إمكان بقاء الامام المهدي حياً لأكثر من ألف سنة)

السؤال: ينقد بعض مخالفينا إمكان بقاء الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) حياً لأكثر من ألف سنة، فقالوا: عمر بهذا الامر غير معهود في البشر، كما في مقال كتبه أستاذ في كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا علي حسين السائح، بمجلة الكلية، في العدد العاشر، 1993م، الصفحة 213، بعنوان: "تراثنا وميزان النقد"، فكيف نرد عليه؟

: السيد علي المشعشعي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم أخي السائل أنّه ليس هناك من مانع عقليٍّ أو عمليّ يمنع أنْ يُعمّر الإنسان قروناً كثيرة وبيان ذلك من وجهين:

أحدها: أنّه يمكن لبشرٍ ما أنْ يعمّر زمانا طويلا بالإمكان العقليّ، إذْ هو غير ممتنعٍ وقوعه من هذه الناحية، وتوجد هناك حالات سابقة أكّدها القرآن العزيز في بعض آياته، كما في قصّة نوحٍ (عليه السلام)، إذْ لبثَ في قومه ألف سنةٍ إلّا خمسين عاماً، وهذا غير عمره قبل النبوّة كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا).

فالآية تدلّ على أنَّ بقاء الإنسان لقرون طويلة وإن كان خارجا عن المألوف في هذا الزمان فهو ممكن لذاته عقلاً. [ينظر: مفاتيح الغيب ج ٢٥ ص ٤٢].

والوجه الآخر: أنّ امتداد عمر الانسان إلى مئات السنين ممكن بالإمكان العمليّ، أي أنَّ تحقّقه في الخارج له بعض الشواهد الدالّة عليه، ولنذكر منها شاهدين:

الشاهد الأوّل: أثبتت مصادر العامّة أنَّ الدجّال كان على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو باق إلى آخر الزمان، إذْ روى مسلم في صحيحه: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال» [صحيح مسلم ج8ص207 باب: (في بقيّة أحاديث الدجّال) رقم الحديث: (7582)].

وجاء في الصحيحين ذكر لوصف الدجّال أنّه: (رجل أحمر جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى) وفي مسند أحمد (أشبهُ رجالكم به عبد العُزَّى بن قَطَن)[انظر: صحيح البخاريّ ج6ص2577 باب : (الطواف بالكعبة بالمنام). رقم الحديث: 6623-صحيح مسلم ج1ص108 باب: (ذكر المسيح الدجّال). رقم الحديث: 447- مسند أحمد ج3ص264 بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث: 2854 وإسناده صحيح].

قال الألبانيّ: والحديث صريح في أنّ الدجّال الأكبر من البشر له صفات البشر، لاسيّما وقد شبّه به عبد العزّى بن قطن [السلسلة الصحيحة ج 3ص191].

والشاهد الثاني: أنّ كثيراً من أهل السنّة يؤمنون بحياة الخضر (عليه السلام) وأنّه باقٍ الى آخر الزمان، وقد صنّف بعض علمائهم في إثبات ذلك، بعض المصنّفات منها:

كتاب: (إرشاد الإخلاص لحياة الخضر وإلياس) ألّفه محمّد بن أبي الخير القزوينيّ (المتوفّى: 620). وكتاب: (جزء في حياة الخضر) ألّفه عبد الله بن أسعد بن عليّ اليافعيّ (المتوفّى: 768هـ) وكتاب: (رسالة في الخضر وحياته) ألّفه محمّد أبن إمام الكامليّة (المتوفّى: 874هـ). وكتاب: (رسالة في حياة الخضر) ألّفه عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيّ (المتوفّى: 911هـ) وكتاب: (رسالة في حياة الخضر) ألّفه نجم الدين بن محمّد الغيطيّ الأسكندريّ (المتوفّى: 981هـ). وكتاب: (الحذر في أمر الخضر) ألّفه عليّ بن (سلطان) محمّد، القاريّ (المتوفّى: 1014هـ). وكتاب: (رسالة في حياة الخضر وإلياس) ألّفه عبد الله بن مصلح الدين النوريّ (المتوفّى: 1061هـ). وكتاب: (القول الدالّ على حياة الخضر) ألّفه نوح بن مصطفى الروميّ (المتوفّى: 1070هـ).

قال النوويّ: جمهور العلماء على أنّه حيّ موجود بين أظهرنا، وذلك متّفق عليه عند الصوفيّة، وأهل الصلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تستر

وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: هو حيّ عند جماهير العلماء والصالحين. والعامّة معهم في ذلك. قال: وإنّما شذّ بإنكاره بعض المحدّثين..

وقال الثعلبيّ المفسّر : الخضر نبيّ معمّر على جميع الأقوال ، محجوب عن الأبصار، يعني عن أبصار أكثر الناس . قال : وقيل : إنّه لا يموت إلّا في آخر الزمان حين يرفع القرآن، وذكر الثعلبيّ ثلاثة أقوال في أنّ الخضر كان من زمن إبراهيم الخليل أم بعده بقليل أم بكثير [انظر: شرح النوويّ على مسلم ج15ص518].

وبالإضافة إلى ما تقدّم يتبيّن أنَّ مسألة بقاء الإنسان حيّاً مدّة طويلة ليست مستحيلة، لا عقلياً ولا عملياً، وإنما هي من المسائل الممكنة. إذْ يقول السيّد محمّد باقر الصدر: (... ولا شكّ في أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقيّاً; لأنّ ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقليّة تجريديّة، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أيّ تناقض; لأنّ الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك. كما لا شكّ أيضاً ولا نقاش في أنّ هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عمليّاً، على نحو الإمكانات العمليّة للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشريّة المعاصرة، لا يستطيع أن يُمدّد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أنّ أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلّا بقدر ما هو مألوف [بحث حول المهديّ (عج) ص10].

نكتفي بهذا القدر والحمد لله أوّلاً وآخراً.