن الإمامة، والإمامة ذات شأن خطير، اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. وهل هذا إلّا تدخّلٌ في شؤون خلافة اللّه الكبرى التي لا يعلم موضعها سوى الله.

إنّ أدب العبوديّة المحضة - والأئمّة الهداة المعصومون كانوا على أتمّها وأكملها - ليقضي بعدم التدخّل في شؤون الربوبيّة القاهرة « وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [التمهيد في علوم القرآن ج3 ص407].

نقول: لا يضرّ كون أصل زيد النرسيّ ضعيفاً، وكذا سائر الأصول الستّة عشر الواصلة لنا، فليس عليها المدار في استنباط الأحكام الشرعيّة ودرك المعارف العقائديّة. نعم، إنْ كانت هناك شواهد في الكتب الأخرى لمضامين تلك الأصول فهذا يقويها، وهذه الرواية حول مناجاة الإمام الصادق (عليه السلام) ربّه في إسماعيل، لم ترد إلّا في أصل زيد، وقد تبيّن أنّها ضعيفة ولا شاهد لها، فيسقط الاحتجاج بها، وتسقط النتائج التي بناها المشتبه على الرواية.