موقف محمّد بن أبي بكر من الخليفتين

السؤال : ماذا كان موقف محمّد بن أبي بكر من أبيه ومن عمر إثر حادثة السقيفة وما كان السبب الذي جعل معاوية يأمر بقتله وكيف تمّ قتله ؟ !

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

يُعدُّ محمّد بن أبي بكر ( ت 37هـ) رضون الله عليه من شيعة أمير المؤمنين المخلصين القائلين بإمامته، إذْ روى الكشّيّ بسند قويّ، قال : ( حدّثني محمّد بن قولويه ، والحسين بن الحسن بن بندار القمّيّان ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّيّ ، قال : حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عليّ بن أسباط ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من قريش خمسة نفر ، وكانت ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية . فأمّا الخمسة : فمحمّد بن أبي بكر رحمة الله عليه أتته النجابة من قبل أمّه أسماء بنت عميس ع ... ). [اختيار معرفة الرجال ،ج 1 ص 281].

وقد عدّ السيّد الخوئيّ سند الرواية قويّاً في معجم رجال الحديث، (ج4 ص 365).

وقال السيّد الخوئيّ عن محمّد : ( وعدّه البرقيّ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، الذين كانوا من شرطة الخميس . وعدّه المفيد من أصفياء أصحاب عليّ عليه السلام ( تارة ) ، ومن السابقين المقرّبين منه عليه السلام (أخرى)، ومن الحواريّين (ثالثة ) . الاختصاص : عند بيان شرطة الخميس في أوّل الكتاب ، وفي ذكر السابقين المقرّبين من أمير المؤمنين عليه السلام). ن . م. (ج 15 ص241).

كان محمّد يعتقد باغتصاب أبيه للخلافة وكذا هي عقيدته بالخليفتين من بعده. حتّى إنّه شارك في قتل عثمان كما في المصنّف لابن أبي شيبة بسند صحيح، (ج 8 ص 583).

قال الشيخ فخر الدين الطريحيّ ( ت 1085هـ) : ( ونقل عن بعض الأفاضل أنّه أنشد أباه عندما لحاه عن ولاء أمير المؤمنين ع هذه الأبيات

يا أبانا قد وجدنا ما صلح * خاب من أنت أبوه وافتضح

إنّما أنقذني منك الذي * ينقذ الدرّ من الماء الملح

يا بني الزهراء أنتم عدّتي * وبكم في الحشر ميزاني رجح

وإذا صحّ ولائي فيكم * لا أبالي أيّ كلب قد نبح) . (مجمع البحرين، ج ٣، ص ٤١).

هذا الأبيات وإن كانت مرسلة لكن ما ورد في بعض المصادر التاريخيّة كافٍ لإبراز عقيدة محمّد في أبيه والخلافة خاصّة.

وممّا يؤكّد اعتقاده بالوصيّة ما ذكره بعض المؤرّخين، عند ذكر المراسلات التي جرت بين محمّد بن أبي بكر ومعاوية، وقد اشار لها الطبريّ ( ت 310هـ)، من دون ذكرها، مبرّرا ذلك بعدم تحمّل الناس لها. قال (وحدّثني يزيد بن ظبيان الهمدانيّ أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لمّا ولي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه ممّا لا يحتمل سماعها العامّة). (تاريخ الطبري، ج 3 ص557 و ج 3 ص 337).

وهذه المكاتبات التي تحرّج الطبريّ من إيرادها في تاريخه، ذكرها أكثر من مؤرّخ. وشهرتها عند المتقدّمين ومنهم الطبريّ، خاصّة أنّها خبر تاريخيّ يعني قوّتها وصحّتها. قال المسعوديّ ( ت 346هـ) ـ وهو ليس شيعيّا ـ : ( ولمّا صرف عليّ رضي الله عنه قيس بن سعد بن عُبادة عن مصر وجّه مكانه محمّد بن أبي بكر ، فلمّا وصل إليها كتب الى معاوية كتاباً فيه: من محمّد بن أبي بكر ، إلى الغاوي معاوية بن صخر ، أمّا بعد ، فإنّ الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبَثٍ منه ، ولا ضعف في قوّته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنّه خلقهم عبيداً ، وجعل منهم غويّاً ورشيداً ، وشقيّاً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم واصطفى وانتخب منهم محمّداً صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، فانتخبه بعلمه ، واصطفاه برسالته ، وائتمنه على وحيه ، وبعثه رسولا ومبشراً ونذيراً ووكيلا ، فكان أوّل من أجاب وأناب وآمن وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب: صدّقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كلّ حميم ، ووقاه بنفسه كلّ هوْل ، وحارب حربه، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلًا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتّى برز سابقاً لا نظير له فيمن اتّبعه ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ، وهو هو ، أصدق الناس نيّة ، وأفضل الناس ذرّيّة ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عمّ ... فكيف - يا لك الويل ! - تعدِلُ نفسك بعليّ وهو وارث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآله ووصيّه وأبو ولده : أوّل الناس له اتّباعاً ، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه، ويطلعه على أمره ، وأنت عدوّه وابن عدوّه ...). (مروج الذهب،ج 3 ص 11– 13)، ونقل هذه المراسلات ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، (ج3 ص 188 – 190)، وذكرها البلاذريّ في أنساب الأشراف ، (ج 2 ص 393 – 398 )، مع تغيير طفيف، والجوينيّ (ت 1038هـ) في سمط النجوم العواليّ، (ج3 ص 14 )، ونصر بن مزاحم (ت 212هـ) في : وقعة صفين، (ص 118)، ومن الإماميّة ذكرها الشيخ المفيد في الاختصاص، (ص 124)، والمجلسيّ في بحار الأنوار، (ج33 ص579 ).

تتجلّى عقيدة محمّد بالإمامة في النصّ السابق بقوله عن الإمام عليّ ع : ( وارث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآله ووصيّه وأبو ولده : أوّل الناس له اتّباعاً، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويطلعه على أمره )، فإذا كان عليّ ع باعتقاده وصيّا، فهذا يعني أنّ أباه ومن بعده مغتصبون للخلافة، لهذا قال معاوية في ردّه على رسالته : ( ( فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر ، إلى الزاريّ على أبيه محمّد بن أبي بكر . أمّا بعد : فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفى به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه ، وقرابته ... فقد كنّا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحَقَّه لازماً لنا مبروراً علينا ، فلما اختار الله لنبيّه عليه الصلاة والسلام ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجّته ، وقبضه الله إليه صلوات الله عليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حَقَّه ، وخالفه على أمره على ذلك اتّفقا واتَّسقا ، ثمّ إنّهما دَعَوَاه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكّأ عليهما ، فهمَّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ....). (مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 3 ص12).

وممّا ينبغي مراعاته في هذا المقام أنّ محمّدا كان صغيرا وقت أحداث السقيفة، لأنّه ولد في حجّة الوداع.

وأمّا عن كيفيّة قتله، فقد أمر معاوية بقتل محمّد بن أبي بكر لمواقف محمّد في نصرة الإمام عليّ ع، ولتأليبه الناس على معاوية ولمشاركته في قتل عثمان، فروى ابن سعد بسند حسن، قال : ( قال أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال أخبرنا أبو الأشهب قال أخبرنا الحسن ـ البصريّ ـ قال : لمّا أدركوا بالعقوبة يعني قتلة عثمان بن عفان قال أخذ الفاسق بن أبي بكر قال أبو الأشهب وكان الحسن لا يسمّيه باسمه إنّما كان يسمّيه الفاسق قال فأخذ فجعل في جوف حمار ثمّ أحرق عليه). الطبقات الكبرى ، (ج3 ص 83).

وقد روى هذه الحادثة أيضاً الطبرانيّ إذْ قال : ( حدّثنا زكريا بن يحيى الساجيّ ثنا محمّد بن أبي صفوان الثقفيّ ثنا أميّة بن خالد ثنا قرّة بن خالد قال سمعت الحسن (أي البصريّ) يقول أخذ الفاسق محمّد بن أبي بكر في شعب من شعاب مصر فأدخل في جوف حمار فأحرق) [المعجم الكبير ، ج 1 ص 84 – 85].