ما صحة قول الامام علي(ع): "خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر"؟

السؤال: جاء في كتاب (الشافي في الإمامة) للشريف المرتضى أنَّ عليّاً خطب على منبر الكوفة وقال: (خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر). ما صحّة هذا النقل وهل بالإمكان ردّه؟

: السيد علي المشعشعي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى على كلّ متتبّع للآثار مِـمّن له معرفة بمناهج المصنّفين أنَّ السيّد علم الهدى المرتضى (قدس) قد ألّف كتابه: (الشافي في الإمامة) ليرُدَّ فيه على كتاب (المغنيّ في الإمامة) للقاضي عبد الجبّار المعتزليّ الذي كان يستدلُّ - في كتابه هذا - ببعض الروايات والأخبار التي هي بحسب زعمه تنقض أدلّة الإماميّة فيما يذهبون إليه في مسألة الإمامة، فانبرى له السيّد المرتضى في كتابه الشافي، فابطل حججه، ونقض كتابه المذكور باباً باباً، فلذا تراه يقول في مقدّمة كتابه (الشافي): سألتَ - أيَّدك الله - تتبُّع ما انطوى عليه الكتابُ المعروف بالمغنيّ من الحجاج في الإمامة، وإملاء الكلام على شُبهه بغاية الاختصار، وذكرتَ أنَّ مؤلّفه قد بلغ النهاية في جمع الشُبه ... وقد كنتُ عزمتُ عند وقوع هذا الكتاب في يدي على نقض ما اختصَّ منه بالإمامة على سبيل الاستقصاء. [الشافي في الإمامة ج1 ص33].

وأمّا ما يتعلّق بالحديث الوارد في السؤال، فقد أورده المعتزليّ مع أحاديث أخرى عن شيخه أبي عليّ الجبائيّ على سبيل مقابلة ما يتحجّ به الشيعة الإماميّة من آثار وردت في مصادر العامّة بطريق الإلزام، فقال المعتزليّ: (وقد بيّن شيخنا أبو عليّ.. أنّ لمن خالف الشيعة أن يدعوا مثل ذلك في النصّ على أبي بكر..) ثمّ ساق عنه مجموعة أحاديث في فضل أبي بكر ومنها هذا الخبر الذي يستدلُّ به المخالفون عموماً، والمعتزلة من أصحاب القاضي خصوصاً.

وعليه: فقد اتّضح ممّا تقدّم أنّ السيّد المرتضى (قدّس) كان يورد تلكم الروايات في كتابه الشافي حكايةً عمّا ذكره القاضي عبد الجبّار المعتزليّ في كتابه (المغني)، لِيـَرُدَّها وينقضها، فلذا تراه يقول في مقدّمة كتابه (الشافي): سألتَ - أيَّدك الله - تتبُّع ما انطوى عليه الكتابُ المعروف بالمغنيّ من الحجاج في الإمامة، وإملاء الكلام على شُبهه بغاية الاختصار، وذكرتَ أنَّ مؤلّفه قد بلغ النهاية في جمع الشُبه ... وقد كنتُ عزمتُ عند وقوع هذا الكتاب في يدي على نقض ما اختصَّ منه بالإمامة على سبيل الاستقصاء. [الشافي في الإمامة ج1 ص33].

وأمّا بخصوص الجواب عن الخبر الوارد في السؤال، فقد أجاب عنه السيّد المرتضى بوجوه أُلَخّصها إليك فيما يلي:

أوّلاً: أنّ السيّد (قدس) بيّن في بادئ الأمر أنّ هناك أخباراً يُجمع أهل العلم على صحّتها والاتّفاق عليها، تدلّل على ثبوت النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام، وإنْ كان الاختلاف واقعاً في تأويلها، من قبيل قوله (صلّى الله عليه وآله) (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) و(من كنت مولاه فعلي مولاه) وغيرها. على أنّ القرآن يشهد به كقوله تعالى: (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا).

وثانياً: أنّ السيّد بيّن أيضاً أنّ أخبارنا مّما يشاركنا في نقل جميعها أو أكثرها خصومنا، وقد صحّحها رواتهم، وأوردوها في كتبهم ومصنّفاتهم مورد الصحيح، والأخبار التي ادّعاها القاضي المعتزليّ لم تنقل إلّا من جهة واحدة، وجميع شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) على اختلاف مذاهبهم يدفعها وينكرها، ويكذّب رواتها، فضلاً عن أن ينقلها.

وثالثاً: أنّ السيّد بيّن أيضاً أنّ الظاهر من أحوال أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمشهور من أقواله وأفعاله جملة وتفصيلاً يقتضي أنّه كان يقدّم نفسه على أبي بكر وغيره من الصحابة، وأنّه كان لا يعترف لأحدهم بالتقدّم عليه، ومن تصفّح الأخبار والسير، ولم تَمِلْ به العصبيّة والهوى، يعلم هذا من حاله على وجه لا يدخل فيه شكٌّ.

ورابعاً: أنّ السيّد (قدس) بيّن فساد الاستدلال بما ورد في مصادر العامّة بطريقة المعارضة التي سلكها القاضي المعتزليّ، بخلاف ما يورده الشيعة الإماميّة من مصادر العامّة من أحاديث، إذْ يقول (قدس): (فأمّا ما روي عنه (صلوات الله عليه) من قوله: (ألا إنّ خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر)، فقد تقدّم الكلام عليه على سبيل الجملة، وأفسدنا ما رواه عنه (صلوات الله عليه). على أنّ هذا الخبر قد روي على خلاف هذا الوجه، وأُورِدَتْ له مقدّمة أُسْقِطَتْ عنه ليتمّ الاحتجاج به، وذاك أنّ معاذ بن الحرث الأفطس حدّث عن جعفر بن عبد الرحمن البلخيّ - وكان عثمانيّاً يُفضّل عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام - قال: أخبرنا أبو خبّاب الكلبيّ - وكان أيضاً عثمانيّاً - عن الشعبيّ - ورأيه في الانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) معروف - قال سمعت وهب بن أبي جحيفة وعمرو بن شرحبيل وسويد بن غفلة وعبد الرحمان الهمدانيّ وأبا جعفر الأشجعيّ كلّهم يقولون سمعنا عليّاً (عليه السلام) على المنبر يقول: (ما هذا الكذب الذي يقولون، ألا إنّ خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر)؟ فإذا كانت هذه المقدّمة قد رواها من روى الخبر ممّن ذكرناه مع انحرافه وعصبيّته، فلا يلتفت إلى قول من يسقطها، فالمقدّمة إذا ذكرت لم يكن في الخبر احتجاج لهم، بل يكون فيه حجّة عليهم من حيث ينقل الحكم الذي ظنّوه إلى ضدّه.

وخامساً: أنّ السيّد (قدّس) نقل عن قوم من أصحابنا أنّهم قالوا: لو كان هذا الخبر صحيحا لجاز أنْ يحمل على أنّه (عليه السلام) أراد به ذمّ الجماعة. أيْ خاطبها بذلك، والازراء على اعتقادها، فكأنّه قال: ألا إنّ خير هذه الأمّة بعد نبيّها في اعتقاداتها وعلى ما تذهب إليه فلان وفلان!

ولهذا نظائر في الكتاب والاستعمال، قال الله تعالى: (وَٱنظُرْ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا) ولم يكن إلهه على الحقيقة، بل كان كذلك في اعتقاده، وقال تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). أيْ أنت كذلك عند نفسك وبين قومك، ويقول أحدنا: فلان بقيّة هذه الأمّة، وزيد شاعر هذا العصر، وهو لا يريد إلّا أنّه كذلك في اعتقاد أهل العصر، دون أن يكون على الحقيقة بهذه الصفة. [الشافي في الإمامة ج3 ص188].

ثُمَّ إنّ ممّا يؤيّد ويُوَكّد أنّ هذا الخبر لا يصحُّ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما رواه المحدّث حكيم بن جبير لمّا قال: قلت لعليّ بن الحسين (عليه السلام): أنتم تذكرون أو تقولون: إنّ عليّاً قال: خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر والثاني عمر وإن شئتم أن أُسمّي الثالث سمّيته؟!! فقال عليّ بن الحسين: فكيف أصنع بحديث حدّثنيه سعيد بن المسيّب عن سعد بن مالك؟ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خرج في غزوة تبوك فخلّف عليّاً، فقال له: أتخلّفني؟ فقال: أمَا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟

قال حكيم بن جبير: ثمّ ضرب عليّ بن الحسين على فخذي ضربة أوجعنيها ثمّ قال: فمن هذا الذي هو من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى؟ [راجع: مناقب أمير المؤمنين عليّ (ج1/ص127)، وكتاب الأربعين في شيوخ الصوفيّة لأبي سعد المالينيّ، (ص191)، وتاريخ بغداد (ج10/ص499)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (ج30/ص359)، و(ج42/ص153)].

وكما ترى، فإنّ بيان الإمام السجّاد (عليه السلام) هو وحده كافٍ لنسفِ ما يروّج له المخالفون فيما ينسبونه لأمير المؤمنين (عليه السلام) في مسألة التفضيل فضلاً عمّا تقدّم ذكره.

وخلاصة الجواب: أنّ السيّد المرتضى (قدس) لم يورد تلكم الروايات على سبيل الاعتقاد بها، وإنّما أوردها ليفنّدها ويردّها على مَنْ استدلّ بها كالقاضي المعتزليّ وغيره.

وأنّ الخبر المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يصحُّ خصوصاً أنّ أساسه بُنِيَ على جرفٍ هارٍ كما بيّنه حفيد أمير المؤمنين الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام).

وفي نهاية المطاف نقول للمخالفين لمدرسة أهل البيت: إنْ كنتم تعلمون بمنهج السيّد المرتضى فيما يورده من روايات في كتابه الشافي، فقد كشف ذلك عن تدليسكم وتلبيسكم، وإلّا فقد كشف عن جهلكم.

نكتفي بهذا القدر والحمد لله أوّلاً وآخراً.