دور أمير المؤمنين (ع) في معركة أحد

السؤال: ما هو دور أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة أحد؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعـدّ معركة أحد من أشدّ المعارك ألماً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمين، ففيها استشهد أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام)، وغيره من الأصحاب، وقصّة الإنكسار معروفة مشهورة، وذلك أنّ الذين جعلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الجبل ليحموا ظهور المسلمين قد تركوا أماكنهم طمعاً في الغنائم، فاستغلّ ذلك المشركون والتفّوا من وراء الجبل، وحصلت حينها فتنة وبلبلة عظيمة، وامتلأت القلوب خوفاً، وفرّ المسلمون من أماكنهم، وتركوا رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) وسط الميدان وقد كانوا قد بايعوه وعاهدوه على ألّا يفرّوا، فهجمت الكتائب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولـم يثبت معه إلّا بطل الإسلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاختصّ عن سائر المسلمين بحسن البلاء والصبر، وثبوت القدم عندما زلّت من غيره الأقدام، وكان له من الغناء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يكن لسواه من أهل الاسلام، وقتل الله بسيفه رؤوس أهل الشرك والضلال، وفرج الله به الكرب عن نبيه (عليه السلام)، وسنذكر في المقام جملةً من الأمور التي تبيّن دور أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه المعركة الخطيرة، وتكشف عن بعضِ ما اختصّ به من الفضائل العظيمة.

1ـ راية رسول الله (ص) ولواؤه بيد أمير المؤمنين (ع):

قال الشيخ المفيد: « ثمّ تلت بدراً غزاةُ أحد، فكانت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها كما كانت بيده يوم بدر، فصار اللواء إليه يومئذٍ، ففاز بالراية واللواء جميعاً » [الإرشاد ج1 ص78].

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في مناشدة الشورى: « نشدتكم الله، هل فيكم أحدٌ صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه غيري؟ قالوا: اللهمّ لا » [المسترشد ص57].

وعن عبد الله بن عبّاس: « لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أربعٌ ما هنّ لأحد: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو صاحب لوائه في كلّ زحف... » [الإرشاد ج1 ص80، مناقب الخوارزميّ ص21].

وعن عامر: « أنّ راية النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت تكون مع عليّ بن أبي طالب، وكانت في الأنصار حيثما تولّوا » [مصنف عبد الرزاق ج5 ص288].

وروى أبو البحتريّ القريشيّ: « كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيد قصي بن كلاب، ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبد المطلب يحملها منهم مَن حضر الحرب، حتّى بعث الله رسول (صلى الله عليه وآله)، فصارت راية قريش وغير ذلك إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فأقرّها في بني هاشم، وأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليَّ بن أبي طالب (عليهما السلام) في غزاة ودان، وهي أوّل غزاة حمل فيها راية في الإسلام مع النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ثمّ لم تزل معه في المشاهد، ببدر وهي البطشة الكبرى، وفي يوم أحد، وكان اللواء يومئذٍ في بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصعب بن عمير، فاستشهد ووقع اللواء من يده، فتشوّفته القبائل، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدفعه إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فجمع له يومئذٍ الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم » [الإرشاد ج1 ص78-79].

قال القوشجيّ: « في غزاة أحد جمع له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين اللواء والراية » [شرح التجريد ص486].

2ـ هو الوحيد الذي ثبت مع رسول الله (ص) عندما فرّ الناس:

عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال في مناشدة يوم الشورى: « نشدتكم الله، أفيكم أحدٌ يوم انقلب الناس على أعقابهم، فلم يبقَ مع رسول الله أحدٌ غيري، فهبط جبرائيل في أربعة آلاف ملك، كلّهم ينادي: لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا علي ، غيري؟ قالوا : اللهم لا » [المسترشد ص348].

وعن عبد الله بن عبّاس: « لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أربعٌ ما هنّ لأحد: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو صاحب لوائه في كلّ زحف، وهو الذي ثبت معه يوم المهراس – يعني يوم أحد – وفرّ الناس.. » [الإرشاد ج1 ص80، مناقب الخوارزميّ ص21].

وعن سعيد بن المسيب قال: « لو رأيتَ مقام عليّ يوم أحد لوجدته قائماً على ميمنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذبّ عنه بالسيف، وقد ولّى غيره الأدبار » [الإرشاد ج1 ص88].

وعن زيد بن وهب قال: « قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله حتّى لَـم يبقَ معه إلّا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبو دجانة وسهل بن حنيف؟ قال: انهزم الناس إلّا عليّ بن أبي طالب وحده، وثاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفرٌ، وكان أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل ابن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله، فقلت له: فأين كان أبو بكر وعمر؟ قال: كانا ممّن تنحّى، قال: قلت: فأين كان عثمان؟ قال: جاء بعد ثلاثة من الوقعة، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد ذهبت فيها عريضة. قال: فقلت له: فأين كنتَ أنت؟ قال: كنتُ فيمَن تنحّى، قال: فقلت له: فمَن حدّثك بهذا؟ قال: عاصم وسهل بن حنيف » [الإرشاد ج1 ص84].

وعن شقيق بن سلمة قال: « كان عمر يمشي فالتفت إلى ورائه وعدا، فسألتُه عن ذلك، فقال: ويحك، أما ترى الهزبر ابن الهزبر، القثم ابن القثم، الفلّاق للبهم، الضارب على هامة مَن طغى وظلم، ذا السيفين، ورائي؟ فقلت: هذا عليّ بن أبي طالب، فقال: ثكلتك أمّك، إنّك تحقّره؟! بايعنا رسول الله يوم أحد أنّ مَن فرّ منّا فهو ضالّ، ومَن قُتِل فهو شهيد، ورسول الله يضمن له الجنّة، فلمّا التقى الجمعان هزمونا، وهذا كان يحاربهم وحيداً، حتّى انسل نفس رسول الله وجبرئيل، ثمّ قال: عاهدتموه وخالفتموه، ورمى بقبضة رمل وقال: شاهت الوجوه، فوالله ما كان منّا إلّا وأصابت عينَه رملةٌ، فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين: الله الله يا أبا الحسن، أقلنا أقالك الله، فالكرّ والفرّ عادة العرب فاصفح، وقلّ ما أراه وحيداً إلّا خفت منه » [المناقب ج1 ص383]، وسيأتي الخبر بلفظ آخر.

وقال الشيخ المفيد: « واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر، وثبوت القدم عندما زلّت من غيره الأقدام، وكان له من الغناء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يكن لسواه من أهل الاسلام، وقتل الله بسيفه رؤوس أهل الشرك والضلال، وفرج الله به الكرب عن نبيه (عليه السلام) » [الإرشاد ج1 ص78].

3ـ كشف الكرب عن وجه رسول الله (ص):

عن الإمام الصادق (عليه السلام) – في حديث عن يوم أحد -: « وكان الناس يحملون على النبيّ (صلى الله عليه وآله) الميمنة فيكشفهم عليّ (عليه السلام)، فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلم يزل كذلك حتّى تقطع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فطرحه بين يديه وقال: هذا سيفي قد تقطّع، فيومئذٍ أعطاه النبيّ (صلى الله عليه وآله) ذا الفقار، ولـمّا رأى النبيُّ (صلى الله عليه وآله) اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفعَ رأسه إلى السماء وهو يبكي، وقال: يا ربِّ، وعدتني أن تظهر دينك وإنْ شئت لم يعيك » [الكافي ج8 ص320].

وعن عكرمة قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: « لـمّا انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحقني من الجزع عليه ما لَـمْ أملك نفسي، وكنتُ أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعتُ أطلبه فلَم أرَه، فقلت: ما كان رسول الله ليفرّ، وما رأيته في القتلى، وأظنّه رفع من بيننا إلى السماء، فكسرتُ جفنَ سيفي، وقلت في نفسي: لأقاتلنّ به عنه حتّى أُقتل، وحملت على القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وقع على الأرض مغشيّاً عليه، فقمتُ على رأسه، فنظر إليَّ وقال: ما صنع الناس يا عليّ؟ فقلت: كفروا - يا رسول الله - وولّوا الدبر من العدو وأسلموك. فنظر النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى كتيبة قد أقبلت إليه، فقال لي: ردّ عنّي - يا عليّ - هذه الكتيبة، فحملتُ عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتّى ولّوا الأدبار، فقال لي النبيّ (صلى الله عليه وآله): أما تسمع - يا عليّ - مديحك في السماء، إنّ ملكاً يُقال له رضوان ينادي: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ. فبكيتُ سروراً، وحمدتُ الله سبحانه على نعمته » [الإرشاد ج1 ص87].

4ـ الملائكة تقاتل بجانب أمير المؤمنين (ع):

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال يوم الشورى: « نشدتكم بالله، هل فيكم أحدٌ وقفت الملائكة معه يوم أحد حين ذهب الناس غيري؟ قالوا: لا » [الاحتجاج ج1 ص200].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) – في حديثه عن يوم أحد -: « ولـمّا رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) اختلاج ساقيه من كثرة القتال، رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي، وقال: يا ربِّ، وعدتني أن تظهر دينك، وإنْ شئت لم يعيك، فأقبل عليّ (عليه السلام) إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أسمعُ دويّاً شديداً، وأسمع أقدم حيزوم [أي صوت أقدام فرس جبرئيل]، وما أهمُّ أضرب أحداً إلّا سقط ميتاً قبل أن أضربه؟ فقال: هذا جبرئيل وميكائيل و إسرافيل في الملائكة، ثمّ جاء جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة فقال: إنّ عليّاً منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما » [الكافي ج8 ص320].

وعن سعيد بن المسيّب: « لقد أصابت عليّاً (عليه السلام) يوم أحد ستّ عشرة ضربة، وهو بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذبّ عنه، كلّ ضربة منها يسقط إلى الأرض، فإذا سقط رفعه جبرائيل (عليه السلام) » [شرح الاخبار ج2 ص415].

5ـ قتل أصحاب الألوية ورؤوس الكفر:

عن عبد الله بن عبّاس: « إن طلحة بن أبي طلحة خرج يومئذٍ فوقف بين الصفين، فنادى: يا أصحاب محمّد، إنّكم تزعمون أنّ الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنّة، فأيّكم يبرز إليّ، فبرز إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: والله لا أفارقك اليوم حتّى أعجلك بسيفي إلى النار، فاختلفا ضربتين، فضربه عليّ بن أبي طالب على رجليه فقطعهما، وسقط فانكشف عنه، فقال: أنشدك الله - يا بن عمّ - والرحم. فانصرف عنه إلى موقفه، فقال له المسلمون: ألا أجزت عليه؟ فقال: ناشدني الله والرحم، ووالله لا عاشَ بعدها أبداً، فمات طلحة في مكانه، وبُشِّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بذلك فسُرّ به وقال: هذا كبش الكتيبة » [الإرشاد ج1 ص78].

وعن أبي رافع قال: « لـمّا قتل عليّ بن أبي طالب أصحابَ الأولوية يوم أحد أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعةً من مشركي قريش قال: فقال لعليّ: احمل عليهم، ثمّ أبصر جماعةً أخرى من مشركي قريش فقال: احمل عليهم، فحمل عليٌّ عليهم، فقتل عمرو بن عبد الله الجمحيّ، ثمّ أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعةً أخرى من مشركي قريش فقال لعليّ: احمل عليهم، قال: فحمل عليهم، ففرّق جمعَهم، وقتل شيبة بن مالك أحد بنى عامر بن لوي، قال: فقال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ هذه لهي المواساة، قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، وسمعوا أصواتاً: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ » [مناقب الإمام علي للكوفي، ج1 ص491].

ونقل الشيخ المفيد عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام) قال: « كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة، قتلهم عليٌّ عن آخرهم، وانهزم القومُ، وطارت مخزومُ منذ فضحها عليّ بن أبي طالب يومئذٍ. قال: وبارز عليٌّ الحكمَ بن الأخنس فضربَه فقطعَ رجله من نصف الفخذ فهلك منها.

ولـمّا جال المسلمون تلك الجولة أقبل أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة - وهو دارع - وهو يقول: يومٌ بيومِ بدر، فعرض له رجلٌ من المسلمين فقتله أميّة، وصمد له عليّ بن أبي طالب فضربه بالسيف على هامته فنشب في بيضة مغفره، وضربه أمية بسيفه فاتّقاها أميرُ المؤمنين بدرقته فنشب فيها، ونزع عليّ (عليه السلام) سيفه من مغفره، وخلص أميّة سيفه من درقته أيضاً ثمّ تناوشا، فقال عليّ (عليه السلام): فنظرت إلى فتق تحت إبطه، فضربته بالسيف فيه فقتلته، وانصرفت عنه.

ولـمّا انهزم الناسُ عن النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم أحد، وثبت أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: ما لك لا تذهب مع القوم؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أذهب وأدعك يا رسول الله؟! والله لا برحت حتّى أقتل، أو ينجز الله لك ما وعدك من النصر. فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): أبشر - يا عليّ -، فإنّ الله منجز وعده، ولن ينالوا منّا مثلها أبداً؟ ثم نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال له: لو حملت على هذه يا عليّ، فحمل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقتل منها هشام بن أمية المخزوميّ، وانهزم القوم. ثمّ أقبلت كتيبة أخرى، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): احمل على هذه، فحملَ عليها فقتلَ منها عمرو بن عبد الله الجمحيّ، وانهزمت أيضاً. ثمّ أقبلت كتيبة أخرى، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآل): احمل على هذه، فحمل عليها فقتل منها بشر بن مالك العامريّ، وانهزمت الكتيبة، فلم يعد بعدها أحدٌ منهم.

وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وانصرف المشركون إلى مكّة، وانصرف النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) ومعها إناء فيه ماء فغسل به وجهه، ولحقه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد خضب الدم يده إلى كتفه، ومعه ذو الفقار، فناوله فاطمة (عليها السلام) وقال لها: خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم، وأنشأ يقول:

(أفاطم هاك السيف غير ذميم ... فلست برعديد ولا بمليم)

(لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد ... وطاعة رب بالعباد عليم)

(أميطي دماء القوم عنه فإنه ... سقى آل عبد الدار كأس حميم)

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذيه يا فاطمة، فقد أدّى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش » [الإرشاد ج1 ص88-90].

وعن أبي بكر بن أبي قحافة أنّه قال لعمر بن الخطاب: « أنسيت له يوم أحد؟ وقد فررنا بأجمعنا، وصعدنا الجبل، وقد أحاطت به ملوك القوم، وصناديدهم موقنين بقتله، لا يجد محيصاً للخروج من أوساطهم، فلمّا أن سدّد عليه القومُ رماحَهم نكّس نفسَه عن دابته حتّى جاوزه طعان القوم، ثمّ قام قائماً في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول: يا الله يا الله، يا جبرئيل يا جبرئيل، يا محمّد يا محمّد، النجاة النجاة، ثمّ عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربةً على أمِّ رأسه فبقي على فكٍّ واحد ولسان، ثمّ عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربةً على جمجمته ففلقها، ومُرّ السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين، ولـمّا أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحاً حتّى تركهم جراثيم جموداً على تلعة من الأرض، يتمرّغون في حسرات المنايا، يتجرّعون كؤوس الموت، قد اختطف أرواحَهم بسيفه، ونحن نتوقّع منه أكثر من ذلك، ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته حتّى ابتدئتْ منك إليه التفاتةٌ، وكان منه إليك ما تعلم، ولولا أنّه نزلت آية من كتاب الله لكنّا من الهالكين، وهو قوله تعالى: ولقد عفا عنكم » [الاحتجاج ج1 ص130].

ولعلّ قول أبي بكر لعمر: « ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخالفته حتّى ابتدئت منك إليه التفاتة وكان منه إليك ما تعلم » إشارة إلى ما ورد..

عن أبي وائل، قال: « مشيتُ خلف عمر بن الخطّاب، فبينما أنا أمشي معه، إذ أسرع في مشيه، فقلت له: على رسلك يا أبا حفص، فالتفت إليَّ مغضباً، وقال لي: أما ترى الرجلَ خلفي؟ ثكلتك أمّك، أما ترى عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقلت: يا أبا حفص، هو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأوّل مَن آمن به وصدّقه وشقيقه، قال: لا تقل هذا - يا أبا وائل - لا أمَّ لك، فوالله لا يخرج من قلبي أبداً فقلت: ولِـم ذلك يا أبا حفص؟ قال: والله لقد رأيتُه يوم أحد يدخل بنفسه في جمع المشركين، كما يدخل الأسد في زريبة الغنم، فيقتل منها ما يشاء، فما زال ذلك دأبه، ونحن منهزمون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ثابت، فلمّا وصل إلينا قال: فما بالكم يا ويلكم، أترغبون بأنفسكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إذ بايعتموه؟ فقلت له من القوم: يا أبا الحسن، إنّ الشجاع قد يهزم، فإنّ الكرّة تمحو الفرّة، فما زلت أخادعه حتّى انصرف بوجهه عنّي، يا أبا وائل والله لا يخرج روعه من قلبي أبداً » [الروضة ص228].

وقال الشيخ المفيد: « قتل الله بسيفه رؤوسَ أهل الشرك والضلال، وفرّج الله به الكرب عن نبيّه (عليه السلام) » [الإرشاد ج1 ص78]، وقال أيضاً: « وقد ذكر أهلُ السير قتلى أحد من المشركين، فكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين (عليه السلام) » [الإرشاد ج1 ص90].

6ـ باهى الله ملائكته بعليّ (ع) يوم أحد:

عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام)، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه (عليهم السلام) قال: « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): يا أبا الحسن، لو وُضع إيمان الخلائق وأعمالهم في كفّة ميزان ووُضع عملك ليومٍ واحد في الكفّة الأخرى؛ لرجح عملُك ليوم واحد على جميع ما عمل الخلائق، وإنّ الله باهى بك يوم أحد ملائكتَه المقرّبين، ورفع الحجب من السماوات السبع، وأشرقت إليك الجنّة وما فيها، وابتهج بفعلك ربُّ العالمين، وإنّ الله تعالى ليعوّضك بذلك اليوم ما يغبطك به كلُّ نبيّ ورسول وصديق وشهيد » [المائة منقبة ص79].

7ـ تعجب جبرئيل والملائكة من مواساة أمير المؤمنين (ع):

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال يوم الشورى: « نشدتكم الله، أفيكم أحدٌ يوم قال جبرئيل لرسول الله: لقد عجبتْ ملائكة السماء من مواساة هذا الرجل إيّاك، فقال: يا جبرائيل، ما يمنعه وهو منّي وأنا منه، فقال جبرائيل: وأنا منكما، غيري؟ قالوا: اللهمّ لا » [المسترشد ص350].

وعن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: « انهزم الناس يوم أحد إلّا عليّ وحده، فقلتُ: إنّ ثبوت عليّ (عليه السلام) في ذلك المقام لعجب، قال : إنْ تعجّبتَ منه فقد تعجّبت الملائكة، أما علمتَ أنّ جبرئيل قال - في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء -: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ » [الإرشاد ج1 ص84].

وعن عمران بن حصين قال: « لـمّا تفرّق الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم أحد، جاء عليّ متقلّداً سيفه، حتّى قام بين يديه، فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأسَه إليه فقال له: ما لك لَـم تفرّ مع الناس؟ فقال: يا رسول الله، أأرجع كافراً بعد إسلامي؟ فأشار له إلى قومٍ انحدروا من الجبل، فحمل عليهم فهزمهم، ثمّ أشار له إلى قومٍ آخرين، فحمل عليهم فهزمهم، ثمّ أشار إلى قومٍ فحمل عليهم فهزمهم، فجاء جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة - وعجبنا معهم - من حسن مواساة عليّ لك بنفسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما يمنعه من هذا وهو منّي وأنا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا منكما » [الإرشاد ج1 ص85].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): « انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فغضب غضباً شديداً، قال: وكان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللؤلؤ من العرق، قال: فنظر فإذا عليّ (عليه السلام) إلى جنبه فقال : له إلحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله ، فقال : يا رسول الله لي بك أسوة قال : فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقى ( 1 ) منهم ، فقال : جبرئيل ( عليه السلام ) إن هذه لهي المؤاساة يا محمد فقال : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل ( عليه السلام ) : وأنا منكما يا محمد» [الكافي ج8 ص110].

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: « نزل جبرئيل يوم أحد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (صلوات الله عليه) يقاتل بين يديه، فقال جبرئيل: مَن هذا يا رسول اله؟ قال: هذا عليّ، فقال جبرئيل: إنّ هذه المواساة، فقال رسول الله: إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فقال النبيّ: وأنت منّا » [مناقب الإمام علي للكوفي ج1 ص478].

وعن جابر بن عبد الله قال: « جاء عليّ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد، فقال له جبرئيل (عليه السلام): إنّ هذه - والله - المواساة يا محمّد، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه، فقال له جبرئيل: وأنا منكما » [مناقب الإمام علي للكوفي ج1 ص475].

وعن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: « لـم يمرّ على الناس يوم مثل يوم أحد أشدّ منه، جُرِح النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقُتِل حمزة وانكشفِ الناس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) فتركوه وهو يقول: (أنا النبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب)، فجاء عليّ بالسيف إلى النبيّ، فقال له النبيّ: يا عليّ اذهب، فقال: يا نبيّ الله، على هذه الحال؟! ما كنتُ لأفعل، قال: فشدّ على هؤلاء - عصابة من المشركين -، فشدّ عليهم حتّى قتل فيهم قتلاً وفرّق جماعتهم، ثمّ رجع إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال له النبيّ: يا عليّ اذهب، فقال: يا نبيّ الله، ما كنتُ لأدعك على هذه الحال، قال: فشدّ على هؤلاء - عصابة أخرى مجتمعة –، فشدّ عليهم فقتل فيهم جماعةً وفرّق جماعتهم، ثمّ رجع فقال جبرئيل للنبيّ (صلى الله عليه وآله) - وهو معه -: إنّ هذه لهي المواساة، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه » [مناقب الإمام علي للكوفي ج1 ص467].

8ـ لا فتى إلّا علي ولا سيف إلا ذو الفقار:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال يوم الشورى: « فأناشدكم بالله الذي لا إله إلّا هو أيّها النفر الخمسة، أفيكم أحدٌ نُودِي باسمه من السماء يوم أحد: لا فتى إلّا علي، لا سيف إلّا ذو الفقار، غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا » [شرح الأخبار ج2 ص192].

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: « نادى ملكٌ من السماء يوم أحد: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ » [الإرشاد ج1 ص87].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) – في حديث عن معركة أحد -: « فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جبرئيل (عليه السلام) على كرسي من ذهبٍ بين السماء والأرض وهو يقول: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ » [الكافي ج8 ص110].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: « فإنّ منادياً نادى من السماء يوم أحد: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ، فعليٌّ أخي وأنا أخوه » [الأمالي ص268، معاني الأخبار ص119].

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) – في حديثه مع هارون الغويّ -: « على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل (عليه السلام) قال يوم أحد: يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة من عليّ، قال: لأنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما يا رسول الله، ثمّ قال: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ » [عيون أخبار الرضا ج1 ص81].

9ـ سقي رسول الله (ص) الماء:

عن الإمام الصادق (عليه السلام): « قال [رسول الله]: يا عليّ، أين كنتَ؟ قال: يا رسول الله، لزقتُ بالأرض [يعني لم أهرب]، فقال: ذلك الظنّ بك، فقال: يا عليّ، ائتني بماءٍ أغسل عنّي، فأتاه في صحفة، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد عافه، وقال: ائتني في يدك، فأتاه بماء في كفّه، فغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لحيته » [تفسير العياشي ج1 ص201].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال يوم الشورى معدِّداً فضائله ومناقبه: « نشدتكم بالله، هل فيكم أحدٌ سقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المهراس غيري؟ قالوا: لا » [الاحتجاج ج1 ص199].

وهذا يدلّ على أنّ في إتيان الماء من المهراس فضيلةً وخصوصيّة تفرّد بها أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى تصحّ مناشدته أصحاب الشورى، ويبدو أنّ عدم استجابة أحد لطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أنّهم كانوا خائفين من أن يكون المشركون في ذلك المحيط.

10ـ أمير المؤمنين (ع) يأتي بخبر المشركين:

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال – في حديثه عن يوم أحد -: « .. ثمّ انهزم الناس [أي المشركون]، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): يا عليّ، امضِ بسيفك حتّى تعارضهم، فإنْ رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنّهم يريدون مكة، وإنْ رأيتَهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنّهم يريدون المدينة، فأتاهم عليّ (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعليّ (عليه السلام): يا عليّ، ما تريد؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة، فانصرف إلى صاحبك، فأتبعهم جبرئيل (عليه السلام) فكلّما سمعوا وقع حافر فرسه جدّوا في السير وكان يتلوهم، فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمّد قد أقبل، فدخل أبو سفيان مكّة، فأخبرهم الخبر، وجاء الرعاة والحطّابون فدخلوا مكّة فقالوا: رأينا عسكر محمّد كلّما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارسٌ على فرس أشقر يطلب آثارهم » [الكافي ج8 ص321].

وفي تفسير القميّ: « وتآمرت قريش على أن يرجعوا على المدينة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن رجل يأتينا بخبر القوم؟ فلم يجبه أحدٌ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا آتيك بخبرهم، قال: اذهب، فإنْ كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهم يريدون المدينة، والله لإنْ أرادوا المدينة لا يأذن الله فيهم، وإنْ كانوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فإنّهم يريدون مكّة، فمضى أمير المؤمنين (عليه السلام) على ما به من الألم والجراحات حتّى كان قريباً من القوم، فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، فرجع أمير المؤمنين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أرادوا مكّة » [تفسير القميّ ج1 ص123].

يذكر السيّد العامليّ تحليله بهذا الخصوص: « خطاب أبي سفيان لعليّ (عليه السلام): ما تريد؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة ، فانصرف إلى صاحبك ، يدلّ على أن أبا سفيان كان ممتلئاً رعباً من عليّ (عليه السلام)، وأنّه يريد التخلص منه. كما أنّ قوله له: ما تريد ؟ يشير إلى أنّه أدرك أنّه (عليه السلام) جاء يستطلع أخبارهم، وعرف أنّه مصمِّم على العودة إلى القتال إنْ كان المشركون ليسوا بصدد المغادرة، فبادر إلى طمأنته إلى أنّهم مغادرون، وإلى أنّه لا مبرّر لاستئناف الحرب. واللاف: أنّ أبا سفيان يواجه عليّاً هنا بهذه الطريقة، ولا يجرؤ على مهاجمته بمَن معه، وهم يعدّون بالألوف، رغم أنّه يراه وحده، وهو يطلبه بثارات هائلة، ولو أمكنته الفرصة منه لقطعه إرباً إرباً. هذا على الرغم من التعب، ومن الجراحات الكثيرة التي كان يعاني منها عليّ (عليه السلام) في تلك اللحظة. وأيضاً، فإنّ اللافت هنا: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد أمر عليّاً (عليه السلام) بأن يعارض المشركين بسيفه، أي بصفة المحارب المستعد، ولم يأمره بالتخفّي والرصد الخفي لهم. وقد فعل (عليه السلام) ما أمر به النبيّ (صلى الله عليه وآله) بدون زيادة ولا نقيصة » [الصحيح من سيرة الإمام علي ج3 ص260].

نكتفي بهذا المقدار، والحمد لله رب العالمين