ماهي علاقة أمير المؤمنين والزهراء مع أبي بكرٍ وعائشة؟

السؤال: كيف كانت العلاقة بين الإمام عليٍّ وفاطمة (ع) من جهة، وبين عائشة وأبي بكرٍ من جهةٍ أُخرى؟

: الشيخ نهاد الفياض

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل تحديد العلاقة بين المذكورين في السؤال ينبغي البحث فيما وصل إلينا من الروايات الناقلة لبعض المواقف والأحداث التي حصلت في عصرهم، ومن ثَمَّ يُمكن للقارئ تقييم الموقف وتحديده، وبناءً على هذا سوف ننقل لكم بعض الأخبار والآثار الكاشفة عن نوع العلاقة بينهم، وسوف ينتظم الكلام في ذكر أمرين اثنين -إنْ شاء الله تعالى-.

الأمر الأوَّل: ما جاء في أمير المؤمنين (ع).

1ـ روى مُسلم بن الحجَّاج في الصحيح بسنده عن الزهريِّ، أنَّ مالك بن أوس حدَّثه، وفيه ما لفظه: (فلمَّا توفِيَ رسول الله (ص) قال أبو بكر: أنا وليُّ رسول الله (ص)، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله (ص): ما نورث، ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنَّه لصادقٌ بارٌّ راشدٌ ‌تابعٌ ‌للحق، ثمَّ توفي أبو بكر وأنا وليُّ رسول الله (ص)، وولِىُّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم إني لصادقٌ بارٌّ راشدٌ ‌تابعٌ ‌للحق...) [صحيح مُسلم ج5 ص151].

2ـ وروى ابن قتيبة الدينوري، وفيه: (ثمَّ إنَّ علياً (كرَّم الله وجهه) أُتِيَ به إلى أبي بكر وهو يقول: «أنا عبدُ الله وأخو رسوله»، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: «أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتُم أولى بالبيعة لي، أخذتُم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتُم عليهم بالقرابة من النبيِّ (ص)، وتأخذونه منا أهل البيت غصباً؟

ألستُم زعمتُم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم، لمَّا كان محمَّد منكم، فأعطوكم المقادة، وسلَّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتجُّ عليكم بمثل ما احتججتُم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيَّاً وميتاً، فأنصفونا إنْ كنتم تؤمنون، وإلَّا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون»...) [الإمامة والسياسة ج1ص28].

3ـ وروى أحمد بن حنبل بسندٍ صحَّحه المحقق شعيب الأرنؤوط عن عائشة بن أبي بكر قالت: (أوَّل ما اشتكى رسول الله (ص) في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أنْ يُمرَّض في بيتها، فأذِنَّ له. قالت: فخرج ويدٌ على الفضل بن عبَّاس، ويدٌ على رجلٍ آخر، وهو يخطُّ برجليه في الأرض. قال عبيد الله: فحدَّثت به ابن عبَّاس، فقال: أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسمِّ عائشة؟ هو عليٌّ، ولكنَّ عائشة لا تطيب له نفساً) [مسند أحمد ج43 ص86].

4ـ وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزليِّ: (ولما نزل عليٌّ (ع) بذي قار، كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أمَّا بعد، فإني أخبرك أنَّ علياً قد نزل بذي قار، وأقام بها مرعوباً خائفاً لما بلغه من عدَّتنا وجماعتنا!! فهو بمنزلة الأشقر، إنْ تقدَّم عُقِر، وإنْ تأخَّر نُحِر، فدعتْ حفصة جواريَ لها يتغنَّيْنَ ويضْرِبْنَ بالدفوف، فأمرتهُنَّ أنْ يقلنَّ في غنائهِنَّ:

ما الخبر ما الخبر** عليُّ في السفر

[فهو] كالفرس الأشقر إنْ تقدَّم عُقر، وإنْ تأخَّر نحر. وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة، ويجتمعن لسماع ذلك الغناء) [يُنظر: شرح نهج البلاغة ج14 ص ١٣].

5ـ وقال عزُّ الدين ابن الأثير في الكامل: (ولما بلغ ‌عائشة ‌قتل ‌عليٍّ قالت:

فألقت عصاها واستقرَّت بها النوى ***

كما قرَّ عيناً بالإياب المسافر

ثمَّ قالت: من قتله؟ فقيل: رجلٌ من مراد. فقالت:

فإنْ يكُ نائياً فلقد نعاه *** نَعِيٌّ ليس في فيه الترابُ

فقالت زينب بنت أبي سلمة: أتقولين هذا لعليٍّ؟! فقالت: إنني أنسى، فإذا نسيتُ فذكِّروني) [الكامل في التاريخ ج2 ص743].

6ـ وروى أبو الفرج الأصبهانيُّ المروانيُّ الأمويُّ في مقاتله بالإسناد عن أبي البُختريّ، قال: (لما ‌أنْ ‌جاء ‌عائشة ‌قتل عليٍّ (ع) سجدت) [مقاتل الطالبيين ص55].

الأمر الآخر: ما جاء في الصدِّيقة الزهراء (ع).

1ـ روى البخاريُّ في الصحيح بسنده عن عائشة بنت أبي بكر قالت: (أنَّ فاطمة والعبَّاس (ع) أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (ص)، وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فدك، وسهمهما من خيبر...فقال لهما أبو بكر: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آلُ محمَّدٍ من هذا المال...إلى قوله: قال: ‌فهجرته فاطمة، فلم تكلّمْه حتَّى ماتت) [صحيح البخاريِّ ج8 ص149].

2ـ وروى ابن قتيبة الدينوريُّ: (فقال عمر لأبي بكر...انطلقْ بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلَّماه، فأدخلهما عليها، فلمَّا قعدا عندها، حوَّلت وجهَها إلى الحائط، فسلَّما عليها، فلم ترد ع)[الإمامة والسياسة ج١ص٢٠].

3ـ وروى أبو يعلى الموصليُّ ـ أحد الحفَّاظ عند الجمهور ـ بسنده عن عمرو بن دينار، قال: (قالت عائشة: ما رأيتُ أحداً قطُّ أصدق من فاطمة غير أبيها، وكان بينهما شيءٌ) [مسند أبي يعلى ج6 ص603].

4ـ وروى ابن حجر العسقلانيُّ بالإسناد عن الأسود بن جبر المغاريّ، قال: (دخل رسول الله (ص) على عائشة وفاطمة، وقد جرى بينهما كلامٌ، فقال: «ما أنت بمنتهيةٍ يا حميراءُ عن ابنتي») [فتح الباريّ ج9 ص258].

5ـ وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزليّ: (ثمَّ ماتت فاطمة، فجاء نساء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كلهُنَّ إلى بني هاشم في العزاء إلَّا عائشة، فإنها لم تأتِ، وأظهرت مرضاً، ونقل إلى عليٍّ (ع) عنها كلام يدلُّ على السرور) [شرح نهج البلاغة ج9 ص ١٩٨].

والنتيجة من كلِّ ذلك، أنَّ العلاقة بين المذكورين في السؤال ـ بحسب ما نعتقد ـ لم تكن علاقةً طبيعيةً، بل كانت قائمةً على التقاطع والاختلاف إلى حدٍّ يُوجِب التولِّي للطرف الأوَّل، والتبرِّيّ من الطرف الآخر.. والحمد لله ربِّ العالمين.