شُبهةُ شمولِ الإمامِ الصادقِ "عليه السلام" لزوجاتِ النبيِّ بالصلاةِ على محمد وآل محمد "صلّى الله عليه وآله"..؟!.

السؤال: في كتاب جمال الاسبوع لابن طاووس:ص٢٩٣ ورد ما يلي: ((اللهمَّ صلِّ على محمد وأهلِ بيته وذريتهِ وأزواجهِ الطيبين الأخيار الطاهرين المطهَّرين الهداةِ المهتدين، غيرِ الضَّالِّين ولا المُضِلِّين ، الذين أَذهبْتَ عنهم الرّجس وطهرتهم تطهيراً...)) لماذا ضَمَّ زوجاتِه الى الشمول بالصلاة وفيهنَّ مَن عَصَتْ وآذَتْ رسول الله "صلى الله عليه وآله"..؟!.

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم.. الأخ السائل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. بالرجوع إلى كتاب جمال الأسبوع للسيد الجليل ابن طاووس اتّضح أنّ ما جاء في السؤال هو مقطع من صلوات طويلة مروية فيه عن الإمام الصادق "عليه السلام"، وبالتالي فلا بدّ من التعامل معها بمثل ما يتمّ التعامل به مع سائر أخبار الآحاد من حيث الوقوف عند السند والمتن ودراستهما ؛ لذا كان المتحصل من ذلك هو التالي:

1- بالرجوع إلى سند الصلوات المذكورة قال السيد ابن طاووس ما نصّه: ((ورَوَيْتُ هذه الصلاةَ بإسنادي إلى أبي العباس أحمدَ بنِ عُقدة، مِن كتابه الذي صَنَّفه في مشايخ الشيعة فقال: أنبأَنا محمد بن عبد الله بن مهران ، قال: حدّثني أبي ، عن أبيه أنَّ أبا عبد الله جعفر بن محمّد "عليهما السلام" دفع إلى محمّد بن الأشعث كتاباً ، فيه دعاء والصلاة على النبيّ "صلى الله عليه وآله" ....إلى آخر الصلاة المذكورة)) [جمال الأسبوع: ص288] وفيه:

أوّلاً: أمّا أبو العبّاس أحمد بن عقدة فلا غبار عليه ولا اختلاف في شدّة وثاقته لدى علماء الطائفة وأساطين علم الرجال ، قال النجاشيّ: " أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمان بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عجلان، مولى عبد الرحمان بن سعيد بن قيس السبيعيّ الهمدانيّ، هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ - والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعِظَمه - وكان كوفيّا، زيديَّاً، جاروديّاً، على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم، ومداخلته إيّاهم، وعِظَم محلّه، وثقته وأمانته))[رجال النجاشيّ:ص94]، وعن شيخ الطائفة في ترجمته قال: ((أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمان بن زياد بن عبيد الله بن زياد بن عجلان، مولى عبد الرحمان بن سعيد بن قيس السبيعي الهمداني، المعروف بابن عقدة، الحافظ، أخبرنا بنسبه: أحمد بن عبدون، عن محمّد بن أحمد بن الجنيد، وأمره في الثقة والجلالة وعِظَم الحفظ، أشهرُ مِن أن يُذكر...))[الفهرست للشيخ الطوسيّ:ص73].

ثانياً: أمّا محمّد بن عبد الله بن مهران، فالمراد به أبو جعفر الكرخيّ، من ضعفاء أصحاب الجواد والهادي "عليهما السلام"، قال في المستدركات: ((محمّد بن عبد الله بن مهران أبو جعفر الكرخيّ: عدّوه من ضعفاء أصحاب الجواد والهادي "صلوات الله عليهما" ، ورموه بالغلوّ ...)) ثمّ ذكر بعضا من مصادر رواياته إلى أن قال: ((... وكذا ما رواه في الصلاة على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين: جمال الأسبوع ص471 ، واستدلُّوا لِذَمِّه بكُتُبِه وأنّه منها كتاب مقتل أبي الخطّاب وكتاب مناقب أبي الخطّاب ))[مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازيّ الشاهروديّ:ج7،ص191]. وقد اتّفقت كلمة الرجاليّين على اشتهار غلوّه وكذبه وخبثه، وكونه فاسد المذهب والحديث، قال النجاشيّ: ((محمّد بن عبد الله بن مهران، أبو جعفر الكرخيّ: من أبناء الأعاجم، غال كذّاب، فاسد المذهب والحديث، مشهور بذلك..! ، له كتب، منها: كتاب الممدوحين والمذمومين، كتاب مقتل أبي الخطّاب، كتاب مناقب أبي الخطّاب....))[رجال النجاشيّ:ص350 ]، وعن شيخ الطائفة: ((محمّد بن عبد الله بن مهران الكرخي: يُرمَى بالغُلوِّ، ضعيفٌ)) [الأبواب (رجال الطوسيّ):ص391 ] ، وقال ابن الغضائريّ: ((محمّد بن عبد الله بن مهران الكرخيّ، أبو جعفر: غالٍ ، ضعيف ، كذّاب ، له كتاب في الممدوحين والمذمومين ، يَدلُّ على خُبثه وكذبه..!)) [رجال ابن الغضائريّ:ص95 ]، وانتهى السيّد الخوئيّ فيه إلى قوله: ((.... والمتلخّص ممّا ذكرنا، أنّ الرجل ممّا تسالم على ضعفه الأعاظم))[معجم رجال الحديث:ج17،ص265].

ثالثاً: عبد الله بن مهران: أبو محمّد المتقدّم ذكره ، وهو مهمل لم يَردْ له ذكر في كتب الرجال على الإطلاق ، ولم يروِ عنه أحد إلّا ابنه محمّد ، قال في المستدركات: ((عبد الله بن مهران: لم يذكروه . روى عنه ابنه محمّد . الكافي: ج6 كتاب الزي والتجمّل باب الخضاب ص482))[مستدركات علم الرجال للشيخ عليّ النمازيّ الشاهروديّ:ج5،ص120]

رابعاً: مهران، جَدُّ محمّد بن عبد الله بن مهران، مهمل هو الآخر، إذْ يرد له ذكر ولا اسم في جميع الكتب الرجاليّة..!.

والخلاصة: أنّ رواية الصلوات المذكورة ساقطة من الاعتبار ولا قيمة لها لشدّة ضعف سندها واشتمالها على رواة مجهولين ذاتاً وحالاً ، فضلاً عن اشتمالها على من هو كذّاب خبيث..!. ، هذا من حيث السند.

2- وأمّا من حيث المتن ودلالته، فبغضّ النظر عمّا تقدّم في السند ، فإنّ ذِكرِ زوجاتِ النبيّ "صلّى الله عليه وآله" لا يقدح ولا يضرّ في عدم دلالة المتن على شمول الصلوات لمَن عصته وآذته "صلّى الله عليه وآله" ؛ وذلك لما ثبت من أنّ الأصل في القيود - ومنها الوصف - هو الاحترازيّة، وقد جاء موضوع الصلوات مقيّداً ببعض الصفات التي تُخرج زوجات النبيّ اللواتي عَصَينَه أو آذَينَه "صلّى الله عليه وآله" عن الشمول المذكور، وإليك بيان ذلك:

نحن لدينا في الصلوات المذكورة في السؤال ثلاثة أشياء: أوّلها الطلب، أي الدعاء ، وثانيها متعلَّقُ ذلك الطلب والدعاء، أي الفعل المطلوب حصوله وهو الصلوات ، وأخيراً لدينا موضوع تُطلَب الصلوات عليه من الله تعالى، وهذا الموضوع هو الأشخاص المذكورين: (النبيّ وآله "صلّى الله عليه وعليهم أجمعين" وذرّيّته وأزواجه) ، هنا هذا الموضوع جاء موصوفاً بتسع صفات وهي: (( الطيّبين ، الأخيار ، الطاهرين ، المطهَّرين ، الهداةِ ، المهتدين ، غيرِ الضّالّين، ولا المضلّين، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً))، فهذه الصفات تمثّل قيوداً احترازيّة جاء بها المتكلّم لغرض تضييق دائرة الموضوع وإخراج كلّ من لم يتّصف بواحدة منها أو أكثر ، فكلّ صفة من الصفات التسع فائدتها في الكلام أنّها تؤثر في إخراج مَن لم يتّصف بها من الشمول بالصلوات المطلوبة، وهذا هو معنى القيود الاحترازية ، فإنّ المتكلّم عندما يحذر من أن يُفهم الإطلاق والشمول من كلامه فإنّه يأتي ببعض القيود - كالصفات مثلاً - احترازاً من ذلك الفهم الخاطئ، ليبيّن للسامع أنّ مراده ليس هو الإطلاق والشمول للجميع ، بل مراده هو خصوص من اتّصف بتلك الأوصاف.

ولمّا ورد من جملة تلك القيود قيدان مهمّان هما: (( غير الضالّين ، ولا المضلّين ))، فقد خرج بهما من الشمول بالصلوات المطلوبة كلّ مَن آذى النبيّ "صلّى الله عليه وآله" ؛ لأنّه ضالٌّ في أذيّته بلا إشكال ، وقد ثبتت أذيّة بعض أزواجه له "صلّى الله عليه وآله حتّى تسبّب ذلك في اعتزاله لنسائه كما في صحاح القوم، فعن عمر بن الخطّاب قال: ((لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه [وآله] وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، قالَ: دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بالحَصَى، ويقولونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه [وآله] وَسَلَّمَ" نِسَاءَهُ، وَذلكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بالحِجَابِ، فَقالَ عُمَرُ، فَقُلتُ: لأَعْلَمَنَّ ذلكَ اليَومَ، قالَ: فَدَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ، فَقُلتُ: يا بنْتَ أَبِي بَكْرٍ، أَقَدْ بَلَغَ مِن شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه [وآله] وَسَلَّمَ"..؟! فَقالَتْ: ما لي وَما لكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ! عَلَيْكَ بعَيْبَتِكَ، قالَ: فَدَخَلْتُ علَى حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ، فَقُلتُ لَهَا: يا حَفْصَةُ، أَقَدْ بَلَغَ مِن شَأْنِكِ أَنْ تُؤْذِي رَسُولَ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه [وآله] وَسَلَّمَ"..؟! وَاللَّهِ لقَدْ عَلِمْتِ أنَّ رَسُولَ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه[وآله] وَسَلَّمَ" لا يُحِبُّكِ، وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَكِ رَسُولُ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه [وآله] وَسَلَّمَ"، فَبَكَتْ أَشَدَّ البُكَاءِ...))[صحيح مسلم:ج4،ص188]. وكذلك يخرج عن الشمول بالصلوات كلّ من تسبّب بفتنة بين الناس أو أدخلهم في ضلالة ، وقد ثبت أيضاً تسبّب بعضهُنَّ في وقوع الفتنة بين المسلمين والخروج على الإمام العادل والخليفة الشرعيّ آنذاك وهو أمير المؤمنين "عليه السلام" حتّى دارت رحى معركة الجمل التي ما وضعت أوزارها إلّا بعد أن حصدت آلاف الأرواح من المسلمين ، وقد كانت عائشة تحرّض الناس على القتال بكلّ ما استجمعت من قواها وكلّما سقط جماعة حرّضت آخرين غيرهم. [انظر تاريخ ابن الأثير:ج2،ص239 وما بعدها لتعرف عجائب ما صنعت هذه المرأة في تلك المعركة]، وفي ذلك روى ابن عبد ربّه وابن قتيبة وغيرهم ما جرى بين أمّ أوفى العبديّة وتوبيخها لعائشة بعد أن تسبّبت بمقتل عشرين الفاً من المسلمين في فتنة صمّاء عمياء خرساء لا يُعرف لها سبب معقول ولا يُرتجى لها عذر مقبول..! ، إذْ قالا: ((دخلت أمّ أوفى العبديّة على عائشة، فقالت: يا أمّ المؤمنين ، ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً ..؟! قالت: وجبت لها النار، قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً..؟! قالت: خذوا بيد عدوّة اللَّه..!.)) [انظر العقد الفريد لابن عبد ربّه:ج4، ص305 ، وعيون الأخبار لابن قتيبة الدينوريّ:ج1،ص300، وربيع الأبرار للزمخشريّ:ج2،ص60] ، هذا فضلاً عن دلالة الأدلّة على خروج نساء النبيّ عن آية التطهير التي هي مضمون القيد الأخير، أعني قوله: (الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً). هذا ما يمكن تحريره في المقام .. ودمتم سالمين.